إعداد: هبة الغول

من أرض متنازع عليها إلى دولة تحت ألاحتلال هكذا أصبح الوصف القانوني لفلسطين في المحافل الدولية بعد انضمامها إلى الأمم المتحدة كدولة مراقب. ومع هذه العضوية، أصبح بالإمكان لدولة فلسطين الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية التي تُسلِّح الفلسطينيين بوسائل مدعومة بقوة القانون الدولي يدافعون بمقتضاها عن حدود دولتهم ومواطنيها ضد أي اعتداء.

فما هي الاتفاقيات التي انضمت إليها دولة فلسطين حتى الآن؟ وما هي أبرز المكاسب والتبعات القانونية المترتبة عليها بعد انضمامها؟

 

أولاً، الاتفاقيات التي تمَّ التوقيع عليها

شكَّل قرار طلب الرئيس محمود عباس الانضمام إلى (15) اتفاقية دولية خطوة مهمة على درب تثبيت فلسطين "الدولة" على خارطة العالم السياسية والجغرافية.

وفي شهر أيار المنصرم، دخل عدد من الاتفاقيات حيز التنفيذ، وهي:

اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات؛ واتفاقية لاهاي المتعلِّقة بقوانين وأعراف الحرب البرية ومرفقها: اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية؛ واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد؛ واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة؛ واتفاقية حقوق الطفل؛ واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ واتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة؛ والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري؛ والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها؛ واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية؛ واتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، كما أعلنت سويسرا بوصفها الدولة الضامنة، انضمام فلسطين إلى اتفاقيات جنيف الأربع، والبروتوكول الإضافي الخاص بحماية ضحايا النزاعات المسلَّحة ذات الطابع الدولي.

في المقابل فإن عددًا من الاتفاقيات لم تدخل حيز التنفيذ بعد لعدم استيفائها المدة الزمنية التي تنص الاتفاقية على مرورها بعد تقديم الطلب، وبينها:

اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والعقوبة عليها؛ والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛ والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي ستدخل حيز التنفيذ مطلع شهر يوليو/ تموز المقبل، لأن القواعد تنص على دخولها حيز التنفيذ بعد 90 يوماً من تقديم الطلب .

 

ثانياً، المكاسب القانونية

فتحت خطوة انضمام فلسطين للاتفاقيات الدولية الباب على مصراعيه لدخول فلسطين في عضوية منظمات الأمم المتحدة المتخصصة، واستخدام آليات المنظمة كدولة بالكامل. ومن أبرز المكاسب القانونية لهذا الانضمام:

- إحداث تغيير في الوضع القانوني للسجناء الفلسطينيين

عند الحديث عن تأثير انضمام فلسطين لاتفاقيات جنيف على وضع السجناء الفلسطينيين، ينبغي أن نشير ابتداء إلى أنه وبموجب اتفاقية جنيف الثالثة، سيكون من حق أفراد ما يمكن أن نُسميه "بالجيش الفلسطيني" التابع لدولة فلسطين، وأفراد المقاومة المعترف بها من قِبَل الدولة، الدفاع عن الأرض الفلسطينية وحماية الفلسطينيين ضد أي عدوان إسرائيلي باعتباره اعتداءً من دولة على دولة أخرى. وفي حال قامت إسرائيل بسجن أي من أفراد الأمن أو المقاومة الفلسطينية، فإنها يجب أن تعامله "كأسير حرب"، وبالتالي لا يجوز أن تُحاكمَه على ما قام به من أفعال في سياق قيامه بواجبه ودفاعه عن أرضه، حتى لو شمل ذلك القتل أو الجرح، طالما كان ذلك ضمن الضوابط المنصوص عليها في القانون الدولي.

كما أن البروتوكول الأول الـمُلحق باتفاقيات جنيف، عدَّ مقاومة حركات التحرر للاحتلال الأجنبي نزاعاً مسلَّحا دولياً، ونص على أن أسرى حركات المقاومة ضمن شروط معينة يُعدّون أسرى حرب، ويجب معاملتهم على هذا الأساس. وهو بالطبع ما لا تلتزم به إسرائيل.

أمَّا اتفاقية جنيف الرابعة فنصَّت على حقوق المعتقلين من المدنيين، أي أولئك الأشخاص الذين لم يشاركوا مباشرة في الأعمال القتالية، ولكن إسرائيل تنتهِك هذه الاتفاقية، ولا تعترف بإلزامية تطبيقها في ما يتعلَّق بالمعتقلين الفلسطينيين.

- المطالبة ببطلان الأوامر العسكرية التعسفية

تنص اتفاقية جنيف الرابعة على أن من واجب دولة الاحتلال المحافظة على الحالة القانونية القائمة في أي منطقة عند احتلالها، وهذا يعني بطلان القوانين والأوامر العسكرية التي تُصدِرها إسرائيل وتتعارَض مع القانون الدولي والقوانين الفلسطينية المحلية، كتجريم العمل السياسي والانتماء للفصائل الفلسطينية على سبيل المثال.

- اختيار "دولة حامية"

بموجب اتفاقيات جنيف الأربع، سيكون الآن من حق الفلسطينيين أن يختاروا "دولة حامية"، وهذا المصطلح يعني أن للدولة المحتلة أن تختار دولة محايدة كي تساعد وتشرف على تطبيق نصوص الاتفاقية. فالدولة الحامية تتولّى حماية مصالح ضحايا النزاع، وتُشرِف على مدى وفاء أطراف النزاع بالتزاماتهم بموجب اتفاقيات جنيف، وتستقبل شكاوى المتضررين، وعليها أن تمنع أي انتهاك ضدهم. وفي حال تم أمر كهذا، فإنه بكل تأكيد سيكون عاملاً مهماً في تقليل الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين بشكل كبير.

-تدويل النزاع ومحاكمة مُجرِمي الحرب

الانضمام للاتفاقيات يعني أيضاً أن المجال أصبح مُتاحًا بشكل أكبر أمام فلسطين من أجل رفع دعاوى قانونية أمام المحاكم الداخلية للدول التي تقبل بفتح ولايتها القضائية لقضايا الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف بناء على المادة 146 منها. ومن تلك الانتهاكات الجسمية: القتل العمد، والاعتقال التعسُّفي، والتعذيب، وتدمير الممتلكات دون ضرورة حربية، وهي انتهاكات ثبُتَ قيام الجيش الإسرائيلي بها كثيراً.

ويمكن أيضاً لفلسطين من الآن أن تنضم إلى ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، ما يسمح لها بملاحقة المجرمين الإسرائيليين في 122 دولة في العالم، وهذا يعني أن المسؤولين الإسرائيليين سيكونون مكبّلين ولن يتمكَّنوا من السفر مثلاً إلى كندا، أو إلى فرنسا، أو إلى ألمانيا، أو إلى البرازيل، أو إلى اليابان، أو إلى غيرها من دول العالم الأطراف في ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية.

 

ثالثاً، الالتزامات والتبعات القانونية المترتِبة على دولة فلسطين

سيفرض انضمام فلسطين لاتفاقيات جنيف أن يلتزم الفلسطينيون أيضاً بنصوصها، ومن ذلك عدم جواز قتل المدنيين الإسرائيليين أو التعرُّض للمباني والمرافق الإسرائيلية العامة والخاصة التي ليس لها علاقة بالعمليات العسكرية الإسرائيلية، وهو أمر يُمكن أيضاً أن يضع قيوداً أمام حركة التحرر الفلسطينية ستكون غير ملائمة مع وضعها كحركة تحرر وطني، ومن ذلك وجوب قيام أفراد المقاومة بتمييز أنفسهم عن المدنيين وحمل سلاحهم علناً. وعليه سيكون على فلسطين منع الأعمال المقاوِمة التي تُخالف قواعد القانون الدولي، كالهجمات على الأراضي الفلسطينية التي احتُلَّت العام 1948، ولكن هذا -بالطبع- لا يعني عدم جواز المقاومة بشكل مُطلَق، بل ستبقى مقاومة الاحتلال مشروعة، خصوصاً في الأراضي الفلسطينية التي احتلت العام 1967.

كذلك ستتحمل دولة فلسطين بصفتها طرفًا في الاتفاقيات مجموعة من الالتزامات تقوم بتنفيذها من خلال إصدار تشريعات داخلية تتوافق مع هذه الاتفاقيات، مثال ذلك: سن قوانين ولوائح تكفل تطبيق اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، وذلك بالنظر إلى نص الاتفاقيات الأربعة في المواد (48-49-128-145)، بهذا الترتيب، التي تنص على أن تسعى الأطراف في هذه الاتفاقيات إلى سن تشريعات وقوانين داخلية تضمن حُسن تنفيذها على المستوى الداخلي للدولة.