أعلن رئيس الوزراء سلام فياض في مؤتمر صحفي، بعد ظهر يوم الثلاثاء، عن جملة من الإجراءات التي من شأنها التخفيف من عمق الأزمة الراهنة.

وكان مجلس الوزراء قد عقد صباح اليوم جلسته الأسبوعية في رام الله برئاسة رئيس الوزراء سلام فياض، وتركز الاجتماع على استكمال بحث الأزمة المالية والأوضاع المعيشية وسبل التدخل للتخفيف من صعوبتها، وذلك بعد التدارس مع السيد الرئيس وفي ضوء المشاورات المكثفة التي أجرتها الحكومة بما في ذلك في إطار الحوار الاقتصادي والاجتماعي.

وأقر المجلس التوجهات والقرارات التالية.

أولا: أكد المجلس أنه سيتم صرف نصف راتب شهر آب، وبما لا يقل عن ألفي شيقل يوم غد الأربعاء، علماً بأن الجهود مستمرة لاستكمال دفع الرواتب، الأمر المتوقع انجازه في غضون أسبوع من اليوم.

ثانياً: تقليص إضافي في نفقات الوزارات والمؤسسات الحكومية، باستثناء وزارات الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية، وبما يشمل على وجه الخصوص وقف الالتزام بأية نفقات جديدة تتعلق بمهمات السفر والإيجارات، والمصاريف الإدارية، وخاصة المتعلقة بالمواصلات والمحروقات في كافة المؤسسات الرسمية، لحين تجاوز الأزمة المالية الراهنة.

ثالثاً: تخفيض ضريبة القيمة المضافة إلى 15% (وهو الحد الأدنى الممكن حالياً)، وذلك اعتباراً من 1/10/2012، واستخدام الوفر الناتج عن التقليصات المذكورة أعلاه للتعويض عن النقص في الإيرادات المترتب على هذا الإجراء.

رابعاً: إعادة أسعار كل من الديزل والكاز وغاز الطهي إلى ما كانت عليه في نهاية شهر آب اعتباراً من يوم غد، والتعويض عن النقص في الإيرادات الناجم عن ذلك من خلال الاقتطاع من رواتب الفئات العليا في كافة المؤسسات الرسمية، وبما يشمل الوزراء ومن في حكمهم من الفئة الخاصة، وبشكل متدرج حسب مستوى الدخل.

خامساً: تشديد الرقابة من قبل وزارة الاقتصاد الوطني لمنع الاستغلال والارتفاع غير المبرر في أسعار السلع الأساسية، من خلال آليات لتحديد هامش الربح بما ينسجم مع هذه التوجهات، واتخاذ إجراءات صارمة بحق المخالفين، وذلك بالإضافة إلى اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بتعزيز التنافس في الاقتصاد الوطني.

سادساً: استكمال الحوار بشأن الحد الأدنى للأجور بما يفضي إلى تحديده في موعد أقصاه 15/10/2012.

سابعاً: دفع كافة الاستردادات الضريبية لقطاع الزراعة خلال أسبوعين وإعطاء الأولوية للمعاملات المستقبلية التي تخص هذا القطاع.

ثامناً: أكد المجلس على حق شعبنا المطلق في التعبير عن رأيه بكافة الوسائل السلمية والديمقراطية، وأدان بشدة كل أعمال الفوضى والاعتداء على الممتلكات الخاصة والمنشآت العامة، وأفراد الأمن الذين أبدو كل الحرص على ضمان وصون حرية التعبير، وعلى حماية الوطن ومؤسساته، معبراً عن اعتزازه وثقته الأكيدة بوعي شعبنا في رفض كافة مظاهر الفوضى والعبث، وفي الحفاظ على مقدراته في صموده في وجه الاحتلال وإجراءاته وممارساته، بما في ذلك تلك المكبلة للاقتصاد الوطني، والتي يعزى إليها في المقام الأول العجز البنيوي في موازنة السلطة.

تاسعاً: أكد المجلس على أنه سيستمر، في إطار إعداد موازنة العام القادم، في التداول بشأن الإجراءات الإضافية الواجب اعتمادها لضمان التمويل الكامل للموازنة من الإيرادات المتوقعة، بالإضافة للمساعدات الخارجية التي يمكن التعويل على ورودها بدرجة عالية من اليقين . وفي هذا المجال، ناشد المجلس المانحين مجدداً، وخاصة الأشقاء العرب، لتحويل أكبر قدر ممكن من المساعدات، وبصورة عاجلة، من أجل تمكين السلطة الوطنية من الاستمرار في أداء مهامها، وفيما يهدف أساساً، وفي المقام الأول، إلى تمكين الشعب الفلسطيني من الاستمرار في الصمود والثبات على أرضه وصولاً لتحقيق استقلاله الوطني في كنف دولة مستقلة، بعاصمتها القدس، على كامل أرضنا المحتلة منذ عام 1967.

وفي رده على أسئلة الصحفيين، أكد فياض أنه يتوقع ارتفاعا فيما يتعلق بمسار الأسعار لبعض السلع الأولية في الأسواق العالمية، الأمر الذي تدل عليه أسعار الوقود الآجلة لبعض منها، والتي تدخل في الكثير من الصناعات، ولا بد أن ينعكس على الإيرادات وفيما يتعلق بالمشتقات النفطية وهذه عرضة للتقلبات ربما أكثر من غيرها، وكما هو معلوم وبشكل دوري ومنتظم وعلى أساس شهري، تقوم السلطة بتعديل أسعار المحروقات وفق ما يكون قد طرأ عليها من تغيرات خلال الشهر الذي سبق.

وقال: 'إن تحديد الأسعار الشهر الحالي تم بناء على الارتفاع في الكلفة من المصدر، وقامت السلطة بامتصاص حوالي نصف الزيادة الواردة، والتي تحققت بفعل ما طرأ من ارتفاع على أسعار المشتقات النفطية من المصدر، مشيرا إلى أن ما قامت به الحكومة اليوم هو محاولة للتعامل مع النصف الثاني من الزيادة، وذلك لم يكن بالإمكان أن يتم قبل التوصل إلى صيغة مكنتنا من أن نجد التمويل للتعويض في النقص في إيرادات السلطة؛ الناشئ عن استيعاب النصف الأخر من الزيادة لهذا الشهر.

وشدد رئيس الوزراء على أنه في حال استمرار ارتفاع الأسعار، فإن السلطة ستواجه تحديات كبيرة، وخاصة أنها واجهت ولا تزال تعاني من أزمة مالية خانقة امتدت لما يزيد عن عامين، الأمر الذي يحد بدرجة كبيرة من قدرتها على التعامل مع هذا الارتفاع في أسعار السلع، وهذا تحدي كبير ما يضيف أهمية إلى الجهد الذي كانت السلطة بصدده لتعزيز قدراتها الذاتية خاصة إزاء التراجع في مستوى المساعدات الخارجية، وعدم ورود ما يكفي من هذه المساعدات للسلطة في الأوقات المحددة لذلك بما لم يبق الكثير من الهامش للمناورة إزاء ما يمكن أن يطرأ من ارتفاع الأسعار في السلع.

وأشار إلى أنه لم يكن بالإمكان استيعاب النقص الأخر من هذه الزيادة لولا الإجراء البديل الذي تم إقراره صباح اليوم في جلسة مجلس الوزراء، والقاضي بالاقتطاع من رواتب الفئات العليا في كافة المؤسسات الرسمية بكافة الفئات المندرجة في هذا البند، وفق نموذج تدرجي حسب مستوى الدخل وهذا تحدي كبير.

وقال فياض: 'إننا نجري اتصالات مكثفة مع الجانب الإسرائيلي بشأن محاولة تسريع ورود إيرادات السلطة التي تجمعها إسرائيل في إطار الترتيب الناظم للعلاقة الاقتصادية بين الجانبين. أما بشأن الاحتياج الضريبي للسلطة الوطنية، فإنه ناجم وفي المقام الاول عن العجز في موازنة السلطة والناشئ أساسا عن الاحتلال، ونظام التحكم والسيطرة التعسفي المتصل به، فيما يشمل استمرار الحصار على قطاع غزة، والإجراءات المكبلة في الضفة الغربية، بما يشمل ايضا الحد من قدرة السلطة على الأداء فيما تزيد مساحته عن 60% من المساحة الإجمالية في الضفة الغربية وقطاع غزة وهي المنطقة المسماة 'ج'.

وأضاف، 'لولا الاحتلال وإجراءاته لكان بمقدور السلطة أن تكون قد وصلت من خلال الجهود التي بذلتها لتعزيز قدراتها الذاتية إلى نقطة لم تكن تحتاج إلى أية مساعدات خارجية إضافية، وهناك تحديات أخرى من خلال الوضع المالي، ما زاد في صعوبة الوضع وفي تفاقمه على مدار العاميين الماضيين، خاصة أنه لم يرد إلى السلطة أيا من المساعدات بالقياس مع ما هو مبرمج وما هو ملتزم به، إضافة إلى أن استمرار الانقسام يشكل عبئا إضافيا يحد من قدرة السلطة على أن تكون في موقف أفضل إزاء تمكنها من القيام بمهامها من خلال قدرتها الذاتية'.

وشدد على أنه لا يقبل الطرح الذي يقول بان السلطة توفر غطاء للاحتلال، بل هي عنوان للشعب الفلسطيني، ونظرتنا للسلطة أنها أداة نضالية للشعب ولا توفر غطاء للاحتلال، وإن كان مطلوب منا أمر إضافي في هذه المرحلة، فهو تجسيد الجهود الهادفة لتقوية السلطة، لتكون أكثر قدرة على تمكين الشعب في الصمود والبقاء على أرضه، وهي ليست نهاية المطاف بالنسبة للشعب، فهي مرحلة انتقالية وأداة لتمكينه من الوصول إلى مشروعه الوطني، بما يشمل تحصيل كافة حقوقه ويمكنه من العيش حرا عزيزا كريما أبيا في كنف دولته المستقلة على كامل أرضه المحتلة منذ عام 1967. وإن السلطة الوطنية وصلت إلى مرحلة الجاهزية التامة من ناحية الأداء، ولكن بشأن القدرة الاقتصادية والتعامل مع الأزمات كالأزمة التي نواجهها هذا امر مختلف.

وحث فياض الدول العربية على تقديم المساعدات بصورة عاجلة من أجل تمكين السلطة من أداء مهامها التي تهدف في هذه المرحلة الانتقالية إلى أمرين، من خلال توفير المزيد من مقومات الصمود والثبات والبقاء على هذه الأرض من أجل دحر الاحتلال، إضافة إلى تمكينها من أداء مهامها وذلك من خلال توفير ما يكفي من عون، خاصة أنها بذلت وبدرجة عالية من المسؤولية، رغم الاحتلال وممارساته المتصلة بالواقع الفلسطيني في الوصول إلى مرحلة متقدمة من جهة الاعتماد على الموارد الذاتية.

ولفت إلى أن هذه الأزمة التي نواجهها والتي كان آخر تجلياتها ما طرأ من ارتفاع على الأسعار، ونشأت من خلال عدم ورود المساعدات في الوقت الذي تبذل فيه السلطة المزيد من الجهود بما يمكنها أكثر على أداء مهامها في تعزيز صمود شعبنا الفلسطيني وقدرته على البقاء على ارضه.

وأكد فياض 'احترام السلطة الوطنية لحرية الحق في التعبير وبشكل مطلق، ولكن وعلى مدار الأيام القليلة الماضية، كانت هناك أعمال مخلة بالقانون والنظام العام بما شمل اعتداء على مؤسسات السلطة الوطنية ومرافق عامة وإشعال الإطارات وغير ذلك مما يلحق الأذى بالمواطن، هذه مسائل لا بد من إيلائها اهتماما كافيا من المجتمع ومؤسساته وخاصة مؤسسات حقوق الانسان، وليس فقط من خلال السلطة على المستوى الرسمي'.

وشدد رئيس الوزراء على أهمية رفع مستوى الوعي ومنطلق الحرص على صون وحماية حرية التعبير، في إطار ما تحترمه السلطة من حرية في التعبير ومن منطلق الحرص على صونها، والتصدي لهذه الظاهرة، وحشد أكبر ما يمكن من الوعي الوطني، والسلطة الوطنية لم تتوان عن القيام بمهامها والإطلاع بمسؤولياتها في منع مثل هذه التعديات، مشيدا بأداء مؤسستنا الأمنية في سياق هذه الاحتجاجات والتي تأتي في إطار تعبير مشروع عن ألم مواطنينا إزاء ما ألم بهم من ضعف إضافي في الوضع المعيشي.

وأهاب فياض بكافة مكونات المجتمع وبما يشمل المؤسسات المعنية مباشرة بحقوق الإنسان والتي أدت دورا هاما في هذا المجال، من أن تؤشر باتجاه ضرورة تجنب مثل هذه المظاهر وبما يعزز مكانتها ويقوي دورها في إطار الحفاظ على الحقوق والحريات وصونها.

وحيا رئيس الوزراء شباب وشابات فلسطين الذين تصدوا لهذه الظواهر، عبر إزالة ما ترتب عليها من ضرر وأذى في المرافق العامة، لأن هذه هي صورة الشعب الفلسطيني المتكافل المتعاضد وما حصل خارج تماما عن تقاليد شعبنا وما هو مألوف منه.

وأكد فياض أن قدرة الحكومات بشكل عام على التعامل مع الوضع الناشئ عن الارتفاع في أسعار السلع، قدرة محدودة وخبراء في هذا المجال يجمعون أن هذا النوع من الصعوبات المعيشية أمر صعب التعامل معه وهي مسألة صعبة بشكل عام وعلى حكومات دول قائمة لعقود طويلة من الزمن، ولكن في الواقع الفلسطيني الصعوبة أكبر بكثير لان الواقع الفلسطيني فيه الكثير مما يحد من قدرة الحكومة على اتخاذ إجراءات وإن بشكل مؤقت للتعامل مع ما يطرأ من ارتفاع في السلع في الأسواق العالمية.

وقال: 'هذا ما حد من قدرة السلطة من امتصاص قدر أكبر مع الزيادة التي طرأت على أسعار النفط في الأسواق العالمية خلال الشهر الماضي، وجعل من الممكن أن نمتص حوالي 50% من الزيادة التي طرأت خلال الشهر الماضي لنتمكن من تنفيذ المزيد من هذا الامتصاص والارتفاع في الكلفة كان القرار بالبحث بشكل معمق وجدي وهذا ما ناقشة مجلس الوزراء من خلال جلساته المتعاقبة للوصول إلى صيغة معقولة لتحمل وتوزيع العبء'.

وأضاف فياض، 'آمل أن يكون في هذا ما ينظر إليه المواطن في فلسطين، وأن يجد فيها ما يكفي وأنها تمثل بالفعل خلاصة الجهد المعمق والمكثف للوصول إلى هذه الصيغة، ولو كان لدينا وسائل أخرى لما ترددنا في البحث فيها.

وشدد على أنه من منطلق الحرص على التكافل والتعاضد، فلا بد من ان يستمر البحث فيما يمكن اتخاذه من اجراءات وفق توزيع عادل للاعباء.

وأكد أن الحكومة لا تستطيع أن تعوض عن كل ما يمكن أن يطرأ من خلال مواردها الذاتية، لأننا نتحدث عن تغير وارتفاع حاد في الأسعار ومتغيرات أخرى لا علاقة لدولتنا بها، وإنما مفروضة عليها بحكم الواقع وبحكم التغيرات على الساحة الدولية، وهذا يضعنا أمام مسؤوليات إضافية وضرورة استمرار النظر بها ومتابعتها بشكل مكثف وأن يعي الجميع بأن هنالك حدودا واضحة لإمكانية السلطة الوطنية وقدرتها على التعامل مع ما يمكن أن يطرأ من تغيرات.

وبالنسبة للمساعدات المالية، قال فياض: 'لا نزال نسعى بشكل حثيث للحصول عليها وناشدت خاصة أشقاءنا العرب بالمبادرة بتحويل مساعدات وبشكل عاجل لمساعدة السلطة الوطنية في التعامل مع الالتزامات المترتبة على خططها على أمل أن يسفر إلى ورود ما يكفي من مساعدات، ووردنا هذا العام حوالي 614 مليون دولار بشكل إجمالي، منها 224 مليون دولار من الدول العربية ولكن هذا أقل بكثير مما هو مبرمج في موازنة السلطة وما هو متوقع، ونحن بحاجة لأن يكون هناك تحويل لهذه المساعدات وبشكل عاجل'.

وحول ما يتصل بجاهزية السلطة الوطنية لقيام دولة فلسطينية، أكد أنه لا تعارض إطلاقا كنا نتحدث قبل 3 سنوات عن تحقيق الجاهزية الوطنية لقيام دولة فلسطين وأؤكد أننا كنا نتحدث عن تحقيق الجاهزية الوطنية لقيام دولة فلسطين، وكان هناك مكون أساسي في إستراتيجية السلطة للوصول إلى درجة متقدمة من الجاهزية لقيام دولة فلسطينية.

وتابع رئيس الوزراء: 'وصلنا إلى النقطة التي وصلنا إليها من جهة جاهزية مؤسسات السلطة لقيام دولة فلسطين، وشهدت على ذلك تقارير متعاقبة من مؤسسات الاختصاص على الساحة الدولية، ولا يتعارض ذلك مع كوننا نواجه أزمة مالية والتي مردها في المقام الأول عدم ورود ما يكفي من مساعدات بما ينسجم مع الالتزامات'.