سناء أبو شرار كاتبة و روائية فلسطينية من مواليد الخليل و مقيمة في عمان الأردنية، تشهد لها بصمتها الإبداعية التي تنضج بها قصصها و رواياتها على أنها قلم ملتزم يؤمن برسالة الأدب كقيمة إنسانية سامية صدر لها مجموعتان قصصيتان "اللاعودة" (1993) و "جداول دماء و خيوط فجر" (2004). أما في الرواية فقد صدر لها "أنين مدينة" (2005) "رائحة الميرامية" (2005)، "غيوم رمادية مبعثرة" (2005)، "أساور مهشمة" (2009) و "رحلة ذات لرجل شرقي" (2011) حول مسيرتها فكان هذا الحوار وفيما يلي نصه:
بعيدا عن الساحة الإبداعية من هي سناء أبو شرار؟
أعمل في المحاماة ، وأم لطفلين ، أحب القراءة والسفر، ومنذ الطفولة كنت مولعة بالقراءة، وكان عالمي هو القصص والروايات والألغاز، ولا تزال هذه العلاقة الحيميمة بيني وبين الكتب، بالطبع موهبة الكتابة لابد من تطويرها عبر القراءة منذ الصغر، ولكن ليس فقط القراءة بل لابد من مراقبة الحياة والإستماع للآخرين لأنهم دائماً لديهم شيء ما لم أكن أعرفه أو لم أكن أفهمه، أي أن القراءة وحدها لا تكفي للإبداع، ففي كل انسان منا إبداع خاص به، سواء بحياته أو بعلاقاته أو بفهمه للحياة وهو ما أحب معرفته عبر الآخرين وتجاربهم، كما أنه لابد من العزلة والتأمل بما خلق الله تعالى بهذا الوجود، فالتأمل بحد ذاته مدرسة عظيمة للأفكار والمشاعر وللإبداع. أي موهبة يمتلكها الانسان لابد لها من التطوير ومن العمل الدؤوب والتواضع والبحث عن المعرفة المستمر دون كلل ، فأي موهبة غير مصقولة لن تتألق حتى ولو نالت الإعجاب بحد ذاتها، خصوصاً وأننا في عصر تبدو به المنافسة حادة في كل المجالات، لذا لابد للكاتب أيضاً أن يطور من ذاته وأن يوسع مداركه.
-يستند فن القصة القصيرة إلى الخاصية القصصية التي تتجسد في المقومات السردية الأساسية كالأحداث و الشخصيات و الفضاء و التكثيف، هل وظفت هذه الركائز القصصية في مجموعتك القصصية الأولى "اللاعودة"؟
في كل قصة لابد من توظيف هذه الركائز وفي الرواية أيضاً وإلا أفتقرت القصة أو الرواية لأركانها الأساسية، ولكنني في جميع أعمالي أنطلق من الناحية الفكرية، أي انني أتناول موضوع معين يصلح إقامة دراسة نفسية وأجتماعية حوله ثم أطوره ليكون قصة أو رواية، أي أنني أستعمل علم النفس و الإجتماع بل والأبحاث الطبية لتطوير مواضيع رواياتي، فلدي رواية حول عقلية الرجل الشرقي ورواية حول المرأة ما بعد سن الخمسين، ورواية حول سيكولوجية الانسان المغترب وهذه أمثلة لبعض مواضيع رواياتي، يمكن للكاتب أن يكتب عن أحداث متناثرة وعن شخصيات يبتدعها أو يصفها من خلال واقع يحياه، ولكن ما يعطي الرواية الزخم المعرفي والمتعة الحقيقية للقاريء هي ان يشعر القاريء أن خلف هذه الرواية أو القصة فكر منطقي عميق ناقشه الكاتب بدارية وبمعرفة علمية لا تقل أهمية عن النص الأدبي ولكن مجموعتي القصصية الأولى اللاعودة لم تتم كتابتها وفق المفهوم السابق، لقد كانت أول عمل أدبي لي ولم يكن لدي رؤية معينة حين كتبتها، لقد كُتبت بطريقة عفوية وهي الصفة الغالبة للأعمال الأدبية الأولى لأي كاتب أو لعدد لا بأس به من الكتاب ولكنها تبقى تجربة ممتعة وهامة لأنها كانت البداية.
-ما الهاجس الذي حرك قلمك لكتابة مجموعتك القصصية الثانية "جداول دماء و خيوط فجر"؟
هاجسي كان تدوين معاناة الشعب الفلسطيني، وهي معاناة لا تتوقف بل تزداد شراسة على مدار الأيام وتقع المسؤولية على الكتاب بحفظ هذا التراث القاسي والعنيف من تاريخ هذه الأمة، كي لا ننسى وكي لا تنسى الأجيال القادمة، هناك صراع على الأرض ويوجد أيضاً صراع في العقول والأرواح وتسجيل المعاناة هي سلاح للعقول والأرواح بألا تنسى وأن تستمد القوة والصمود بشكل دائم عبر كتابة سطور المعاناة وقراءتها وعدم نسيانها، فالنسيان في تاريخ القضية الفلسطينية هو جريمة بحد ذاتها لذا كتبت هذه المجموعة بواقعية شديدة وبناء على أحداث حقيقة أخبرني بها أصحابها، خصوصاً في جزءها الأول الذي يصف بدقة تفاصيل التعذيب في السجون الاسرائيلية لرجل تم سجنه فعلاً وهو من أخبرني بتلك التفاصيل كاملة.
* ماذا يعني لك القارئ لحظة كتابة القصة؟ الحقيقة هي أنني لا أفكر في القاريء حين أكتب كل ما أفكر به أن أكتب فقط، وان أحب ما اكتب، حتى لو لم يعجب القاريء ما اكتبه فأنا منذ البداية كتبت لنفسي ثم توجهت للقاريء، ولا أفترض أن يحب القاريء ما اكتب أو لا، لأن الكتابة حاجة ملحة للكاتب الحقيقي لا يبحث من خلالها عن إرضاء القاريء بل لا يفكر به، كل رغبته هي أن يكتب، لذا نجد الكثير من الكتاب الذين لم ينالوا أي شهرة في حياتهم وأصبحوا مشهورين بعد موتهم، ورغم ذلك لم يتوقفوا عن الكتابة . الكاتب الحقيقي يتحاور مع القاريء عبر ما يكتب دون أن يفرض عليه رأي أو شعور ما، ما يهم القاريء هو أن يعجبه ما يقرأ بغض النظر عن موافقته للكاتب أو لا هذه هي العلاقة الصحية بين القاريء والكاتب، ولكن أن يضع الكاتب القاريء نصب عينيه فهو بهذه الحالة لا يكتب ما لديه بل يستقريء ما يدرو بأفكار القاريء وهذا مُعطل للإبداع الخاص بالكاتب، كما أن الكاتب لا يعلم تماماً ماذا سوف يكتب في السطر القادم، أحد الكتاب المشهورين قال : " أنا أكتب السطر الأول، ثم الله تعالى يُعينني فيما تبقى" هناك حاله من الإبداع أو ربما الإلهام يمر بها الكاتب تتجاوز حدود القاريء ولا يفكر بها الكاتب لأن أفكاره تتجاوز تفكير القاريء أو رأيه.
-كيف تعاطى الناقد مع تجربتك القصصية؟
تعاطى بطريقة إيجابية جداً، لأنني أكتب عن الحياة الواقعية وعن مشاعر الناس وأفكارهم ولا أحب الغرابة او الغموض أو التطرق لقضايا تُسيء لمنظومة المجتمع الأخلاقية، لأنني أعتقد أولاً وأخيراً أن رسالة الكاتب أخلاقية بالدرجة الأولى، لذلك أجد نقد سلبي لكتاباتي، وأغلب الدراسات النقدية حول كتاباتي هي كتابات إيجابية، ولكن ما يهمني هو القاريء العادي، أن يقرأ روياتي ببساطتها أو بتعقيدها وأن يشعر بأن هناك ما يربطه نفسيا وروحيا بهذه الرواية وهو هدفي وببساطة من عملية الكتابة.
-ألا تعتقدين أن عالم النشر الورقي بدأ يخلي مكانه للنشر الالكتروني؟
هذا واقع لابد من الإعتراف به، ولكن المشكلة ليست في النشر الإلكتروني ولكن في اختيار القاريء لما سيقرأ، الصحف الإلكترونية والأخبار المتسارعة حول الفنانين والأحداث الغريبة أو حتى الفضائح، ومساحة الكتاب المقروء تتقلص أمام الكتاب المنشور إلكترونياً، ولابد من الإعتراف بهذه الحقيقة والتعامل معها بأن يقوم الكاتب بنشر كتابه بالطريقة التقليدية وكذلك الكترونياً.
كيف تتعامل سناء مع زمن التحولات الكبرى الذي نعيشه اليوم؟
انظر إليها بحذر وبقلق لأن دول عريقة يُدمر تاريخها وعلومها وشعبها .
-كيف كانت تجربتك الأولى مع الرواية؟
لقد كانت تجربتي مع رواية " أنين مدينة" وهي تدور حول معاناة صحفي فقير وصاحب رأي حر وثقافة رفيعة ويرفض التنازل عن مبادئه وأفكاره، مصلحة وطنه هو ما يحركه وليس مصالحه الشخصية .
- هل الرواية عندك مجرد قصة طويلة؟
لا، الرواية بالنسبة لي هي عالم متكامل له شخوصه بأفكارهم ومشاعرهم وواقعهم، ولكنني أستعمل الرواية لأجل هدف انساني عميق أو قضية انسانية يعيشها أي انسان منا، أي أن الرواية بالنسبة لي ليست مجرد قصة بل هي عالم ينبض بالشعور والفكر والحركة والمتعة وقبل كل شيء القيمة الدينية والأخلاقية.
- كيف تبدو صورة المرأة في رواياتك؟
المرأة في رواياتي متعددة الصور، منها المرأة الضحية ومنها المرأة المتسلطة، لا أنحاز للمرأة لمجرد كوني امرأة أكتب عن قضايا انسانية تهم المرأة والرجل والطفل على حد سواء بجيمع الأجيال وطبقات المجتمع.
-المكان أحد مقومات السرد الروائي لديك، هل هو يشكل نوعا من البحث عن روح المكان أم روح الشخوص في المكان؟ المكان في حياة أي منا ليس مجرد مكان ، بل هو جزء من الوجود بل والروح ، فجميعنا ترتبط ذكرياتنا باماكن منا ببيتٍ ما ، بحديقة ما ، الأماكن جزء من وجودنا ، حتى أن الله تعالى وصف لنا الجنة في كتابه العزيز ليعلم الانسان أين مستقره لأن المكان دائماً وأبداً جزء من الوجود.
- كلمة ختامية للقارئ؟ الكاتب لا يكتب بجزيرة نائية، لابد أن يحترم ذكاء القاريء ، فالقاريء أيضاً بدرجة ذكاء الكاتب وقد يكون أكثر ذكاءً وثقافة، لذا لابد أن يكون ما يكتبه الكاتب عميق راقي شفاف بمستوى ثقافي لائق يحترم بها ذاته وفكر القاريء ومشاعره وأفكاره، أي ان الكتابة عملية راقية من التواصل الانساني بين الكاتب والقاريء، تبدأ في وعي الكاتب ثم يتلقاها القاريء عبر السطور ويشارك الكاتب هذا الوعي وترتقي هذه العلاقة بمقدار رقي مستوى الكتابة بهذا الخصوص يقول سومرست ماغهام، فالكلمات لها وزن، رنين ، مظهر، فقط بالأخذ بعين الاعتبار بهذا كله يمكنك أن تكتب جملة جيدة للنظر إليها وجيدة للإستماع إليها". وحين يكتب الكاتب لا بد أن يكتب بكل حماسته الانسانية لأن من يقرأ له يبحث عن هذه الانسانية بالدرجة الأولى ، وكلما كانت كتابته خارج ذاته وتطلعاته كلما اصبحت أكثر شمولية وعمقا لأن ما يدور حول الكاتب أثرى وأعمق وأوسع مما يدور بحياته الخاصة ولكنه ينظر لما يدور حوله بعمق حسه الأدبي وبرؤيته الثقافية والنفسية التي تحلل وتنتقد ، ترى الجمال وتلحظ القبح وهو في كل الحالات الراصد والمراقب والمتفاعل.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها