لا تحتمل اللحظات التاريخية المصيرية التمترس في خنادق الجبهة المضادة للعقلانية والواقعية والحكمة السياسية، ذلك أن المصالح العليا للشعب الفلسطيني تتطلب رؤية وطنية خالصة، وشراكة إلى حد الاندماج والتفاعل في المشهد بلا حسابات شخصية أو فئوية أو حزبية.
ولا تحتمل هذه اللحظة إثقالها بمواقف المتطرفين في الأحزاب والقوى والفصائل والتنظيمات والجماعات، ولا بتنظيرات أدعياء الاستقلالية، والحيادية، وترف المتكئين على مقاعد المتفرجين، الذين يحاولون إغراق الشارع بلاءات - (جمع لا) – عبثية، مجردة من المنطق، وكأن وأد القضية أو إبقاؤها في غرفة الإنعاش حتى يوم القيامة (الآخرة) هو ما يتمناه المتكسبون من التجارة بها على المستوى الإقليمي والدولي، والمستغلون إلى حد الإجرام لكرم الفلسطينيين في التضحية وافتداء وطنهم !!.
لا يمكن لوطني عاقل إغفال التقديرات الصحيحة، السليمة من أذى الهوى الشخصي أو الفئوي أو حتى الجهوي، فأصحاب البصيرة في هذا الشعب كثر، ومثلهم الذين يمتلكون قدرات استثنائية في النظر البعيد المدى، وبرهنوا في محطات التجارب وامتحانات التمسك بالثوابت على مصداقيتهم ونزاهتهم وصلابة مواقفهم، وصوابية المنهج السياسي الأخلاقي الذي اتبعوه كسبيل لحماية حقوق الشعب الفلسطيني، وتثبيتها كمواد أساسية ليس في نصوص القانون الدولي، بل جوهره وروحه وفلسفته.
بعد أربعة أيام ستنطلق من قاعة القائد الوطني احمد الشقيري في مقر الرئاسة في رام الله وبجوار ضريح الرئيس الشهيد ياسرعرفات أعمال المجلس الوطني، وكأن رئيس حركة التحرر الوطنية، رئيس الشعب الفلسطيني، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير القائد الوطني أبو مازن يسير بالزمن الفلسطيني، إلى حيث كان يأمل القادة الوطنيون الأوائل، حيث عاد المجلس إلى أرض فلسطين الوطن، رحم الشرعية الوطنية، ففي القدس وقبل سبعين عاما انطلقت أعمال أول مجلس وطني فلسطيني عقد في القدس في العام 1964، برئاسة القائد الوطني احمد الشقيري، فيما كانت النواة الأولى للمجلس الوطني الفلسطيني قد تشكلت في المؤتمر الوطني الذي دعا إليه رئيس الهيئة العربية العليا أمين الحسيني في العام 1948، ليكون أول سلطة تشريعية للفلسطينيين على أرض فلسطين والى جانبه أول سلطة تنفيذية (حكومة) برئاسة احمد حلمي باشا بعد قرار التقسيم الأممي 181 في 29 تشرين الثاني / نوفمبر، من العام 1947.
بعد أيام سيؤكد الوطنيون الفلسطينيون أن المجلس الوطني هو برلمان الشعب وإنهم تحت سقفه يمثلون إرادته الحرة ومداها السماء وقراره المستقل.
سيبعث المجتمعون رسالة للعالم خلاصتها أن المجلس الوطني رمز الهوية السياسية للشعب الفلسطيني وقلب حركة تحرره الوطنية النابض والمصدر الرئيس والوحيد لشرعية النظام السياسي الفلسطيني، وعنوان دولة فلسطين المستقلة القانوني المعروف لدى دول وبرلمانات العالم كان كذلك وسيمضي متمسكا بالثوابت حتى عقد دورة الاستقلال في القدس الحرة المحررة من الاحتلال الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي، عاصمة فلسطين التاريخية والأبدية، فالمجلس الوطني قاعدتنا الدستورية الأصلب لرفع مكانة فلسطين في القانون الدولي وتثبيتها على خارطة العالم السياسية.
نعتقد وباليقين أن مخرجات دورات المجلس الوطني لم تتأثر بأماكن انعقاده في الأقطار العربية الشقيقة، ولا حتى بتأثيرات المناخات والنظم السياسية التي كانت سائدة فيها، ونعتقد هنا أن شهادة الأعضاء العريقين في المجلس الوطني مهمة في هذا السياق نتمنى أن يتحدثوا بها أو يؤرخوها لتعلم الأجيال بأن الإرادة الوطنية الحرة لم تخضع ولم تنكسر، وان هذا المجلس كان بمثابة قلعة الشعب الفلسطيني لمقاومة حروب وحراب الاحتلال الاستعماري.. وحصن القرار الوطني المستقل.
انشغل المُصَنعون أصلاً في مختبرات المخابرات المعادية للمشروع الوطني ولحركة التحرر الوطنية الفلسطينية، انشغلوا منذ فترة في خرط وتشكيل قذائف الإحباط والتشكيك بشرعية المجلس الوطني وبمكان انعقاده وبمخرجاته حال علمهم بتوفر النصاب القانوني لعقده كدورة عادية، وعمل هؤلاء النصابون (وتحديدا في حماس) على شحذ سكاكين إرهابهم السياسي لطعن شرعية منظمة التحرير ومجلسها الوطني، وراحوا يتسابقون في مهمة عرقلة نهوض المنظمة، وتلغيم دروبها، وحرفها عن سكة المشروع الوطني، في أبشع عملية قنص واقتناص للفرص، لإبراز قدراتهم على تمرير مشاريع الحلول البديلة الإسرائيلية والأميركية، فانكشفوا وهم يقدمون خدمات مجانية لدولة الاحتلال (إسرائيل) وقوى إقليمية مقابل تكريس سلطتهم الانقلابية كأمر واقع في (دويلتهم الاخوانية الحمساوية).
على هؤلاء ان يعلموا أن انعقاد المجلس الوطني على أرض الوطن.. انتصار لفكر الثورة، وحقنا التاريخي والطبيعي بأرض فلسطين، ورسالة من الشعب الفلسطيني للعالم بأنه آدمها، تكون من ترابها وباق فيها للأبد، وعليها سيكون حرا مستقلا، يساهم مع العالم في نشر رسالة السلام.
يعلم المحترقون بنار يوقدونها بأنفسهم، الذين حرفوا وزوروا العقيدة الروحية بأيديهم بغية تحصيل مكاسب للجماعة على حساب الوطن، أن الوطنيين يجسدون ايمانهم بالوحدة الوطنية كعقيدة سياسية، وتمسكهم بالثوابت وأن انعقاد المجلس الوطني ليس غاية وانما وسيلة تقربنا اكثر من تحقيق الشعار(ثورة حتى النصر ).
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها