حدثني صديقي قائلا: «هل يعقل أن تقبل القيادة الفلسطينية تحول المفاوضات إلى ستار سياسي يغطي على تطبيق أوسع مشروع استعماري/ «استيطاني» على الأرض الفلسطينية المحتلة العام 1967، الأمر الذي يفرغ تلك المفاوضات من مضمونها»؟!! و«هل حقا لا يمكن الجمع بين المفاوضات وبين مواصلة المساعي الفلسطينية في الأمم المتحدة للحصول على دولة كاملة العضوية أو كدولة غير عضو في الأمم المتحدة»؟!!. و«هل – حقا - أن القيادة الفلسطينية لم تعد تملك إمكانية توسيع استراتيجيتها لتشمل التفاوض ونضالات أخرى، دبلوماسية وغير دبلوماسية، تملأ ذاكرتنا بهيبتها وباحترامها التاريخيين لدى جماهير الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والمسلمة»؟!!
صديقي المهووس بتسجيل المواقف ضد القيادات الفلسطينية، بدا أقل تحيزا حين أعادنا إلى تصريحات هذه القيادات على رأسهم الرئيس (محمود عباس) التي تركز كلها على استمرار الممارسات الإسرائيلية على الأرض. ثم أخرج الصديق قصاصة جديدة قرأ منها كيف أن الرئيس الفلسطيني، منذ حزيران/ يونيو 2012، أكد في رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) أنه «نتيجة لسياسات الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة، لم يعد للسلطة الفلسطينية أي سلطة وأصبحت دون ولاية حقيقية في المجالات السياسية والاقتصادية والجغرافية والأمنية، أي أنها فقدت مبرر وجودها». ويتدارك هذا الصديق فيخاطبني قائلا: «ألم تقرأ أن الرئيس عباس، قد شكل فريقاً خاصاً لبحث إمكانية حل السلطة الفلسطينية فعلياً في حال فشل المفاوضات». وأضاف: «لقد أحسن الرئيس حين أصبح يلعب لعبة الإسرائيليين ويوجه تهديدات علنية عن حل السلطة في ظل إمكانية انهيار المفاوضات».
مرة إضافية، أخرج صديقي قصاصة صحيفة وبدأ يقرأ: «وقال عباس، لدى استقباله عددا من أعضاء الكنيست في رام الله: لست بحاجة إلى نتنياهو، أو رئيس الأركان. أعطوني ضابطا صغيرا وسوف أسلمه مفاتيح السلطة الفلسطينية. تفضلوا وتولوا الإدارة وسوف أخرج حالا». وما هي إلا ثوان حتى أخرج صديقي صحيفة أحدث وبدأ يقرأ: «هدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس بحل السلطة الفلسطينية وقال في لقاء مع عشرات المراسلين الاسرائيليين ان «المفاوضات ليست خيارا سياسيا. وإذا فشلت هذه المفاوضات سنقول لحكومة إسرائيل هذه هي السلطة التي أفرغتموها من كل محتوى وفي هذه الحالة ستسلم القيادة الفلسطينية مسؤوليات وصلاحيات السلطة لإسرائيل بطريقة سلمية وستتحمل إسرائيل المسؤولية المدنية والأمنية في الضفة». ودون أن يلتقط أنفاسه، تابع صديقي طارحا تخوفاته قائلا: «حل السلطة يجب ان لا يكون ورقة تهديد تكتيكية لتحسين شروط التفاوض، او للحصول على اعتراف رمزي بدولة فلسطين في الامم المتحدة، وانما خطوة جدية نتيجة قناعة راسخة بفشل الرهان على المفاوضات، والعودة الى الخيارات والبدائل الفلسطينية الاخرى». وأضاف: «قناعتي أن وجود السلطة وأجهزتها الأمنية منزوعة السيادة والصلاحيات هي سلاح مشرع على رقاب الفلسطينيين».
إن فكرة حل السلطة (الفلسطينية) ليست بجديدة، بل هي متجددة، وفي أكثر من مرة خلال السنوات السابقة، لوح الرئيس (عباس) وغيره من القيادات الفلسطينية باتخاذ قرارات من هذا النوع. بل صدرت عديد الصحف في أوقات مختلفة تؤكد أن الرئيس أبلغ الأميركيين أكثر من مرة أنه مستعد فورا لتسليم مفاتيح السلطة إلى إسرائيل. لقد بات معروفا للقاصي والداني أنه، في حال حل السلطة، سيتعين على إسرائيل تسيير أمور التعليم والصحة والمياه وشبكات الصرف الصحي وغير ذلك. كما أن المساعدات السنوية (2 مليار دولار) التي يقدمها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية للسلطة الفلسطينية ستتوقف، وسيكون على إسرائيل تسديد النقص الناتج عن توقفها، وهو جزء بسيط من المبالغ الإجمالية التي سيتعين على إسرائيل صرفها في حال حل السلطة، حيث ان الحسابات الأولية التي بينتها الصحافة الإسرائيلية مؤخرا، أظهرت أن إسرائيل ستحتاج خلال السنة الأولى من تجدد احتلالها للأراضي الفلسطينية إلى مليارات الدولارات للقيام بمسؤوليات 2.5 مليون فلسطيني. وحين نهض ليغادر مكتبي، ختم صديقي حديثه بسؤال: «هل يكون تسليمنا لمفتاح «السلطة» بداية طريق (طويل حقا) لإعادة فتح أبواب منازلنا المسلوبة منذ 1948 بقوة مفتاح «العودة»؟