رام الله - فلسطين - تحقيق: وسام خليفة، عدي غزاوي
يطل عام جديد على الفلسطينيين وهم يخوضون هبّة جماهيرية شعبية في وجه الاحتلال الاسرائيلي لما يمارسه من جرائم عنصرية لاإنسانية بحق الفلسطينيين وأرضهم ومقدّساتهم. وفي حين يلتمسُ البعض انفراجات على القضية الفلسطينية يحملها العام 2016، يرى البعض الآخر أن العام الجديد سيزيد الامور صعوبة على المواطن الفلسطيني وقيادته. ومن هنا توجّهت مجلة "القدس" إلى خبراء سياسيين واقتصاديين وقانونيين لاستقراء الوضع الفلسطيني في العام 2016.
**الصعيد الاقتصادي
تبعات اقتصادية متعددة
يرى المحلّل الاقتصادي د.نصر عبدالكريم أن "الهبّة الجماهيرية في فلسطين حتى الآن لم يكن لها نتائج او أضرار اقتصادية كبيرة على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وإن كان أكثر الاضرار قد وقع على الشعب الفلسطيني لصغر حجم هذا الاقتصاد وهشاشته، حيثُ أن ما يخسره الاقتصاد الفلسطيني حتى لو كان قليلاً فهو ذو أهميّة نسبيّة اكثر بكثير من خسارة اقتصادٍ كبير الحجم ومعقّدٍ له ارتباطات دولية مثل الاقتصاد الاسرائيلي".
ويضيف "برأيي فإن حجم الأضرار المستقبلية التي ستلحَق بالاقتصاد الفلسطيني والاسرائيلي في العام 2016 ستكون على حد سواء، ولكن حجمها سيعتمد على مدى تطور هذه الهبّة الجماهيرية، فإذا استمرت بنفس الوتيرة وبدون اتساع وبقيت في نطاقاتها البؤرية وفي إطار الادوات المستخدمة حالياً، ستكون هناك أضرار ولكنها لن تكون جوهرية أو عميقة، أمّا إن تطوّرت من حيث الأدوات والنطاق تطوُّراً ملموساً، فلا شك بأن الاضرار التي ستلحق بالاقتصاد الفلسطيني ستكون كبيرة لاعتبارين. أولاً، أن اسرائيل اليمينية ستفرض عقوبات اقتصادية جماعية اكثر حدة، وهي تملك أوراقاً مختلفة لتدفيع الفلسطينيين الثمن الاقتصادي لهذه الهبّة. ثانياً، ان الاقتصاد الفلسطيني سيبدأ بالنزيف الذي سينهكه اكثر، ولن تكون لديه القدرة لتحمُّل الصدمات لفترة طويلة لهشاشته وارتباطه بإسرائيل، لذا سنشاهد أضراراً كما شهدناها في انتفاضة الاقصى حيث دفع الفلسطينيون ثمناً اقتصادياً كبيراً".
ثلاث طرق لتنتقم اسرائيل من الفلسطينيين اقتصادياً
ينوّه د.عبدالكريم لوجود ثلاث قنوات رئيسة غالباً ما تمرّر الحكومة الاسرائيلية العقوبات على الفلسطينيين من خلالها، ويوضح "القناة الاولى، هي قناة العمل داخل الاقتصاد الاسرائيلي، وللأسف 30 ألفاً من العمال الفلسطينيين - نحو 30% من نسبة العمالة في الداخل الاسرائيلي- يعملون في مستوطناتهم، ويقدَّر العاملون الذين يندرجون ضمن العمالة الرسمية في إسرائيل بـ110 آلاف عامل، أي أنّهم يحملون تصاريح، يضاف لهم ربما عشرات الآلاف ممن يتسلّلون للعمل بدون تصاريح، مما يجعل هذا الأمر ورقة ضاغطة ومؤثّرة تظهر تأثيراتها فوراً كونها تحرم عشرات الآلاف من الأُسَر الفلسطينية من قوتهم اليومي".
ويتابع "القناة الثانية هي قناة التجارة، إذ يمكن للحكومة الاسرائيلية تنفيذ إجراءات من شأنها تعطيل وارباك الحركة التجارية الفلسطينية الداخلية والخارجية، وتقطيع أوصال الضفة الغربية بعبور الحواجز، وهذا سيكون مُكلفاً، وقد سبق قيامهم بذلك في الانتفاضة الأولى والثانية ودفعَ المواطن الفلسطيني ثمناً كبيراً. أمّا القناة الثالثة، فمفعولها مؤذٍ بشكل غير مباشر، وهي قناة حجز المستحقات الضريبية التي تعود لخزينة السلطة، وفق اتفاق باريس، وهي تمثّل أكثر من ثُلثي ايرادات السلطة الشهرية والسنوية، وهذه الخطة كانت تلجأ إليها إسرائيل في اكثر من مناسبة عندما تشعر بوجود قرارات سياسية جريئة يتخِذها الفلسطينيون، كنوع من العقوبة، ويكمن أثرها التدميري بأنها تجعل السلطة عاجزة عن دفع الرواتب والنفقات الاخرى، مما يضعها أمام تحدٍ كبير أمام الموظفين، وقد يؤدي لنوع من الخلل في خدماتها ووظائفها".
ويضيف "الآن إسرائيل تراقب الأحداث لتقوم بإجراءات اقتصادية وفق تطورات الحالة الأمنية على الارض، وبرأيي قد تلجأ إسرائيل لإحدى هذه العقوبات أو أكثر فقط اذا تطورت هذه المواجهة من حيث الاسلوب والنطاق، ولكنها لن تلجأ إليها إذا بقيت المواجهات في إطارها الحالي، لأنها تدرك أن دفع الفلسطينيين إلى هاوية اقتصادية سيوجِد بدائل سياسية قد لا ترتاح لها هي والولايات المتحدة الامريكية".
اسرائيل تُبالغ في خسائرها لأهداف استراتيجية
يشير د.عبدالكريم إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي تأثّر بالهبّة منذ الأسابيع الأولى، إذ بلغت خسائر إسرائيل في الشهر الأول نحو خمسة مليارات شيكل (ما يقدر بـ1,5 مليار دولار أمريكي)، ولحقت الأضرار بقطاع النقد، والموصلات بسبب تجنب الإسرائيليين ركوب الحافلات العامة، وكذلك قطاع السياحة بسبب الغاء المجموعات السياحية حجوزاتها في كثير من الفنادق داخل الكيان الاسرائيلي، إضافةً لعدم توجّه كثير من الموظفين الحكوميين والعمال لأعمالهم بسبب خوفهم من المواجهات. ولكن التأثير الذي أخاف إسرائيل بالفعل هو اتساع دائرة حملة المقاطعة الدولية وفرض العقوبات عليها، الذي وصل أخيراً لمنتجات المستوطنات الزراعية في السوق الاوروبي، حيثُ أن إسرائيل تخشى العقوبات الدولية اكثر مما يجري محلياً، لأنها تدرك أن الاضرار الناجمة عن الصراع الداخلي والمواجهة مع الفلسطينيين مهما كانت كبيرة من الممكن استيعابها كما جرى في الحروب المختلفة على قطاع غزة، وذلك لأن اقتصادها كبير وديناميكي واميركا جاهزة لتقديم المساعدات عند الضرورة. وهذه الأضرار بدأت بالتراجع في الشهر الماضي والذي تلاه، مع تراجع حدة المواجهات في القدس، وكذلك الأمر في داخل الكيان الاسرائيلي، وعدم انتقال المواجهات لداخل المدن الفلسطينية التاريخية، وبالتالي بقيت الحياة تسير بشكل طبيعي في مدن كحيفا ويافا وتل ابيب والناصرة وعسقلان، لذا لم تتسّع الاضرار وبدأت حدتها تتراجع قليلاً، واليوم لا تجد حديثاً عن الخسائر الاقتصادية لهذه المواجهة في الصحف ووسائل الاعلام الاسرائيلي كما كان في السابق".
ويردف "أعتقد أن اسرائيل كما جرت العادة، تبالغ كثيراً في بعض الارقام والخسائر الاقتصادية، كما فعلت إثر المقاطعة الأوروبية ووسم المنتجات الاسرائيلية، بحيث أنها تتخذ بذلك اجراءات استباقية وتؤدي دور الضحية، وبرأيي الخسائر الاقتصادية التي لحقت باسرائيل ما تزال غير جوهرية، ولا يمكن القول بأنها مؤثّرة إلى درجة اجبار نتنياهو على تغيير موقفه السياسي من الصراع الفلسطيني الاسرائيلي".
مستقبل الوضع الاقتصادي مرهونٌ بالهبّة الجماهيرية
وحول قراءته للوضع الاقتصادي في العام القادم يقول د.نصر عبدالكريم: "اختلفُ مع بعض التفسيرات والافتراضات في توقعات سلطة النقد الفلسطينية لعام 2016، فالافتراضات التي يُبنَى عليها التوقع أهم من التوقع، ومنها إذا افترضنا أن السيناريو القائم سيستمر في العام 2016 فمن الضروري ان نبني توقعاتنا الاقتصادية على هذا الواقع، وعندها نقول إن النمو في الاقتصاد الفلسطيني سيبقى في حالة تباطؤ ملموس، وهذا سينعكس على معدلات البطالة والفقر، ولا يوجد هناك سبب مُقنِع يدعو للتفاؤل بشأن عودة النمو في الاقتصاد الفلسطيني في العام 2016 الى حالته التي كانت سائدة قبل العام 2013 في ظل السيناريو القائم، لأن الاستثمارات حالياً في تراجع، والانفاق الحكومي التطويري يتراجع لأن المساعدة الدولية تتراجع، وتباطؤ السوق يؤدي لتراجع الضرائب التي يولّدها الاقتصاد الفلسطيني لخزينة السلطة، إضافة لتراجع القدرة الاقتصادية للمواطنين، لأن خياراتهم استُنفذت في الازمات التي كانوا يواجهونها بين الحين والآخر، وبالنسبة للقروض المصرفية التي بنت سلطة النقد توقعات بإحداثها نمواً بـ3% في الـ2016، فإنها اعتمدت في ذلك على أن الاستهلاك العائلي المدعوم من القروض المصرفية سيبقى قويا، وأنا أشك بهذا الافتراض، لأن الاقتراض المصرفي أخذ مداه في السنوات الماضية ومن الصعب الآن أن تجد البنوك من تقرِضه، لأن معظم الفلسطينيين حاصلون على قروض والقليل جداً منهم كان بإمكانه الاقتراض ولم يقترض، لذا أُفق نمو الاقتصاد الفلسطيني في الـ2016 يبدو ضيقاً إذا استمر الحال كما هو عليه، وقد يسوء اذا ساء الحال، أو يعود ليتعافى وينمو إذا فُتِح أفقٌ سياسي جدي، وهذا الأفق لا يعني إطلاقاً العودة للمفاوضات التي لم تؤتِ نتيجة، بل أقصدُ أفقاً سياسياً جدياً يقود لانهاء احتلال وإقامة دولة فلسطينية وفق الشرعية الدولية والقرارات الوطنية الفلسطينية، وبالتالي فالأمر مرهون بالتطورات السياسية الأمنية".
**الصعيد القانوني
التوجُّه لمحكمة الجنايات الدولية
قدّمت السلطة الفلسطينية مؤخّراً أوراق الادعاء على اسرائيل لما ترتكبه من جرائم يومية بحق الفلسطينيين للمحكمة الجنائية الدولية، الأمر الذي طرح تساؤلات تتعلّق بالخطوات التالية في العام 2016، وحول ذلك يقول الخبير في القانون الدولي د.حنا عيسى: "منذُ زمن بعيد كانت السلطة تطمح للانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، وبعدما أصبحت دولة غير عضو في الأمم المتحدة في 29/11/2012، انضمت الى المحكمة. ولأن المحكمة لها نظامها واجراءاتها القانونية المرعية واجبة التطبيق، تمكّنا من تقديم الطلب في بداية العام 2015، وفي 1/4/2015، تمّ قبولنا لنكون العضو رقم 123 في محكمة الجنايات الدولية، وقدّمنا آنذاك شكوى تتعلّق بالحرب على قطاع غزة في العام 2014، والاستيطان، وهو جريمة حرب مستمرة، وأتبعنا ذلك لاحقاً بملفات تتعلّق بالأسرى وحرق الفتى محمد ابو خضير، وحرق عائلة دوابشة، وكل ذلك يأتي في إطار التوجه العام لكافة الاحزاب والتنظيمات الموجودة على الساحة الفلسطينية بما فيها حركة حماس، لذا نستطيع القول إننا قطعنا شوطاً كبيراً فيما يتعلّق بالانضمام للمحكمة وتقديم الملفات لكن تبقى هناك اجراءات معقّدة داخل المحكمة وتتطلّب مزيداً من الوقت".
قد نحتاج لـ500 سنة لمقاضاة اسرائيل
يشرح د.حنا عيسى آلية تقديم الشكوى لمحكمة الجنايات وسيرها قائلاً: "الشكوى تُقدّم للنائب العام، وهو يتولّى دراستها ليحدد إذا كان ما فيها يرقى فعلاً الى جرائم حرب، وفي حال ذلك، يستحصل على مذكرة من قضاة الجنائية الدولية لبدء التحقيق. كذلك يشترط نظام المحكمة في تقديم الشكوى أن تقدم دولة كاملة العضوية الشكوى ضد دولة أخرى كاملة العضوية في المحكمة، ولكن إسرائيل ليست عضواً في المحكمة، لذا يجب ان تكون هذه نقطة بحث في المحكمة الجنائية الدولية على اعتبار أن القضاء الدولي الجنائي هو قضاء استكمالي، بمعنى أنه يجب على اسرائيل أولاً تنفيذ قانونها والاجراءات المتعلّقة بذلك، واذا لم تقم بهذه الاجراءات تقوم المحكمة بذلك. أما اذا قامت اسرائيل بذلك، وانتهت من التحقيق والمحاكمة داخلياً فينتهي الوضع عند ذلك. ومن هنا فإن اجراءات المحكمة قد تبلغ 100 اجراء، وكل اجراء قد يتطلب 5 سنوات، بهذه المحصلة ستمضي 500 سنة لتُحاكم اسرائيل، ولكن يجب الإشارة بكل وضوح إلى أن الدولة المنتصِرة لا يمكن محاكمتها، والخوف أن تتم محاكمتنا نحن على اعتبار أننا ارتكبنا كذلك جرائم حرب اذا تعلّق الامر بالعمليات في داخل اسرائيل او بإطلاق الصواريخ من داخل قطاع غزة. وبالنسبة لإسرائيل، فهي لن تذهب كدولة لتقديم شكوى كونها غير عضو في المحكمة، وهي تخاف على جنودها، وبالتالي ستستعين في ذلك بأصدقائها او الدول التي وقّعت على نظام روما او من خلال منظمات حقوق الانسان، لهذا السبب يجب التريُّث كثيراً في دراسة الموضوع، لكن هذا لا يمنع القيام بإعداد الملفات المتعلّقة بجرائم الحرب، لأن جرائم الحرب لا تسقط مع مرور الزمن، وفقاً لاتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية لسنة 1968، ولنص المادة 29 من نظام روما لسنة 1998".
ويتابع "للأسف هذه المحكمة منذ نشأتها الى اليوم لم تحاكم دجاجة واحدة، بل هي أنشئت بالاصل لمكافحة المخدرات في أمريكا اللاتينية، لكن كان هناك مشروعان يتعلّقان بالجنايات بعد محاكم نورنبيرغ وطوكيو بعد الحرب العالمية الثانية، فظلّت هذه المشاريع في الدرج بسبب الحرب الباردة بين امريكا والاتحاد السوفيتي آنذاك. وفي الفترة الاخيرة حاكموا قائد مليشيا بتهمة تجنيد الاطفال في الحروب في الكونغو الديمقراطية وفي اوغندا الشمالية وفي افريقيا الوسطى، وكانوا بصدد محاكمة الرئيس السوداني عمر البشير قبل أن يتنازل عن الجنوب، ثم عدَلوا عن الأمر، علماً أن قضية البشير قُدّمت عبر مجلس الامن، لهذا السبب لا يرى المواطن اي فعالية لهذه المحكمة، كونها ذات شكل قانوني وجوهر سياسي، إذ يستطيع المدعي العام تأجيل النظر في القضية سنة، ثم يمدّدها سنة أخرى، ويستطيع مجلس الامن بقرار تأجيل النظر سبع سنوات، وفوق ذلك لا تستطيع محاكمة إسرائيل لأنها وقّعت على اربع وعشرين اتفاقية سرية مع 24 دولة اوروبية بالتعامل بالمثل على ان لا تتم ملاحقة جنودها، لذا فالدولة التي تريد القيام بهذه بالعملية يجب ان تأخذ بالحسبان اللوبي اليهودي العالمي وأمريكا التي لا تريد محاكمة اي اسرائيلي حتى لا تكون سابقة في محاكمة جنودها التي تتعلّق بأفغانستان او في الحرب في العراق، لهذا فبرأيي كمتخصّص بهذا الشأن المسألة ليست بالسهلة على الاطلاق".
ويردف "عدا ذلك، يجب أن نقوم بتغيير كل قوانيننا، كعقوبة الاعدام مثلاً، ولكن قوانيننا ليست فلسطينية بحتة فبعضها أردني، ولا يحق الغاء القوانين إلا إذا اقتُرِح بديلٌ عنها. كذلك نحن مطالبون بتسليم مجرم حرب، ولكن إذا كانت إسرائيل من تتحكم بالحدود فكيف سأسلّمه؟! وهذا جانب مهم جداً ايضاً، نحن نطالب ليلَ نهار بمفاوضات مع اسرائيل فكيف سأحاكم نتنياهو او ليبرمان وأنا أُطالِب بمفاوضات ثنائيّة؟! لذلك يجب ان تكون هناك استراتيجية منطقية واضحة، خاصةً أن الأوضاع الفلسطينية والعربية والإسلامية يُرثى لها، والوضع الدولي ليس لصالحنا، فكل الظروف هي غير مؤاتية لنا، لهذا يجب ان نكون حذرين بطرح اي قضية والتعامل على المستوى الدولي ليس بدغدغة العواطف بل بالوقائع على الارض".
عوائق تقف أمام التوجه لمحكمة الجنايات الدولية
يرى د.عيسى أن اي ملف يُطرَح من الشعب الفلسطيني يكون رابحاً لأن الجرائم ارتكبت بالفعل بحق شعبنا، ويضيف "لكن المحكمة الجنائية الدولية والنائب العام والوقت والاجراءات والانظمة والقوانين وموازين القوى العالمية هي العامل الاساس في كل هذه التأثيرات. أما اسرائيل فقد ارتكبت جرائم حرب منذ العام 1935، وفي 6/3/1938 تحديداً رموا قنبلة في سوق حيفا، فاستشهد حينها 18 فلسطينياً وجُرحِ 38، ولم تتوقف جرائمها، وبينها مذبحة دير ياسين والقبية وبيت ريما ومجزرة صبرا وشاتيلا وقتل 4 اشخاص في باص في شفا عمرو من قِبَل مستوطن أتى من جنوب مدينة نابلس في 2/8/2005، على سبيل المثال، كلها مجازر ارتُكبت بحق الشعب الفلسطيني، إلى جانب الاستيطان الواضح، لكن الشيء الغريب ان المدعي العام السابق كامبو قال ان الاستيطان ليس جريمة حرب معتبراً أن رأي محكمة العدل العليا الاسرائيلية قانوني، وان هناك مستوطنات قانونية ومستوطنات غير قانونية، وهو بذلك شرّع الاستيطان وعدّه صحيحاً، وهذه مخالفة جسيمة تتناقض مع قواعد القانون الدولي ومع اتفاقيات جنيف ومع قرارات الشرعية الدولية وبالتحديد قرارات مجلس الأمن 242 و338 التي تقول حرفياً ان هذه ارض محتلة ويجب ان يزول الاحتلال الموجود في حدود الرابع من حزيران لعام 1967، لكن اسرائيل تقول أن هذه ارض متنازعَ عليها، وان ما تقوم به هو غزو دفاعي، وأن هناك فراغاً في تاريخنا عبر 4500 سنة لليوم، وهذا كلام يجب أن يكون واضحاً للقارئ الفلسطيني وان نعلّمه التاريخ الصحيح وكيفية استرداد الحقوق وكيفية التعاون، لأنك لو كسبت كل العالم وخسرت نفسك فماذا تكون قد كسبت؟! نحن اليوم في وضع انقسامي وغداً سيقولون لنا في المحكمة لقد ارتكبتم جرائم حرب. انظر الى غزة كيف ان هناك حكومة امر واقع اسمها حكومة حماس شئت أم أبيت هناك كل شيء معطّل والشرعيات كلها مطعون فيها لعدم اجراء انتخابات، أي أنّ كل شيء مستنفَد لدينا، وهذا ما يستدعي منا العمل بواقعية بعيداً عن الشعارات، وذلك يكون ببناء المؤسسات، والعمل في إطار موحّد ضمن استراتيجية موحّدة لنستطيع الحصول على حقوقنا المشروعة. وصحيحٌ أن الاطار القانوني والنضال الدبلوماسي الذي يقوم به الاخ الرئيس ابو مازن مهم جداً، لكن في نهاية المطاف نحن لا نريد دولاً تعترف بنا لكن على ارض الواقع يبقى الاحتلال جاثماً خاصةً ان الاحتلال فرض شروطه على الملفات الخمسة المتعلّقة بالاستيطان، وبالقدس، وبالمياه، وبالحدود، وباللاجئين، وهو يريد فرض سياسة الامر الواقع حتى لا يجد المفاوض الفلسطيني شيئاً يفاوض عليه، وهو الذي يتحكم في كافه امور الحياة".
ويردف "لقد اعترفت بنا اليونان وسويسرا، ومع الأهمية القصوى لذلك، لكن على ارض الواقع نحن نريد من هذه الدول أن تساعدنا على التخلص من هذا الاحتلال. فجنوب السودان في الـ2011 لم تمتلك أي شوارع أو مستشفيات، ولكن العالم اعترف بها لأن القوى التصويتية في هيئة الامم المتحدة في مجلس الامن هي التي اعطتها الدولة، وفصلت الجنوب عن الشمال، لهذا السبب هم اعطوا القرار 181 في الـ1947، ونحن الآن نريد تطبيقه على الشق الآخر الذي يتعلّق بالفلسطينيين".
**المستوى السياسي
المكاسب السياسية للهبّة الجماهيرية
يؤكّد الكاتب والمحلّل السياسي جهاد حرب أن اهم العوامل التي أثرّت في القضية الفلسطينية منذ 67 عاماً هي السياسة، ويضيف موضحاً أهم المكاسب السياسية التي حققتها الهبّة الشعبية في فلسطين "أهمُّ ميزات هذه المرحلة هو تحريك القضية الفلسطينية ووضعها على أجندة المجتمع الدولي مرة اخرى، وكان واضحاً في كانون الأول الماضي غياب القضية الفلسطينية في اجتماع الامم المتحدة الأخير، واصبح هناك نقاش جدي سواء أكان على مستوى المجتمع الدولي او على المستوى الاسرائيلي حيث غاب الموضوع الفلسطيني في الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة. أمّا اليوم فالموضوع الفلسطيني على أجندة الاحزاب السياسية الاسرائيلية والحكومة، وباعتقادي فهذا التحريك يؤدي الى اعادة النظر بالمشروع السياسي الذي ناهز العشرين عاماً، ولا ننسى ايضا ان هناك مطالبات امريكية بالنظر عملياً للقضية الفلسطينية وايجاد حل كدولة ثنائية القومية".
ويتابع "لا تأتي المكاسب السياسية في اطار العمل الشعبي، وانما في محاولة استثمار هذا العمل على الصعيد الدولي. وقد أدّت منظمة التحرير دوراً مهماً فيما يتعلّق بهذا الاستثمار على مستوى الامم المتحدة وعلى المستوى السياسي للرباعية الدولية والادارة الامريكية، ولكن الأمر يحتاج لتبني سياسات أكثر جرأة، وايجاد خطوات عملية فيما يتعلّق باستثمار الادوات القانونية الدولية في محاكمة اسرائيل وقادتها".
الاحزاب تشاهد وتبارك
وتعليقاً على أداء الفصائل في الهبّة الشعبية يقول جهاد حرب "هناك ضعف واضح في عمل الاحزاب الفلسطينية التي كانت سابقاً هي من تقوم بهذا العمل، وقيادة العمل الشعبي الفلسطيني اليوم هي أصبحت تشاهد وتبارك هذا العمل، وقد ضعف عملها الاساسي في مقاومة الاحتلال والجهاد. ومن هنا نرى ان مكانة الفصائل الفلسطينية تراجعت كثيراً، وربما ينتج لدينا تنظيمات جديدة تنافس هذه الاحزاب بل وتتغلّب عليها في الانتخابات التشريعية القادمة".
ويضيف "الاستعمار في تاريخه هو الاقوى عسكرياً من الشعوب، ولكن الشعوب أيضا لديها ارادة قوية، والفلسطينيون يمتلكون هذه الارادة التي تحتاج الى عمل سياسي دؤوب، والى تأطير العمل الشعبي بحيث يكون مسانداً وداعماً للعمل السياسي، بمعنى أن العمل الجماهيري الشعبي المقاوم ضد الاحتلال هو مرادف للقيادة السياسية التي تتحمّل هذا الحراك الشعبي، لذا فإن انتصار الفلسطينيين على الاستعمار الاسرائيلي هو أمر حتمي، لكنه يحتاج الى تضحيات ووقت وقيادة قوية وشجاعة ذات حنكة وحكمة في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي".
ويرى حرب أن أشكال المواجهة مع الاحتلال في تغيير دائم، حيثُ يقول: "الهبّة الجماهيرية الجديدة فيها ارتفاع وانخفاض في وتيرة مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، وتأتي بشكل تراكمي. قد تزداد وقد تخف وتيرتها مع مرور الوقت، وقد تترجم كعمليات فردية كما رأينا في مدينة القدس والمناطق تحت السيطرة الاسرائيلية، وكل هذا دليل على ان عزيمة الشباب قوية لأنهم قادرون على الاستمرار بالمواجهة، ولكن شكل المواجهة في تغيير دائم من فترة لفترة ومن أسلوب لآخر".
استثمار المصالح مفتاح العمل السياسي
"لا يستطيع أحدٌ التنبؤ بالوضع السياسي الفلسطيني العام 2016، وذلك لوجود العديد من المتغيّرات في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي"، يقول حرب، ثم يستدرك "ولكن هناك آمال ان يقرّب العام القادم الفلسطينيين من نيل دولتهم وانتصارهم وممارسة حقهم بهذه الدولة الفلسطينية بسيادة كاملة على اراضيهم ونيل الاستقلال الوطني".
ويضيف "بالطبع فإن العمل السياسي يحتاج إلى وقت ليؤدي للانجاز الفعلي، وهناك مصالح متعدّدة للدول في هذه المنطقة، لذا فمصالحها قد تتعارض مع مصالح الفلسطينيين، وهنا علينا إدراك أن التحركات السياسية ليست لمصلحة الفلسطينيين وحدهم، انما على الفلسطينيين استثمار هذه المصالح في مصلحتهم وتقريب الفترة الزمنية لنيل دولتهم".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها