خاص-مجلة القدس/ لقاؤنا في مدينةصيدا، قبالة جامع الزعتري وتأدية صلاة الظهر معاً بعد أربعة عقود ونيف، أنعش ذاكرتيوأعاد لها أيام الفرح والمرح، الانشراح والأمل، والتطلع إلى مستقبل زاهر بثقة كبيرةوهمة عالية وعزيمة قوية وإرادة متينة.
لقاء كورنيش صيدا،يا نبيه، نبش أيام الدراسة في مدرسة الفنون الأمريكية التي تعرف حالياً "المدرسةالإنجيلية للصبيان" حيث بدأت زمالة دراسة.. نمتْ.. تطورتْ.. اشتدتْ بين مجموعةالدارسين. فكانتْ صداقةً راسخةً وانتماءً وطنياً والتزاماً أدبياً واجتماعياً وتعاوناًإنسانياً حضارياً. تحاور الأصدقاء.. تناقشوا.. تنافسوا.. وعملوا معاً بإيجابية كاملةوتعاون تام في الدراسة وانخراط وطني وعمل اجتماعي وإنساني.
فورة الشباب، نشوةربيع العمر وما حملتْ من اندفاع وتهور، طيش وتمرد على كل ما هو قائم لم تحرِّف حركةالشباب قيد أنملة عن توجهاتهم الوطنية وأعمالهم الأسرية والإنسانية.
لقاء كورنيش صيدااسترجع أحداث الماضي وحلقات اللقاء والسهر، والسمر والحفلات والرحلات التي ضمتْ نبيهبعاصيري، محمود الأسدي، خالد لطفي، عفيف نصار، رفيق الصلح، تحسين خياط، سمير حداد،عبد المسيح الحلو، كميل عبود، غالب حمادة، أحمد حمد، محمود الصالح، محمد يونس والمرحومين زهير مطري، فاروق زعتري وعمر جبيلي.
انطلق الأصدقاءطلباً للعلم في الجامعات وللعمل تحقيقاً للذات وبناء مستقبل زاهر زاخر، حققَ البعضُمبتغاه في لبنان أو في دنيا الاغتراب الاختياري الطوعي. وطوى الزمن بعض المرحومين زهيرمطري في الكويت، فاروق الزعتري في الأردن وعمر جبيبلي في مدينة صيدا.
حطَّ بي الرحالُالطوعي بعد 42 سنة من الإقامة في لبنان في بلاد الاغتراب حيث الأهل- الوالدة، الأخوات،الأخ، الأبناء، والأحفاد، إنها غربة إرادية طوعية، اختيارية انتقائية إذ إنها حق شخصيفردي وامتياز حقوقي إنساني، ينعمُ الأهلُ في دنيا الاغتراب بالمواطنية الحقة بعيداًعن تفريق عنصري أو مللي، أو تمييز عرقي أو طائفي، أو حرمان من ممارسة وظيفة أو إبداءرأي أو انتماء سياسي اجتماعي نقابي حقوقي.
في لبنان، يا نبيه،حيث إقامتي وأبناء شعبي الفلسطيني قسري وموقت (مضى على وجود الفلسطينيين في لبنان أربعةوستون سنة) ومع ذلك نلقى، وللأسف، التغريب بعد الترنسفير (الترحيل) الجبري من فلسطينعام 1948على أيدي الصهاينة.
نلقي، يا عزيزينبيه، تغريباً قهرياً، إذلالاً وإكراهاً، يمنع الفلسطيني المقيم شرعاً والمولود أيضاًفي لبنان من ممارسة العمل في 73 مهنة!!! بوضوح ودقة يحرم الفلسطيني من مزاولة العملفي حقل الطب ومتفرعاته، الهندسة وتخصصاتها، الأعمال المصرفية والإدارية، ويحرم الفلسطينيمن تأسيس مؤسسات تربوية، تجارية، اجتماعية وإدارية ويحظر عليه مهما كانت كفاءاته وخبراتهمن العمل في أية مؤسسة لبنانية حكومية أو خاصة، ويمنع الانتماء إلى أية نقابة اجتماعيةأو مهنية لبنانية، أتدري يا نبيه أن الفلسطيني لا يحق له تملك بيت يؤويه وأطفاله!!ولا يمكن لمن امتلك بيتاً أو أرضاً في السابق من توريث ذلك لأبنائه!!!.
هنا حيثُ الاغترابالطوعي- أنت اللبناني وأنا الفلسطيني نتساوى في الحقوق والواجبات والتمتع بكافة مزاياالمواطنة مع أهل البلد. نتبوأ المراكز طبقاً للكفاءات الثقافية والعملية والمهنية والخبرات.يحق للمقيم شرعاً العمل في كافة الشركات الخاصة والحكومية دون تمييز عرقي أو طائفي،ودون تفريق أو عزل أو إذلال، وتمتع بحق وقانونية تأسيس شركات خاصة وممارسة كافة الحقوق.
ومع ذلك أعشقُلبنان، أذوب ولعاً وحباً وهياماً في جنوب لبنان، أتدري لماذا؟ لتماس حدود جنوبه معحدود وطني فلسطين، أحنُّ، يا نبيه، إلى جذوري وإن كنتُ في الاغتراب الطوعي أتمتع وأبنائيوأحفادي وأخوتي وأصدقائي بكافة حقوق المواطنة السياسية والاجتماعية والإنسانية.
هناك في لبنان،يا نبيه، أبناء شعبي وأصدقائي وأحبتي من الشعبين اللبناني والفلسطيني، رحلتُ طوعاًإلى بلاد الاغتراب ولكن أعود ثانية إلى مدينة صيدا ومخيمات شعبي رغم الظلم والقهر،التسلط والإذلال، الحرمان والتمييز والتفرقة من نظام سياسي طائفي مقيت وممارسات وحشيةقمعية ممجوجة!!!
أعتقدُ الآن أجبتُسؤالك الذي طرحته في لقاء مدينة صيدا مع بداية العام الحالي: "لِمَ البقاء فيلبنان، أليس الأفضل البقاء في دنيا الاغتراب"؟
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها