قال رئيس دولة فلسطين محمود عباس، إن خسائر دولة فلسطين السنوية تقدر وفق تقارير البنك الدولي بمليارات الدولارات جراء منعنا من استغلال كامل أراضينا، والاستثمار في مواردنا الطبيعية.

وأضاف الرئيس، في كلمته للقمة العربية الإفريقية الثالثة التي افتتحت أعمالها، اليوم الثلاثاء، أن أبرز وأهم المخاطر على فرص تحقيق السلام في فلسطين والمنطقة، هو ما تتعرض له مدينة القدس الشريف، والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها من تغيير معالمها بشكل ممنهج، واستيلاء، وهدم وتدمير تاريخها وتراثها الديني والروحي والعمراني، وصورتها الحضارية، وعملية طرد وتهجير قسري لسكانها العرب الفلسطينيين في مخالفة وانتهاك صارخ للقانون الدولي.

وقال الرئيس، 'نتطلع لأن تكون فلسطين أحد الشركاء الفاعلين في الشراكة العربية الإفريقية، مشددا على أهمية محاربة ظاهرة الانقسام والتشرذم والتفكيك التي تتعرض لها الأقطار العربية وإفريقية.

وأشار سيادته إلى أنه من أجل أن تفضي القمة إلى قرارات عملية توضع موضع التنفيذ لا بد من وضع خارطة طريق تضعنا جميعاً على مسار تفاعل وتعاون إيجابي، يحافظ على مصالحنا الإستراتيجية المشتركة.

وأكد الرئيس أن أبرز التهديدات الأمنية المشتركة لنا هي نمو ظاهرة الإرهاب، فضلاً عن ظاهرة القرصنة في شرق القارة، وتهديد منظومة الأمن في البحر الأحمر.

وأشاد بالدور الذي لعبته دول الاتحاد الإفريقي في حسم النتيجة في الأمم المتحدة لصالح التصويت لعضوية فلسطين كدولة مراقب، وقال إن هذا الموقف المشرف هو النهج الذي دأبت وعودتنا على وقوفه دول القارة الإفريقية العملاقة بشعوبها وقياداتها منذ أمد بعيد، من أجل تمكين شعبنا من نيل حريته واستقلاله والعيش بكرامة في وطنه.

وفيما يلي نص كلمة سيادته للقمة:

يطيب لي بداية أن أتوجه بصادق التحية والتقدير، لأخي صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال، الذي لقيناه في ربوع الكويت، وأثمن عالياً ما بذلتموه من جهود من أجل عقد هذه القمة الهامة بكل المقاييس؛ فهذه القمة العربية – الإفريقية الثالثة، التي تنعقد اليوم هنا في بلدكم الشقيق العزيز تحت عنوان: شركاء بالتنمية والاستثمار:

هي التعبير الصادق والأكيد عن الدور البنّاء الذي تلعبه الكويت في المجموعة العربية، وفي تعزيز عرى الصداقة والتعاون العربي – الإفريقي.

ونحن، أيها الإخوة والأصدقاء، لسنا شركاء فقط في التنمية والاستثمار، وإنما نحن شركاء في الهموم والمصير والمستقبل الواعد بالخير والرخاء لأبناء مجموعتينا وشعوبهما والعالم بأسره، فعلاقات التعاون والأخوة العربية – الإفريقية عميقة الجذور قديمة، فيجمعنا التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والثقافة.

وفي مستهل كلمتي هذه، أود أن أنوه شاكراً بالدور الذي لعبته دول الاتحاد الإفريقي في حسم النتيجة في الأمم المتحدة لصالح التصويت لعضوية فلسطين كدولة مراقب، وهذا الموقف المشرف هو النهج الذي دأبت وعودتنا على وقوفه دول القارة الإفريقية العملاقة بشعوبها وقياداتها منذ أمد بعيد، من أجل تمكين شعبنا من نيل حريته واستقلاله والعيش بكرامة في وطنه.

الأخ الرئيس،

الإخوة القادة،

السيدات والسادة،

أعلم أن لجان التحضير لهذا المؤتمر قد عملت بجهدٍ كبير ومشكور، من أجل بلورة الآراء والمقترحات والتوصيات، التي سترفع للقمة، للنهوض بالعلاقات العربية الإفريقية، وعلى كافة الصعد الاقتصادية والثقافية والتنموية والاستثمارية، وإن مجموعتينا بما تتمتعان به من ثروات بشرية وطبيعية تستطيعان صنع الكثير على مستوى التنمية والتطور والرخاء الاقتصادي.

 غير أن قمتنا الثالثة هذه أمام تحد كبير، لأن عيون شعوبنا تنظر إليها، معلقة عليها آمالاً كبيرة، فهي تريدها قمة تفضي إلى قرارات عملية توضع موضع التنفيذ، لا أن تكتفي بالإعلانات وحسب؛ ووصولاً لهذه الغاية لا بد من وضع خارطة طريق تضعنا جميعاً على مسار تفاعل وتعاون إيجابي، يحافظ على مصالحنا الإستراتيجية المشتركة، وذلك تأسيساً على عمق العلاقات التاريخية والصلات المشتركة، والمعطيات الجيوسياسية، والتي كلها تصب في صالح إيجاد شراكة من نوع جديد، تحقق مصالح شعوبنا وأمانيها في الرفاه والتقدم والحياة الأفضل والعيش الكريم.

وقبل أن أنقل إليكم هموم شعبنا، اسمحوا لي أن أشير إلى أن طبيعة التحديات المشتركة التي تواجهنا، ماضياً وحاضراً، تحتّم علينا تعزيز التقارب والتعاون فيما بيننا، حتى تتم صيانة مصالح الطرفين في ظل التحديات الراهنة والمستقبلية، وذلك من خلال محاربة ظاهرة الانقسام والتشرذم والتفكيك التي تتعرض لها أقطارنا، والتي يتم دفعها باتجاهها لإضعافها، والسيطرة عليها، ومن خلال استغلال التنوع العرقي الثقافي والديني والمذهبي، لتصبح عناصر فرقة وتشرذم، بدلاً من أن تكون عناصر إغناء وإثراء، وتعدد ثقافي وحضاري خلّاق؛ الأمر الذي يهدد السلم والاستقرار الإقليمي في القارة الإفريقية والإقليم العربي، والذي ستكون له ارتداداته وانعكاساته السلبية علينا جميعاً، وعلى دول الجوار والعالم بأسره؛ وسيشكل تحديات أمنية لنا جميعاً على نحو مباشر، وغير مباشر، ولعل أبرز التهديدات الأمنية المشتركة لنا هو نمو ظاهرة الإرهاب، فضلاً عن ظاهرة القرصنة في شرق القارة، وتهديد منظومة الأمن في البحر الأحمر.

إن كل هذه التحديات والمخاطر، تجعل من تعاوننا الاقتصادي والتنموي والأمني والسياسي والثقافي ضرورات لا يمكن الاستغناء عنها.

 إن إفريقيا القارة الواعدة والنامية، التي حققت في السنوات الأخيرة نسب نمو مبشرة، تستحق أن تولى الأهمية القصوى على صعيد الاستثمار والتبادل التجاري والاقتصادي العربي - الإفريقي، ولا بد لرأس المال العربي الخليجي أن يلعب دورا أساسياً في هذا المجال، عبر شراكات استراتيجيه بين العرب والأفارقة، تتخطى العقبات والعراقيل كافة، فتكون عائداتها نافعة للطرفين اقتصادياً واستراتيجياً حاضراً ومستقبلاً وعلى المدى البعيد.

إن فلسطين، التي أحييكم وأشكركم باسم شعبها وقيادتها، على كل جهد بذلتموه، ودعم قدمتموه من أجل جعلها تنال جانباً من حقوقها في منظومة الأمم المتحدة، كدولة عضو مراقب كخطوة نحو العضوية الكاملة، لتعبر لكم عن امتنانها وتثمينها لمواقفكم الأخوية والصديقة النبيلة، التي ظلت على الدوام خير سند لنا، من أجل إنهاء معاناة شعبنا وعذاباته المستمرة منذ أكثر من خمسة وستين عاماً، نتيجة الظلم التاريخي الذي وقع على شعبنا الفلسطيني دون وجه حق.

 

إن إيماننا وثقتنا وأملنا بضرورة تحقيق السلام في فلسطين والمنطقة هي أكيدة وراسخة، غير أننا نواجه كل يوم تحديات جديدة، وممارسات إسرائيلية تفوق الوصف في فظاعتها وبشاعتها، وإن أكبر التهديدات لفرص تحقيق السلام في فلسطين، هي أن إسرائيل قوة الاحتلال في الوقت الذي نجري فيه مفاوضات معها، لا زالت تمعن في سياساتها التوسعية الاستيطانية، ومصادرتها لأراضينا ومواردنا الطبيعية، وتقوم ببناء جدار الفصل والعزل العنصري، ناهيكم عن جملة الإجراءات والمعوقات التي تضعها إسرائيل في وجه نمو وتطور الاقتصاد الفلسطيني، وتعطيل الدورة الاقتصادية الداخلية والخارجية في فلسطين.

فخسائرنا السنوية تقدر وفق تقارير البنك الدولي بمليارات الدولارات جراء منعنا من استغلال كامل أراضينا، والاستثمار في مواردنا الطبيعية، من الغاز في شواطئ قطاع غزة، والنفط في الضفة الغربية، والبوتاس في البحر الميت، وأحواضنا المائية وأخصب أراضينا الزراعية ومنعنا من إقامة المطارات والموانئ، والمنتجعات السياحية على شواطئ البحر الميت، وفي القدس الشرقية، ومنع إقامة المناطق الصناعية والزراعية التي يمكن لها أن تُشغّل مئات الآلاف من الأيدي العاملة في فلسطين.

الأخ الرئيس،

السيدات والسادة،

لا بد لي من أن أدق ناقوس الخطر، وأحذر من على هذا المنبر بأن أبرز وأهم المخاطر على فرص تحقيق السلام في فلسطين والمنطقة، هو ما تتعرض له مدينة القدس الشريف، والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها من تغيير معالمها بشكل ممنهج، واستيلاء، وهدم وتدمير تاريخها وتراثها الديني والروحي والعمراني، وصورتها الحضارية، وعملية طرد وتهجير قسري لسكانها العرب الفلسطينيين في مخالفة وانتهاك صارخ للقانون الدولي.

إن تحقيق السلام هو مصلحة وطنية فلسطينية، مثلما هو مصلحة إسرائيلية وإقليمية ودولية، والمفاوضات التي نخوضها تهدف إلى التوصل لاتفاق سلام دائم يقود إلى قيام دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس الشرقية، على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، لتعيش بأمن وسلام، و حسن جوار إلى جانب إسرائيل، مع حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حلاً عادلاً، يتفق عليه، وفق القرار الأممي 194، كما نصت عليه مبادرة السلام العربية.

وبهذا الصدد، فإننا نشيد بالدور الذي تقوم به الولايات المتحدة، من خلال الجهود المبذولة من قبل الرئيس أوباما، ووزير الخارجية جون كيري، للدفع بالعملية السلمية للوصول إلى غايتها المنشودة خلال الأشهر التسعة المحددة للعملية التفاوضية. وفي نفس الوقت لا ننسى الدور الذي تضطلع به أطراف الرباعية الدولية، بما فيها الإتحاد الأوروبي وجهوده القيمة في هذا المجال والتي تمثلت مؤخراً بقراراتها وبياناتها وإجراءاتها التي تؤكد أن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير شرعي وفق القانون الدولي.

وأجدد التأكيد هنا مرة أخرى، بأننا لا نقبل بالدولة ذات الحدود المؤقتة، أو الانخراط في ترتيبات انتقالية، فهدفنا التوصل إلى معاهدة سلام بين دولتي فلسطين وإسرائيل، تعالج جميع القضايا، وتغلق جميع الملفات، طبقاً لقرارات الشرعية الدولية، وقرارات مجلس الأمن.

الأخ الرئيس،

السيدات والسادة،

عوداً إلى عنوان مؤتمرنا الذي يشير إلى الشراكة العربية - الإفريقية في التنمية والاستثمار، فإننا نتطلع لأن تكون فلسطين أحد الشركاء الفاعلين في هذه الشراكة، ففلسطين بلد شابٌ في موارده البشرية، ومنفتح حضارياً، ويتمتع بخبرات فنية وعلمية كبيرة، يمكن استغلالها وتقديمها من خلال شراكات ثنائية أو متعددة في المجالات السياحية، والزراعية، والصناعية، والتجارية، وكذلك في مجال تكنولوجيا المعلومات، وإنتاج وتوزيع الطاقة من خلال حقول الطاقة البديلة وخاصة الشمسية منها.

أجدد لكم شكري على حسن الاستماع، وأتمنى لمؤتمرنا التوفيق والنجاح، والتوصل إلى الآليات الكفيلة بدفع عجلة الشراكة التنموية الاستثمارية العربية الإفريقية إلى الأمام.

وأعبر عن خالص التقدير للكويت أميراً وحكومة وشعباً، على كل ما بذلته من جهود لاستضافة هذه القمة وعقدها، والعمل على إنجاحها بأعلى مستوى.

كما نثمن عالياً الجهود التي بذلتها الأمانتين العامتين لكل من جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي، لإنجاح هذه القمة.