دعت جامعة الدول العربية إلى تبني نهج شامل ومتكامل في مواجهة الإرهاب، يقوم على رؤية أمنية، وسياسية، واقتصادية، واجتماعية، وحقوقية، وعلى تدابير وقائية منهجية، تتصدى للظروف المؤدية الى انتشار تلك الظاهرة الخطيرة.

وقال الأمين العام المساعد رئيس قطاع الشؤون الاجتماعية في الجامعة العربية بدر الدين علالي، خلال افتتاح "ورشة عمل الإرهاب وحماية حقوق الإنسان"، التي نظمتها الجامعة العربية، اليوم الخميس، بمشاركة دولة فلسطين، وعدد من المنظمات، والمجالس العربية المتخصصة، وممثلي الدول الأعضاء.

وحذر علالي من تداعيات الإرهاب، مؤكدا ضرورة تكثيف الجهود للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة، التي تهدد الأمن، والاستقرار، وسيادة القانون، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحريات الأساسية، منوها إلى أن الإرهاب يشكل خطرا وتحديا كبيرا على المستويين الدولي والداخلي، فتداعيات الأعمال الإرهابية تطال كافة الأصعدة السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية.

وقال علالي "إن الارهاب في حد ذاته انتهاك جسيم لحقوق الإنسان، وفي مقدمة هذه الحقوق الحق في الحياة والحق في الأمن"، مشيرا إلى أن أهمية موضوع حقوق الإنسان تكمن في كون أن ضمان واحترام وحماية هذه الحقوق تمثل ركيزة أساسية لاستقرار المجتمعات وتحقيق التنمية الشاملة. وأكد "أن ظاهرة الارهاب وآثارها، تحتم على الدولة باعتبارها المسؤولة عن حفظ الأمن والنظام العام، واتخاذ التدابير الضرورية لمواجهة الأعمال الإرهابية، وتنظيماتها".

وأشار إلى "أن أحداث 11 سبتمبر، التي شهدت فيها الأعمال الارهابية نقلة نوعية من حيث التخطيط والوسائل والاهداف وعدد الضحايا، أوجدت فرضية تعارض الأمن القومي، وحقوق الإنسان، والساحة الدولية شهدت جدالا قانونيا بين من يقول بأن الافراط في حماية حقوق الإنسان قد يهدد الأمن القومي نتيجة استفادة التنظيمات الارهابية لهذه الحماية واستغلالها، وبين من يؤكد أن حماية حقوق الإنسان لا تتعارض مع الأمن القومي".

من جانبه، أكد رئيس اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان أمجد الشموط في كلمته، أن هذه الورشة تناقش قضية غاية في الحساسية، ألا وهي "التطرف العنيف"، مشددا على أن آفة التطرف العنيف تشكل انتهاكا صارخا لمنظومة حقوق الإنسان، وتتعارض مع القيم، والأخلاق الإنسانية، والكتب، والأديان السماوية باعتبار أن حق الإنسان في الحياة والأمان هو حق أصيل ومقدس، وحمايته مكفول بكافة المعايير الدولية لحقوق الإنسان ذات الصلة.

وقال الشموط إن هناك جهودا عربية كبيرة مبذولة في مجال مكافحة التطرف العنيف (الإرهاب) من قبل الجامعة العربية، والدول الأعضاء، ولكن تنامي هذه الظاهرة الخطيرة على الصعيدين العربي والدولي أصبح يشكل مطلبا ملحا للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، ما يتطلب المزيد من الجهود للتصدي لهذه الآفة، وعلى كافة المستويات، في إطار بناء استراتيجية شاملة تراعي الوقوف أمام جذور وبواعث الإرهاب، للعمل على تجفيفها.

ودعا إلى أن تراعي هذه الاستراتيجية الخاصة بمكافحة الإرهاب المعايير الدولية والعربية لمكافحة الإرهاب، حتى لا تصبح مكافحة الإرهاب إرهابا في حد ذاته وانتهاكا لحقوق الإنسان، مقترحا انشاء صناديق وطنية في الدول الأعضاء لحماية ضحايا الإرهاب، وتسمية "يوم عربي للتضامن مع ضحايا الإرهاب"، لما لذلك من دلالات ومعان إيجابية في مكافحة هذه الآفة.

بدوره، أكد رئيس فريق الخبراء العرب المعني بمكافحة الإرهاب محمد طبيشات "أن الإرهاب جريمة خطيرة ومعقدة، ولا يمكن التسامح معها، أو تبريرها"، مشيرا إلى أن مكافحته باعتباره ظاهرة جرمية دولية تؤثر على مفاصل الدولة الحيوية سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، يتطلب قيام الدولة باتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات الأمنية ذات الطابع الاستثنائي، التي عادة لا تمارسها الدول بالظروف العادية.

وقال طبيشات "إن هذه التدابير الاستثنائية تنطوي في مضمونها أحيانا على الخروج عن المعايير الدولية لاحترام حقوق الإنسان، إذ إن الدول قد تمارس الاحتجاز التعسفي، وتطبيق إجراءات تفتيش الأماكن، والأشخاص، استنادا إلى قوانين الطوارئ، وقوانين الدفاع، وغيرها من القوانين الاستثنائية السائدة في الدول المختلفة، وهو ما يطرح وضع قيود دولية توازن بين حق الدولة في حماية أمنها الوطني، وبين تطبيق قواعد وضمانات حقوق الإنسان المحمية، بموجب الدساتير وقوانينها الوطنية.

وأوضح "أن ظاهرة الإرهاب تتفاقم على المستوى الدولي نتيجة عدة عوامل أبرزها تنامي قوة ونفوذ التنظيمات المتطرفة والتي تتبنى الفكر الظلامي، والشاهد على ذلك وصول المنظمات الإرهابية لشتى بقاع العالم، وتنفيذ عمليات إرهابية تحصد أرواح الناس وتدمر الممتلكات وتؤثر على كافة القطاعات الحيوية في الدولة، وتظهر عجز بعض الدول عن مواجهتها ما قد يدفع بعض الدول للخروج عن قواعد ومعايير حماية حقوق الإنسان المنصوص عليها في القوانين الوطنية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والميثاق العربي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولة لحماية هذه الحقوق.

 وأكد أن الإرهاب لا يزال يمثل مشكلة من أخطر المشاكل، وتحديا من أهم التحديات التي تواجه المجتمع الدولي المعاصر، وهو ما يستوجب وقفة حازمة من الجميع، وتسخير الوسائل العلمية والتكنولوجية الحديثة وتوظيف الإمكانات التشريعية والقضائية والأمنية والسياسية والاقتصادية والتربوية والإعلامية لمكافحة هذه الظاهرة.

ويأتي انعقاد هذه الورشة العمل التي نظمت بالتعاون مع الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب، والشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، تنفيذا لقرار مجلس الجامعة على المستوى الوزاري في 11 آذار الماضي.

ويشارك فيها، كل من: رئيس اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان وأعضائها، ورئيس قطاع الشؤون القانونية رئيس الأمانة الفنية لمجلس وزراء العدل العرب، ورئيس فريق الخبراء العرب المعني بمكافحة الارهاب، والأمانة الفنية لمجلس وزراء الاعلام العرب، إلى جانب ممثلين عن وزارات الداخلية والعدل العرب، والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بالدول العربية، والبرلمان العربي ومنظمة التعاون الإسلامي.

ويرأس الوفد الفلسطيني في الاجتماع العميد عزام زكارنة من وزارة الداخلية، والمستشار رزق الزعانين من مندوبية فلسطين في الجامعة العربية.