قال مصدر بوزارة المالية الإسرائيلية امس إن الوزارة خفضت تقديراتها للنمو الاقتصادي في العامين 2014 و2015 بسبب آثار العدوان على قطاع غزة والذي استمر 50 يوما، وضعف الأجواء العالمية.
وقال المصدر إن التقديرات الجديدة للوزارة تتوقع نمو الاقتصاد 2.4 بالمئة في العام الحالي انخفاضا من 2.9 بالمئة في تقديرات سابقة و2.8 بالمئة في العام 2015 انخفاضا من ثلاثة بالمئة. وسيكون النمو في الربع الثالث من العام قرب الصفر مع توقعات بتعاف في الشهور الثلاثة الأخيرة من العام.
وقال المصدر "نتوقع نموا أسرع بكثير في الربع الأخير لأنه بناء على تجاربنا في العمليات السابقة سيتعافى أغلب الاستهلاك الخاص الذي تراجع بشدة." ومن المقرر أن تنشر الحكومة يوم غد الأربعاء تقديرات ثانية لنمو الناتج المحلي الإجمالي في الفترة من نيسان حتى حزيران - قبل العدوان- في تموز وآب.
وقال المصدر "أحد أسباب تباطؤ النمو هو بطء تعافي التجارة العالمية والاقتصاد العالمي". ويتوقع صندوق النقد الدولي نموا 4.5 بالمئة في التجارة العالمية هذا العام لكن المصدر قال إن الوزارة تتوقع أن يكون النمو أقل من ذلك بكثير. وأوضح المصدر سبب تعديل تقديرات النمو للعام القادم قائلا إن السياحة التي تضررت من موجة إلغاء للحجوزات بسبب الهجمات الصاروخية اليومية على إسرائيل من غزة ستبقى ضعيفة على الأرجح. وتسببت الهجمات في بقاء المستهلكين في منازلهم أيضا.
وأدت مطالب بتمويل إضافي بمليارات الدولارات للجيش الإسرائيلي إلى تهيئة المشهد لمعركة سياسية طاحنة بشأن الموازنة في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل للموازنة بين احتياجات الاقتصاد الآخذ في التراجع والتهديدات الأمنية التي تمتد من غزة إلى إيران.
وتسعى وزارة الجيش للحصول على نحو 70 مليار شيقل (20 مليار دولار) في موازنة عام 2015 بزيادة ثلاثة مليارات دولار عن عام 2014. يأتي ذلك بينما تسعى الوزارة لتسديد فاتورة حرب غزة وتضع خططا لمواجهة أعداء على جبهات أخرى. وطلبت دوائر حكومية أخرى 2.5 مليار دولار بالفعل من موازنة عام 2014 ولكنها تقول "هذا يكفي" كونها على علم بأن حدود موازناتها ستشهد خفضا على الأرجح من أجل تلبية الاحتياجات العسكرية.
وأكثر الحانقين على هذا الأمر وزير المالية يائير لبيد الذي خاض حزبه الانتخابات ببرنامج خاص بالإنفاق الاجتماعي وهو يعاني الآن في استطلاعات الرأي. وتعج وسائل الإعلام الإسرائيلية بالشائعات بأن لبيد قد يستقيل إذا حصل الجيش على المال الذي يريده أو إذا زادت الضرائب للحصول على المبالغ المطلوبة.
وحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يتبنى نهجا وسطيا فوصف الإنفاق العسكري بأن له أولوية حيوية بينما أكد على أنه لن يتم اتخاذ أي خطوات تهدد بتفاقم العجز في الموازنة أو تهدد التصنيف الائتماني لإسرائيل.
ودعا نتنياهو امس الى "زيادة" موازنة الجيش "بشكل كبير. وقال في بيان "ليس هناك قيادي مسؤول لا يسمح ولا يطالب بزيادة كبيرة في موازنة الدفاع لمواجهة الواقع وتحديات الامن في محيطنا، وذلك وسط التهديدات التي تزداد حولنا". ولم يدل برقم واضح لكنه طالب بزيادة تقدر "بمليارات" الشواقل.
وبدأ اختبار قوة في الايام الاخيرة بين نتنياهو ولبيد. ومع تباطؤ النمو نتيجة للحرب ولتدهور السياحة صار الكل على علم بأن الكعكة لا تكبر بسرعة كما كان الحال من قبل. وهو ما جعل تقسيمها أصعب.
وهناك وجهان للمشكلة بالنسبة للبيد: فالأمر لا يقتصر على كون التوجه في صالح قادة الجيش ومطالبتهم بمليارات إضافية ولكنه يخضع لضغوط من نتنياهو والبنك المركزي للإبقاء على العجز منخفضا. وستزيد حدة المواجهة على مدى الأيام والأسابيع المقبلة حيث يستعد لبيد وهو صحفي تلفزيوني سابق، لعرض الموازنة على الكنيست الذي يتعين أن يوافق عليها بحلول آذار من العام المقبل.
والسؤال الملح هو ما إذا كان الجيش يحتاج فعلا الأموال التي يقول إنه يحتاج إليها. وهو سؤال صعب لأنه لا يوجد أدنى قدر من الوضوح بشأن بنود صرف الإنفاق العسكري.
وقال ستاف شافير عضو اللجنة المالية في الكنيست الإسرائيلي وهو مدافع عن الإنفاق الاجتماعي "لا توجد وسيلة لإجراء مناقشة عامة بشأن أولوياتنا لأن الميزانية الدفاعية غير شفافة على الإطلاق". وأضاف "في غياب الشفافية من المتعذر معرفة كم من المال يلزم في واقع الأمر.. وكم من المال يتم إنفاقه بفاعلية وكم يمكن تحويله إلى بنود صرف أفضل".
ويقول وزير الجيش موشي موشي يعلون وهو حليف وثيق لنتنياهو إن من بين بنود الصرف الأكثر تكلفة جهاز المخابرات حيث تضاعفت الموازنة خلال 16 عاما مضت. وقال يعلون بنبرة تحد "بل إن الميزانية زادت إلى ثلاثة أمثالها.. ولن أبدد شيقلا واحدا". مضيفا أن تكلفة الأسلحة ونظم الاتصالات زادت زيادة كبيرة هي الأخرى.
وتنفق إسرائيل على الجيش نسبة من إجمالي الناتج المحلي (تصل إلى نحو ستة في المئة) أكثر من كل دول العالم عدا السعودية وعمان وأفغانستان.
والزيادة التي اقترحها يعلون لعام 2015- والتي تتجاوز الزيادة السنوية المسموح بها في الموازنة- من شأنها أن تزيد نسبة موازنة الجيش إلى نحو 6.6 من إجمالي الناتج المحلي. وبذلك ستبتلع نحو ربع إنفاق عام 2015 قبل تسديد فوائد الديون على البلاد.

وقال شموئيل إيفين الباحث بمعهد دراسات الأمن الوطني في تل أبيب "وزارة المالية لا تفهم أي شيء عن التهديدات العسكرية." ويقول إنه لا يوجد أي جزء إضافي يقتطع من الموازنة الدفاعية.
ولكن أقل من نصف الإنفاق الدفاعي يذهب إلى المعدات العسكرية والعمليات والمخابرات. ويذهب جزء كبير لتمويل معاشات التقاعد الكبيرة التي تدفع للضباط الذين يتقاعدون وهم في العقد الأربعيني قبل أن يدخلوا في مجال مهني آخر.
وتسعى وزارة المالية لخفض هذه المزايا و"تنظيم" ما تعتبره إنفاقا غير فاعل. وقال مسؤول كبير بوزارة المالية "اقتصاد إسرائيل لا يستطيع تحمل كل مبلغ 11 مليارا في الميزانية" في إشارة إلى الزيادة المطلوبة من جانب وزارة الدفاع. واضاف "نحن نحاول أن نفعل المزيد باستخدام إمكانات أقل.. وظيفتنا كوزارة المالية هي ضمان أن نوفر بعض المال لأغراض أخرى تخص الحكومة."
ولكن يبدو أن المعركة تسير في اتجاه آخر حيث أقنع يعلون نتنياهو بأن البلاد التي خاضت أربع حروب خلال السنوات الثماني الماضية وتواجه تهديدات متنوعة لا يمكنها أن تتخلى عن الإنفاق الدفاعي. ونتيجة لذلك لا بد من زيادة الضرائب أو تقليل الإنفاق على التعليم والرفاه والصحة لإبقاء العجز عند ثلاثة في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
وقال شافير عضو في اللجنة المالية وقد انتابه الإحباط "الرعاية الصحية والتعليم والنقل العام وقوات الشرطة.. يحتاجها الإسرائيليون من أجل أمن إسرائيل أيضا".