حوار: محمد الصالح

  على مدى عقودٍ من الزمن نجحَ الإعلام الفلسطيني، ولا سيما الفتحوي، في مواكبة الحدث الفلسطيني أينما كان، وتكريس المبادئ الوطنية، وبثِّ الوعي بعدالة القضية الفلسطينية، وإيصال الصوت الفلسطيني إلى الرأي العام العربي والدولي. ولم يقتصر عمل الإعلام الحركي ووجوده على ساحة الوطن، وإنَّما كان له الحضور المميّز في ساحات الشتات أيضًا، وأبرزها لبنان. وللاطلاع على واقع الإعلام الحركي في لبنان، وكيفية تطويره والنهوض به، كان لنا هذا الحوار مع مدير المكتب الإعلامي لحركة "فتح" - إقليم لبنان، ومدير تحرير مجلّة "القدس" وموقع "فلسطيننا" الإلكتروني، علي خليفة.

بدايةً هل لك أن تُقدِّم لنا لمحةً تاريخيّةً موجزةً عن الإعلام الفلسطيني الحركي؟

يُعتبرُ الإعلام أحدَ أشدِّ السلطات نفوذاً وتأثيراً في مجتمعاتنا لقدرته على تشكيل وحشـد الرأي العام على المستويات المحلية، والإقليمية، والدولية. وقد نجحت حركة "فتح" منذ انطلاقتها في العام 1965 بزرع مفاهيم سياسية جديدة في قطاعات شعبية، وسياسية، وحزبية، واسعة، وساهمت بتعزيز الحياة الثقافية والنضالية لشعبنا، وعَمِلَت من خلال منابرها الإعلامية على تزويد صفوف ومواقع الحركة وأُطُرها القيادية والتنظيمية القاعدية بالدراسات، والنشرات الداخلية، وعملت أيضًا على نشر بيانات الانطلاقة الأولى، والعمليات العسكرية، وتوعية أبناء شعبنا بعدالة قضيتنا، ما شكَّل قفزة من الوعي الثقافي والسياسي.

ويعتبر الإعلام الفتحاوي إعلاماً طليعياً مُقاوماً، واكبَ الثورة منذ انطلاقتها في العام 1965، ولقد تمايز الإعلام الفلسطيني والفتحاوي تحديدًا عن غيره بوطنيّته، فكان الصوت الصادح بالحق، وشكَّل على اختلاف تصنيفاته منابرَ مُدوّية على جميع المستويات المحلية والعربية والدولية، وساهم في كشف وفضح الوجه الحقيقي للاحتلال الإسرائيلي وممارسته العنصرية والإجرامية بحقّ شعبنا، وأدّى دورًا بارزًا في نقل يوميات الثورة والعمليات الفدائية التي ملأت الدنيا وشغلت العالم، وفي إيصال الصوت الفلسطيني إلى أهم المنابر الدولية، ونستذكر هنا الخطاب التاريخي للرئيس الشهيد ياسر عرفات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي قال فيه: "جئتُكم يا سيادة الرئيس.. ببندقية الثائر في يدي، وبغصن الزيتون في يدي الأخرى، فلا تُسقِطوا الغصن الأخضر من يدي".

كما نستذكرُ أهمَّ الشخصيات الإعلامية التي برزت، وكان لها باع كبير بهذا الشأن، منها على سبيل الذكر لا الحصر: عـز الدين قلق، وكمال ناصر، ومحمود الهمشري، وسعيد حمامي، وماجد أبو شرار، وكمال عدوان، وأحمد عبدالرحمن، وصخر حبش، ومصطفى أبو علي، وهاني جوهرية، وسُلافة مرسال، وخالد مسمار، ونبيل عمرو، ويحيى رباح، والحاج رفعت شناعة، وغيرهم من الذين كان لهم دورٌ مهم ومتميّز في بناء المؤسسة الإعلامية الفتحاوية بشكل خاص، والفلسطينية بشكل عام، من خلال النشرات والمجلات والأفلام الوثائقية، والصور الفوتوغرافية، التي قُدّمت للجمهور المتابع لأحداث القضية الفلسطينية، ما مكَّن من إقامة علاقات مع الأحزاب والقوى السياسية العربية والدولية، التي باتت بمنزلة مواقع جديدة تقتنع بعدالة القضية الفلسطينية وتنتصر لشعبنا، وحقوقنا الوطنية المشروعة بالعودة وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وتمكَّنت من استقطاب أبرز روّاد الكلمة من صحفيين، وكُتّاب عرب وأجانب خدمةً للقضية الفلسطينية.

ونستذكر هنا أهم هذه المنابر التي واكبت انطلاقة الثورة على سبيل الذكر لا الحصر: إذاعة صوت فلسطين – صوت الثورة الفلسطينية، وجريدة "فتح"، ومجلة "فلسطين الثورة"، و"صوت فلسطين" ، ومجلة "الثورة الفلسطينية"، و"فلسطيننا".

ما هو تقييمك لواقع الإعلام الحركي في لبنان؟ وبرأيك كيف يُمكن تطويره؟

للحديث عن واقع الإعلام الحركي في لبنان لا بدَّ من الإشارة إلى وجود طاقم إعلامي أكاديمي مُتخصِّص في القضايا الإعلامية كافةً، يعمل على صياغة الخطاب الإعلامي الجماهيري والسياسي لحركة "فتح"، وأشرف على تمكينه وتطويره على مدار السنوات الماضية عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" و"مفوض الإعلام والثقافة" في لبنان الحاج رفعت شناعة، ويلتزم هذا الخطاب الحيادية حيال القضايا العربية الداخلية باعتباره يخدم القضية الفلسطينية، ويحافظ على مكانتها لتبقى القضية المركزية للأمة العربية، وعلى ضوئه نُقدِّم خطابنا الإعلامي لكل من كوادرنا الحركية وفصائلنا الفلسطينية، وأبناء شعبنا بكافة أطيافه، ورجالات السياسة، والأحزاب والقوى الشعبية اللبنانية والعربية، بواسطة أدبيّاتنا ومنشوراتنا ووسائل إعلامنا التي نمتلكها كمجلة "القدس"، وموقع "فلسطيننا"، وبياناتنا الحركية، ونشرة "الحقيقة"، وصفحاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي، وقوائمنا البريدية، إضافة إلى قناة "فتح TV" التي نبذل جهداً كبيرًا لإطلاقها في وقت قريب.

أمَّا عن كيفية تطوير الواقع الإعلامي الحركي، فيجب العمل على شقين رئيسَين. الأول يتعلَّق بالإعلام الحركي الداخلي، وأقصد هنا الشُّعب والمناطق، فهذا يتطلَّب وجود إعلاميين أكاديميين في هذه المواقع، ويتطلَّب إخضاع الطواقم الإعلامية الحالية للعديد من الدورات، فالإعلام تطوَّر وقفزَ قفزاتٍ نوعيةً في مجال المرئي والمكتوب من ناحية الوسائل والتقنيّات واللغة والأساليب المستخدَمة، وغيرها، ولأنَّ مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت في غاية الأهمية، فإنَّه يجب وضع استراتيجية واضحة في المناطق تخضع لهيكلية مركزية، وتلتزم بها.

أمّا على الصعيد المركزي، فهناك مشكلة أساسية. فالدول والأحزاب السياسية، تنفق سنويًّا مئات الآلاف من الدولارات على دعم تطوير الإعلام، ولكن للأسف ما يُنفَق حركياً على تطوير عملنا الإعلامي وتدريب الصحفيين لتطوير قدراتهم ومهاراتهم، غير مُدرَج نهائيًّا ضمن أولويات القيادة في لبنان.

 وعلى مدار السنوات التي تلت اتفاق "أوسلو"، وعودتنا إلى أرض الوطن، تركَّز الاهتمام على بناء مؤسسات السلطة والدولة المستقبلية، ومن ضمنها الإعلام الرسمي، على حساب تطوير الإعلام الحركي، والذي تكرّس بعدم وجود فضائية رسمية لحركة "فتح"، وعدم وجود جريدة يومية تُعلن وتعبّر عن موقف الحركة، وانسحبَ هذا الواقع على إعلامنا الحركي في لبنان، حيث نعاني من عدم وجود الإمكانيات اللازمة لتطوير العمل من ناحية، وعدم وجود دورات مهنية لتطوير الكادر الموجود ورفده بتقنيات العمل الحديثة، وهذا مهم جدًا، وهناك خلل أيضاً في آلية التعاطي مع الكادر الإعلامي، فنحن خسرنا عددًا كبيرًا من إعلاميينا بسبب عدم وجود شريحة مالية خاصة بالكادر الإعلامي الذي ذهب البعض منه للعمل في مواقع إعلامية إن لم نُسمِّها معادية فهي ليست صديقة، وبالتالي يجب إعادة النظر في آلية التعاطي مع الكادر الإعلامي الذي لديه أيضًا همومه الحياتية والتزاماته الاجتماعية، وبحاجة إلى مواكبة التطور في مجالات الإعلام بشكل عام.

هل لديك خطةُ عملٍ للنهوض بالإعلام الحركي؟ أين أصبت؟ وأين فشلت؟

حركة "فتح" خارج مهاترات وارتهان الفضائيّات المنتشرة هنا وهناك، المتواجهة والمتصادمة، واستقلالية الحركة سبب مباشر في محاصرة صوتها. فحركة "فتح" تعمل وَفْقَ منظومة العقل وتحديد بوصلة الصراع، ولا تستغل العصبيات والتسويق السائد، وهذا يتطلَّب الاعتماد على الذات ضمن ما هو متاح. وبدوري كمدير لتحرير مجلة "القدس"، ومؤسّس ومسؤول لموقع "فلسطيننا" الإلكتروني وقناة "فتح TV" الإلكترونية، إضافةً إلى اطّلاعي ومتابعتي اليومية لعمل كادرنا الإعلامي في مختلف المناطق، وضعت بين يدي القيادة خطة عمل كاملة لتطوير العمل الإعلامي الحركي في لبنان، ولليوم لم يتم التعاطي معها بإيجابية، وسبب ذلك باعتقادي وجود عائق مادي، فنحن نمتلك الطاقات والكفاءات المطلوبة لتطوير العمل، ولدينا المؤسسة الإعلامية القادرة على النهوض بواقع إعلامنا الحركي، وحقَّقنا وأنجزنا الكثير وبمهنية عالية، وتمكّنا من مواكبة القفزات النوعية في العمل الإعلامي على مدار السنوات العشر الأخيرة، لذلك أنا راضٍ عن ما تمَّ تحقيقه، ولكنَّنا نطمح للمزيد.

أمَّا الحديث عن الفشل فهذا غير وارد. فنحن نمتلكُ الطاقات الإعلامية القادرة على إنجاح أي مشروع إعلامي، وتمكَّنا من تحقيق كل ما هو مطلوب ضمن الإمكانيات المتاحة، ونحن بانتظار توفُّر الإمكانيات المادية لإطلاق محطة إلكترونية خاصة بحركة "فتح"، وهذا سيُشكِّل قفزةً نوعيةً في عملنا الإعلامي، وقد يؤسّس لإطلاق فضائية فتحاوية مستقبلاً.