بقلم: حنان بكيـر

13 أبريل، 2014‏، الساعة ‏11:44 صباحاً‏

في ذلك الوقت لم تكن خطواتي قد عرفت ذلك البلد العربي البعيد، حيث عاش أخي لسنوات طوال يعمل فيها. وقد أصاب بعض الحظ هناك، أحب البلد وربطته علاقات طيبة بأهلها، لكن صديقه الأثير والذي اعتاد لقاءه اسبوعيا كان من رجالات بعض أجهزة الدولة، لم يعلم اخي في ذلك الحين، أني كنت أراسل جريدة مشهورة في ذلك البلد.

جاء الصديق يوما لزيارة اخي في مكتبه كعادته. وبعد أول رشفة من فنجان قهوته سأل رجل الدولة: هل تعرف حنان بكير؟ وبلا تردد أو أدنى تفكير أجابه: إنها اختي، لكنه استدرك بنوع من الريبة، كيف يعرف رجل السلطة هذا، أختي؟ ومن أين؟ وأنا التي لم تزر تلك البلاد، فسأله بحذر وخشية: لماذا؟

إنها تكتب في إحدى جرائدنا.

اطمأن قلب أخي، أخذ نفسا عميقا وربما ندّت عنه تنهيدة مكبوتة، لكنه اعتدل في جلسته، مطمئنا.. رفع ساقا فوق الأخرى، نفخ صدره مثل طاووس نفش ريشه لإغراء أنثاه، اخذ مجّة عميقة من سيجارته ونفث دخانها الى الأعلى نحو سقف الغرفة، رافعا أحد حاجبيه ومسدلا الآخر.. قبل أن يتابع: أختي طول عمرها شاطرة، متمردة، قوية وقد حالها.. و.. وبدأ يكيل المديح والإطراء، وأغلب الظن أنه بالغ.. وأضفى عليّ من الصفات ما هو ليس حقيقة.

انتبه أخي لشيء ما.. وماذا تكتب اختي؟ سأل.

عن فلسطين وتدوين الذاكرة الفلسطينية، أجاب رجل السلطة الصديق.

انكمش أخي على نفسه. لملم الطاووس ريشه المنفوش منكفئا على ذاته، أحنى ظهره قليلا، انزل ساقه اليمنى التي استراحت فوق الساق اليسرى، اخذ نفسا مجهدا من سيجارته ونفث دخانها متقطّعا نحو ارض الغرفة التي أطرق بنظره نحوها، ساهما وشاردا، قبل ان يرفع رأسه نحو صديقه متظاهرا باللامبالاة وعدم الأهمية للموضوع قلّب شفتيه ثم نطق: لا أعتقد أنها هي اختي، فقد يحدث ان تتشابه الأسماء أحيانا، انه مجرد «اسم ع اسم» ليس أكثر.

لكنها تكتب بشكل جيد وجميل جدا! عقّب الرجل.

لا يهم، إنها ليست أختي بالتأكيد.

ضحك أخي ملء شدقيه وهو يخبرني الحادثة على الهاتف.. وأضاف: انا الآن اضحك على نفسي ولكن الموقف في ذلك الوقت لم يكن كذلك ابدا آه والله انكرتك يا أختي، ولو اضطررت لتبرأت منك.. أنا جدا آسف لذلك..

هوّن عليك يا أخي، فاذا كانت الرسل قد أنكرت معلمها ثلاثا قبل صياح الديك، ألم ينكر القديس بطرس معرفته بالمسيح ثلاث مرات قبل صياح الديك؟ وما أنت يا خيّا إلاّ بشر، وإنسان من العالم الثالث.

أجبته لأهونّ الأمر عليه وأطمئنه بأني لن أزعل منه فأنا اتفهّم الوضع جيدا، لكنه اضاف: «لكن الله يخليكي يا خيتا، لا تخربي بيتنا خلينا مستورين.»