تعيش القضية الفلسطينية برُمتها، والشَّعب الفلسطيني اليوم على مفترق طُرق خطير، فبعد تنفيذ الرئيس الأمريكي ترامب تعهده بنقل السفارة الأمريكية لمدينة القدس المحتلة، فمن غير المستبعد أن تكون المرحلة المقبلة من صفقة القرن هي إنهاء عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئتين الفلسطينيين "الأونروا"؛ إنَّ قضية تقليص الخدمات المقدَّمة من الوكالة الدولية للاجئين تُعد إحدى ضحايا المرحلة السيئة التي يعيشها الشَّعب الفلسطيني، على ضوء استمرار حالة الفرقة والتشرذم، والانقسام الداخلي الفلسطيني؛ وتغليب المصالح الحزبية الضيقة والمصالح الفئوية على المصلحة الوطنية العليا؛ إنَّ الإعلان على أنَّ مشكلة الأونروا هي مشكلة نقص الميزانيات المالية هي قضية مفبركة، ومفتعلة، فلقد أقدمت وكالة الغوث مؤخراً على مجموعة قرارات جائرة ومُجحفة بحق اللاجئين الفلسطينيين، وخاصة قيامها بتقليص خدماتها، ووقف التشغيل في مناطق عملياتها الخمسة، كما طالت التقليصات الأخيرة آلاف الفلسطينيين، وهذا يؤكِّد أنَّ ما تقوم به وكالة الغوث الأونروا ليست أزمة مالية حقيقية بل هي مؤامرة لشطب وإنهاء حق العودة؛ لذلك قامت الوكالة بتقليص، ومن ثمَّ وقف غالبية البرامج والمشاريع الإغاثية، والتنموية، والتعليمية؛ ومن المعلوم أنَّ تلك التقليصات ليست وليدة اللحظة، واليوم؛ بل بدأت الوكالة تقليصاتها بعد عملية السَّلام بين السلطة الوطنية الفلسطينية، والاحتلال الإسرائيلي، ورويداً رويداً، وبدون أن يشعر بها أحد في بداية الأمر، ومن ثمَّ بدأت تزداد تلك التقليصات وتتضح للجميع منذ عام 2007، تقريباً وخاصة بعد هبة النفق، وانتفاضة الأقصى؛ فكان تقليص الوكالة لخدماتها يسير بشكل متواصل، وأبقت مساعداتها تلك فقط لمن تسميهم بالحالات الاجتماعية الحرجة، وبذلك تكون عمليات التقليصات الأخيرة التي قامت بها الوكالة أسفرت عن شطب آلاف الحالات الفقيرة، ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب!؛ بل امتدت تقليصات الوكالة لتمسَّ في جوهر العملية التعليمية من خلال، وقف عقود المعلمين والمعلمات وفصل بعضهم، وإلغاء عقودهم، وعدم توظيف معلمين جُدد على وظيفة ثابتة منذ أعوام؛ واستبدال ذلك بوظيفة غير ثابتة، ما يؤثر سلباً على المسيرة التعليمية ويفاقم من أزمة الطلبة في المدارس، واعتماد الوكالة نظام عدم التفريغ، أي إلغاء التفريغ الخاص بالمعلمين المشرفين!، وعمِّدت لتجميد العمل في برامج خلق فرص عمل (البطالة)، وأنهت عقود الكثير من العاملين لديها، وبهذا تكون تقليصات «الأونروا » قد شملت قطاعات تمس عصب المواطن الفلسطيني كقطاع الصحة والتعليم والخدمات بالإضافة لتجميد التعيينات الجديدة على الموازنة العامة حيث كان يتمَّ توظيف 500 مدرس كل عام؛ وإنَّ المتتبع لعمل الأونروا في مناطق ومخيمات اللجوء الفلسطينية يلاحظ أنَّها تراجعت بوتيرة كبيرة، وان المطلوب من وراء ذلك التراجع تصفية القضية "الأونروا" مدعيَّة عجز بملايين الدولارات بميزانيتيها؛ ولذلك فإنَّ تداعيات التقليصات الأخيرة ستكون كارثية على الوضع الفلسطيني خاصة في مناطق اللجوء، وهي تتماشى مع صفقة القرن؛ وسوف تزيد من معدلات الفقر وسترفع من نسب البطالة، وتشطب حق العودة من خلال طمس وإنهاء عمل وكالة الاونروا التي تُعتبر الشاهد الدولي الوحيد علي نكبة فلسطين؛ وليس الاحتلال ببعيد عن المؤامرة لشطب حق العودة؛ بل إنَّ حملة التحريض التي يشنها قادة الاحتلال وفي مقدمتهم رئيس عصابة الاحتلال نتنياهو، والسفيرة الأمريكية المتصهينة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، لا يعدو كونها محاولة لتصفية القضية الفلسطينية من خلال إنهاء قضية اللاجئين وطمس حق العودة؛ وتماشياً مع قرار الرئيس الأمريكي ترامب،، والذي يعمل جاهداً لتمرير مخططه القاضي بشطب حق العودة ، وإنهاء عمل وكالة الغوث الأونروا، لأنَّها تُعد الهيئة والشاهد الدولي على الجريمة التي اقترفتها العصابات الصهيونية عام النكبة 1948م، وقامت بطرد شعب كامل من أرضه؛ إنَّ الهدف السياسي الذي تسعى له دولة الاحتلال بعد نقل السفارة هو تصفية "الاونروا" بمساعدة الإدارة الأمريكية، الصهيونية؛ والذين يرون في بقاء وكالة الاونروا أداة لإدامة حالة اللجوء من خلال منح صفة لاجئ لكل فلسطيني حتَّى وإن كان ممن ولد خارج فلسطين المحتلة، وما يترتب على هذا الأمر من ازدياد أعداد اللاجئين الفلسطينيين بحسب قواعد الأمم المتحدة التي تحدد "بأنَّ من ترك بيته في عام 1948 في فلسطين هو لاجئ وجميع ذريته لاجئين أيضاً، ولذلك فإنَّنا نأمل من الأونروا تجاوز تلك المحنة المفتعلة والعمل على رفض تغيير اسمها لتنزع عن جسدها المهمات التي أخذتها على عاتقها، ومن أجلها أسستها الجمعية العامة للأمم المتحدة تنفيذاً لقرارها رقم 302 للعام 1949، ولتمحو صفة (اللاجئين) عن الفلسطينيين الذين شرّدهم "الكيان الصهيوني" من وطنهم في عام 1948 حين قيامها، لأنَّ الهدف مما يحاك من مؤامرة قطع الطريق على قرار الأمم المتحدة رقم 194 الذي يتحدث عن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم، والتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم نتيجة هذا التهجير؛ من أجل ذلك فإنَّ قرار وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بالفصل لألفٍ من موظفيها في قطاع غزة، هو قرار جائر وتصفوي وتعسفي؛ وكل ما يدور من حولنا يأتي في سياق شطب حق العودة وبغطاء إقليمي ودولي، لذلك علينا نحن الفلسطينيين العمل من خلال إستراتيجية، وطنية فلسطينية شاملة، يكون عنوانها التصدي لكل محاولات تصفية القضية الفلسطينية، والدفاع عن حقوق الشَّعب الفلسطيني وفي القلب منها حق العودة للاجئين، وعلينا جميعاً التصدي لقرار مدير عمليات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في قطاع غزة، ماتياس شمالي، والذي يهدد بتأجيل افتتاح العام الدراسي بحجة الأزمة المالية للوكالة!؛ خاصة بعد أن أعلنت الوكالة نيتها إغلاق 700 مدرسة تابعة للوكالة في وقت سابق، وتراجعت بعد ضغوطات عديدة ، مما لا يدع مجالاً للشَّك في أنَّ وكالة الاونروا تتعرض لعملية تصفية مُتدرجة ومتدحرجة، وعلى مراحل، يشارك في تلك التصفية الاحتلال والولايات المتحدة، وبصمت وتواطؤ دولي من القريب والبعيد، من أجل إنهاء ملف اللاجئين الفلسطينيين وشطب حقهم في العودة ومحاولة توطينهم في أماكن تواجدهم؛ وأعتقد إن لم ينته الانقسام الفلسطيني البغيض، وإن لم نتوحد سنكون نحن الفلسطينيون أنفسنا شاركنا في شطب حق العودة، وفي تنفيذ صفقة القرن، والتاريخ لن يرحم ولن يسامح كل من فرط وتاجر وتآمر على قضية اللاجئين وعلى كل الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا الفلسطيني، فلا بد من تظافر وتوحيد كل الجهود الوطنية المخلصة.