منذ صغره كان يعرف أن ابن السبعة عشر عاماً سوف توجعه النكبة بوطأتها القاسية، ولؤمها وقهرها، فاختار العودة من لبنان الى الناصرة، بعد هجرة قسرية ليقضي بقية عمره هناك، كأحد المتمسكين بالأرض، والثابتين على ترابها. لا يطمح الى مال ولا الى جاه، شق طريقه بمجهوده الشخصي وتمكن من تثقيف نفسه، فتعلم اللغات الأجنبية، وتبحر في الأدب، حتى صار علماً مرموقاً وشاعراً مميزاً، عرفته الحركة الشعبية في الأرض الفلسطينية.

الشاعر طه محمد علي من بلدة صفورية، عُرف باستقامته وعصاميته وتواضعه، كما عُرف بحبه لوطنه وللناس. مارس النقد والكتابة، فضلاً عن كونه شاعراً، ونشر القصائد والقصص والمقالات والنقد في مختلف الصحف المحلية في فلسطين. ساهم الى حد كبير في الترويج لقصيدة النثر الفلسطينية، ووجُد الكثير من المشجعين والتواقين لقراءة قصائده في الجامعات الامريكية والاوروبية، من خلال ترجمة قصائده، حيث بعيت دواوينه هناك بملايين النسخ. من أعماله الشعرية: القصيدة الرابعة وعشر قصائد أخرى، حريق في مقبرة الدير، ضحك على ذوقون القتلى. ومن قصصه: سمفونية الولد الحافي، ما يكون، وقصص أخرى.

هو صاحب احساس عميق وحزن مرهف، ورؤية شعرية واقعية. تجربته متجذرة وطويلة استمدها من المأساة التي ألمّت بالوطن وبشعبه، شرب مرارتها منذ البدايات حتى الثمالة، فإذا به ضاجاً وهادئاً، حزيناً وفرحاً، ساخراً وجاداً، ورافضاً وقانعاً، فأتقن أصول اللعبة الفنية برصانة ووقار. يقول: لو كنت أملك غابة/ لدنوت من نسر حزين/ وناديته يا أبتِ!/ لو كنت أملك سجناً لاقتربت من حائط شائك وهتفت به/ يا سكني/ لو كنت أملك بحراً وسماء/ حقولاً وأزهاراً وعصافيرَ لصحت/ لقد ظُلمت حتى اعتدت أن أُظلم/ لقد أُرهبتُ حتى أدمنتُ أن أُرهب.

أفكار قصائده تطرح القضايا اليومية والتجربة الفلسطينية التي أثّرت النكبة فيها بشكل كبير وفي نفس الوقت تحلل وتنتقد وتستخلص النتائج والعبر، دافعها الحزن والألم والرفض، مصدرها النزعة الانسانية والاحساس المأساوي بواقع الحياة. تجربته الذاتية موضوعية، وفي نفس الوقت شمولية ورحبة على امتداد مساحة المشاعر الانسانية التي يعانيها الانسان الفلسطيني، برغم بساطة الفكرة، الا انها ذات عمق ودلالة بعيدة، مرتبطة بالحنين الى الماضي المتمثل بفلسطين وصفورية على وجه الخصوص، وملاعب الطفولة.يقول: صفورية!!/ ماذا تفعلين هنا/ في هذا الليل المجوسي/ العاكف على ذاته/ عكوف القلب على البغضاء!!.

صورُهُ موحية وتشبيهاتُهُ مبتكرة بلا ابتذال يقول: فيما مضى/ كنت أرى في الحلم أنك راحلة/ فيخنقني الاسى/ ولأن ذلك كان حلماً كنت استيقظ فأفرح/ ويملأ القمح الظهيرة!/ وأنتِ كنتِ الأسى/ وأنتِ كنت الفرح/ أما الآن/ فإنني أحلم أنك قادمة!!/ فأفرح واستيقظ لأدرك أن ذلك كان حلماً/ فيخنقني الأسى../ ويملأ الشوق الغسق.

خسرت الحركة الثقافية في فلسطين بفقده شاعراً وأديباً قلّ أن نرى مثيلاً له.