نرحب أعظم الترحيب بتقرير وزارة الخارجية الأميركية الذي أفرد مساحة واسعة "للإرهاب" الذي تمارسه جماعات تدفيع الثمن الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني سواء داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، في القدس والضفة وقطاع غزة، أو داخل الخط الأخضر، ووصف هذه الجماعات الإسرائيلية بالإرهاب لم يأت صدفة ولا جزافاً، بل جاء نتيجة متابعة دقيقة لكل جريمة ارتكبها هؤلاء الطالعون من كهوف الخرافة والعنصرية السوداء، والعدوانية المعربدة، وأن يجيء وصفهم بصفة الإرهاب من الخارجية الأميركية التي تلعب على مدى ستة وستين عاماً من عمر دولة إسرائيل دور المحامي الكامل عن إسرائيل، وتحمل المسؤولية للحكومة الإسرائيلية بأنها لا تقوم بدورها في مواجهة هؤلاء، فهذا أمر له معناه، وأنا أتوجه بالتحية لكل الهيئات الفلسطينية التي تقوم بتوثيق هذه الجرائم والممارسات الإرهابية، لأنني متأكد أن عمليات التوثيق هذه ستكون هي الأساس في محاكمة هؤلاء العنصريين الإرهابيين أمام هيئات القضاء الدولي.
في توقيت هذا التقرير: ماذا فعل نتنياهو، وماذا فعل وزراء نتنياهو؟
نتنياهو الذي هو الرئيس الفعلي لجماعات تدفيع الثمن الإسرائيلية، ذهب إلى الكنيست لإصدار قرار لتكريس إسرائيل كدولة يهودية، أما نفتالي بينيت من البيت اليهودي ومن على شاكلته فهم يرون أن أيدي الجنود مقيدة في قتل الفلسطينيين ولا بد من أن تطلق أيديهم بلا حدود.
هذه هي دولة إسرائيل، كل دعاياتها عن الديمقراطية والأخلاق والحضارة تسقط دفعة واحدة، تنهار، تنكشف، لأن العنصرية الإسرائيلية مثل السرطان الذي يتغلل في كل مكونات الدولة، في نخبها السياسية، ومجموعاتها الحزبية، وقطعانها الاستيطانية، وقوانينها وهيئات سجونها ومحاكمها العنصرية السوداء التي اشتكى منها اليهود مئات من السنين، يطبقونها بصورة أبشع ضد الشعب الفلسطيني، فينكرون حقوقه، بل ينكرون وجوده، ويجعلون حياته جحيماً لايطاق في تفاصيل الحياة اليومية.
في حالة الهوس والجنون التي تتجلى فيها العنصرية الصهيونية تسقط الرواية الإسرائيلية شيئاً فشيئاً، يحاط العالم علماً بأن إسرائيل نقيض بالكامل لصورتها السياحية، وأن إسرائيل في ظل نخبها السياسية الحاكمة كارهة للسلام، عاجزة عن صنع السلام، تخاف أن يكشف السلام حقيقتها فتتحطم.
وبما أننا في ذروة الاشتباك السياسي مع إسرائيل في هذه المرحلة، وعقل العالم مفتوح لرؤية الحقيقة حتى ولو بشكل بطيء وجزئي، فإن إسرائيل توغل في العنصرية والعدوان، وتضخم قوائم العقوبات التي تهدد بها الشعب الفلسطيني في أرضه، إسرائيل تقلب الطاولة رأساً على عقب، تغير قواعد اللعبة بالكامل، تستنفر طاقتها الإجرامية والإرهابية، هل هناك وزير إسرائيلي لم يقف على رأس مجموعة من المهووسين الذين يجتاحون الأقصى؟ هل هناك وزير إسرائيلي لم يشارك في تهديد الرئيس أبو مازن؟ هل هناك حزب إسرائيلي في هذا الائتلاف القائم لم يدل بدلوه في كيفية معاقبة الفلسطينيين وتسويد عيشتهم؟.
وهكذا فإن الاشتباك السياسي بيننا وبين إسرائيل قد يصل إلى مساحات أخطر وأصعب، خاصة إذا حمينا أنفسنا من التدخلات السلبية التي تطل برأسها لإفساد أجواء المصالحة.
هذا الاشتباك السياسي قد يتطور بسرعة إلى ما هو أسوأ، وفي حين أننا كشعب فلسطيني لدينا خبرة واسعة وتجارب عميقة وأهلية عالية المستوى في امتصاص كل أشكال التصعيد الإسرائيلي، فنحن شعب القضية والكفاح والصبر والإبداع النضالي، ولكن دعوتنا إلى أشقائنا العرب، إلى النظام الإقليمي العربي أن يكون أكثر انتباهاً واحتشاداً، لأن القضية الفلسطينية في هذه الأثناء تعود من جديد لتكون أرضية صالحة لأفق عربي جديد، لنهوض عربي جديد، لالتزام عربي قوي، فالمعركة عربياً واحدة وإن تعددت تجاربها، والقضية الفلسطينية تصلح أن تكون هي البوصلة الرئيسية التي تهدينا إلى الاتجاه الصحيح، وأن الاستثمار العربي في القضية الفلسطينية هو الذي يعود بالمردود الحقيقي على طريق عودة الحضور العربي في مصير هذه المنطقة والعالم، أما العنصرية الإسرائيلية فهي الكهف الذي تنطلق منه كل الشرور، وقد بدأت تتكشف باتجاه السقوط.