بقلم: رفعت شناعة

إنعقد المجلس المركزي بعد مرور ثلاث سنوات على الجلسة السابقة، الانعقاد تمَّ في مرحلة دقيقة وتحتاج إلى قرارات حاسمة، ورؤية واضحة، وبرامج عملية، واتضح أنها تحتاج لوضع النقاط على الحروف مجدداً، والتذكير لمن اختلطت عليهم الأمور، وتخليص القضايا الجوهرية مما علق بها من جراثيم وأوبئة التشكيك، والتحريض، والتضليل.

تميَّز خطاب الرئيس بالواقعية التي تعتمد على المصداقية، والتي تنبع من الحكمة المُعَّززة بالتجربة الطويلة والمريرة. كان الخطاب شاملاً ومعبِّراً وواقعياً.

 

المفاوضات عمل سياسي

فالمفاوضات تعود جذورها إلى القرار الذي اتخذه المجلس الوطني العام 1974 عندما قرر إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي التي تتحرر، ثم تعزَّزَ هذا المفهوم في المجلس الوطني في الجزائر بهجوم السلام العام 1988 حيث تم الاعتراف بالقرارات الدولية 242و338، وحدود العام 1967، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على هذه الارض. وعندما انهار الاتحاد السوفياتي، وبدأت مفاوضات مدريد، وتسابق العرب للحضور، وتناسوا "م.ت.ف" ككيان وطني للشعب الفلسطيني، ولم يُصروا على وجودها وفداً مستقلاً، وانما شخصيات فلسطينية ملحقة بالوفد الاردني، لكن الوفد الفلسطيني ومن خلال عضويته في إطار الوفد الاردني خاض معركة التفاوض إلى أن تمكَّن من الانفصال عن الوفد الاردني، وأصبح وفداً مستقلاً.

تمكنت القيادة الفلسطينية أن تثبت للعالم بأن الجانب الاسرائيلي لا يريد السلام، وانما يريد التفاوض من أجل التفاوض، وهذا ما ثبت لميتشل ثم لوزير الخارجية كيري، والاثنان اعترفا بأن الجانب الاسرائيلي هو من أفشل مهمتمها، وكيري كان واضحاً بأن اسرائيل إذا استمرت بنهجها الرافض لكل قرارات الشرعية الدولية ستتحول إلى دولة تمييز عنصري.

كان هناك إصرار دائم على التذكير بأن أي اتفاق يتم التوصل إليه سيخضع لإستفتاء الشعب الفلسطيني عليه، وانه لا يجوز لأحد ان يوقع نيابة عن الشعب الفلسطيني إلاّ بعد الاستفتاء.

الرئيس أكد أن المفاوضات هي عملية سياسية تهدف إلى تخليص الحقوق الوطنية، والعالم يدعونا دائماً إلى المفاوضات باعتبار أن عملية السلام المُتَّفق عليها لا تتم إلاّ عبر المفاوضات، ونحن عندما نوافق على التفاوض فلأننا أولاً أصحاب الحق، ولأننا ثانياً نؤكد على أن أساس التفاوض هو قرارات الشرعية الدولية، وأن أي تفاوض مستقبلي يجب أن يستند إلى ثلاثة شروط لا تنازل عنها وهي: أن تكون المفاوضات مبنية على قرارت الشرعية الدولية وخاصة حدود الرابع من حزيران العام 1967، ووقف الاستيطان بالكامل، وإطلاق سراح الأسرى، وأن يكون هناك سقف زمني محدد. إذاً لن تكون هناك مفاوضات عبثية، ولن تكون مفاوضات بدون شروط وضوابط، ولن تكون مفاوضات مع الاستيطان.

 

ثانياً: فلسطين دولة تحت الاحتلال

 جاء الاعتراف من قبل الجمعية العمومية بفلسطين دولة عضو مراقب تحت الاحتلال إنجازاً وطنياً مهماً عزّز موقع القضية الفلسطينية، وفتح آفاقاً جديدة أمام الكفاح الوطني الفلسطيني سياسياً وقانونياً ودبلوماسياً، وهذا الانجاز أرعب الجانب الاسرائيلي. هذا الانجاز الذي تم باعتراف (138) دولة، واعتراض سبع دول فقط منها أميركا واسرائيل أصبح سيفاً مسلّطاً على رقبة الاحتلال بإمكان الجانب الفلسطيني استخدامه في العديد من المحطات النضالية. وعندما نقول أنه أصبح من حقنا ان ننضم إلى الاتفاقات والمعاهدات الدولية ال(63) ومنها محكمة الجنائيات الدولية(I.C.C) فهذا يعني أن بإمكاننا خوض معركة الاسرى على أسس قانونية تجبر اسرائيل العنصرية على إطلاق سراحهم، وعلى معاملتهم كأصحاب أرض وأصحاب قضية، وانهم ليسوا إرهابيين، كما أنه يعطينا الحق في محاكمة القادة الاسرائيليين المجرمين في المحاكم الدولية بسبب الجرائم التي تم ارتكابها، والتي يتم إرتكابها يومياً، كما أنه سيكون بالإمكان إثارة موضوع الاستيطان والتهويد عبر المؤسسات الدولية وخاصة اليونسكو، ومحكمة لاهاي الدولية. وأيضاً سيكون بإمكاننا طلب حماية دولية لدولة فلسطين ولشعب فلسطين الواقع تحت الاحتلال. ولا ننسى أننا كشعب تحت الاحتلال من حقنا تصعيد المقاومة ضد الاحتلال، والقيادة هي التي تقرر أشكال هذه المقاومة، لأن المقاومة هي وسيلة أما الهدف فهو تحرير فلسطين. ولعلَّ ما يترتب على هذا الانجاز قضايا سياسية وقانونية كبيرة منها كما قال الرئيس:"آن الآوان لأن نجدد شرعيتنا، خاصة أن لدينا دولة، يجب على الفقهاء والحكماء أن يجتمعوا لنفهم ماذا يمكن أن نفعل، هل هو مجلس تشريعي أمام برلمان؟ هل هي انتخابات لرئيس دولة أم لرئيس سلطة؟ هذه أمور قانونية، لدينا الوقت الكافي لأن نبحثها هنا، ونخرج بنتيجة، وطالما الأمور بهذا الشكل فهي جيدة".

 

ثالثاً: الاسرى من الثوابت الفلسطينية

أثبتت القيادة وبالملموس أنها تعطي الأولوية لقضية الأسرى بإعتبارها ثابتاً من الثوابت الوطنية. فقد قدَّم الرئيس أبو مازن في المفاوضات الأخيرة الإفراج عن (104) أسيراً من أسرى ما قبل أوسلو مقابل تأجيل الانضمام إلى المعاهدات الدولية التي هي حق شرعي لنا يمكننا الاعلان عنه في أية لحظة، لكن موضوع الاسرى المحكومين بالمؤبدات كان من الصعب تحقيقه إلاّ بهذه الطريقة، حتى صفقة شاليط التي عقدتها حركة حماس لم تستطع إنقاذ أي أسير من هؤلاء. والدفعة الرابعة التي رفضت إسرائيل حتى الآن الافراج عنهم واجههم الرئيس بالتحدي والتأكيد على الثوابت الوطنية مؤكداً أن الدفعة الأخيرة من الأسرى يجب الافراج عنهم قبل التحدث عن تمديد المفاوضات.

وأن أي حديث عن تمديد المفاوضات لا علاقة له بما سبق، واننا لا نقبل أية عملية إبعاد لأي أسير لأن الابعاد عمل يتعارض مع قرارات الشرعية الدولية، وأن الأسرى ال(14) الذين هم من أهلنا في أراضي ال48 ويحملون بطاقات إسرائيلية يجب أن يعودوا إلى أهلهم وبيوتهم ولا نقبل إبعادهم عن أرضهم وأهلهم فهم أصحاب الارض، وهذه معركة بحد ذاتها يخوضها الرئيس لوقف سياسة الابعاد الاسرائيلية التي مورست بحق المحاصرين في كنيسة بيت لحم، وبحق الذين أُفرج عنهم في صفقة شاليط الأخيرة وابعدوا إلى تركيا وقطر والاردن وسوريا وغيرها.

 

رابعاً: حق العودة مقدس

 حرص الرئيس أبو مازن على حسم اللغط والتشويش المتّعمد، والتعمية التي يريد البعض فرضها على قضية اللاجئين، والتي هي من أكثر القضايا حساسية، ومن أكثر القضايا تعقيداً، والتي يحتاج تحقيقها إلى تغيير في موازين القوى لصالحها لإجبار الكيان الاسرائيلي على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية. وقد أوضح أن حلّ مشكلة اللاجئين تكون استناداً إلى القرار 194، ومبادرة السلام العربية:" واللاجئون إذا كان هناك لاجئ لا يريد العودة يبقى ويأخذ تعويضاً بالاتفاق مع الدولة المضيفة، أو أحبَّ أن يذهب من بلد إلى بلد يأخذ تعويضاً، أو أحب العودة لدولة فلسطين يأخذ تعويضاً، ولكن يجب أن يكون هناك حق العودة، كما نصت مبادرة السلام العربية وحسب القرار 194". والواضح من القرار 194 أن حق العودة هو حق جماعي، وحق فردي، ومن حق كل لاجئ أن يختار ما يريد، وبذلك لا يستطيع أي قائد ولا أي جهة أن تلغي هذا الحق الفردي.

 

خامساً: المصالحة واجب وطني

تطرق الرئيس أي موضوع المصالحة وانهاء الانقسام، وهو الاحرص منذ البداية على إنهاء الانقسام لأن فيه مصلحة وطنية، وسياسية، واجتماعية، وعلى إنهاء الانقسام تتوقف الوحدة الوطنية.

أكد الرئيس:" الاسرائيليون على مدى السنوات الماضية موافقون على الانفصال والانقسام، ومؤيدون وراعون وحامون للانفصال، والسبب هو ان إسرائيل كلما قلنا مفاوضات تقول مع من أتفاوض مع غزة أم الضفة؟ وعملنا مصالحة وقالوا إما تختاروا حماس أو المفاوضات ؟(..) ولماذا أنا ممنوع أن أذهب إلى حماس واختار بيني وبين حماس؟".

كان رد الرئيس أبو مازن دائماً على إسرائيل أن حركة حماس هي من نسيج الشعب الفلسطيني، وأن الضفة وغزة أراضٍ فلسطينية، وحماس ليست إرهابية كما تقولون واذا كانت فعلاً كما تقولون فلماذا عقدتم معها اتفاقاً وهدنة وقعها الرئيس السابق محمد مرسي ووزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون في القاهرة.

نتنياهو عندما سمع عن المصالحة غضب وقال أنه تفاجأ بها، علماً أنه أعطى التصاريح لوفد المنظمة للوصول إلى قطاع غزة. ونحن ندرك تماماً أن الانقسام ساحة إسرائيلية، والمصالحة ساحة فلسطينية، القيادة الفلسطينية بذلت كل ما بوسعها منذ سبع سنوات لإنهاء الانقسام وأصرت على الرعاية المصرية ومازالت، ولبَّت ما طلبته حركة حماس لاتمام المصالحة، وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في مصر وقطر، وأصبحنا اليوم في دائرة التنفيذ الفعلي للاتفاق، والبحث في الكثير من الملفات التي تحتاج إلى جهود مكثَّفة، وإلى قدرة على التحمل، وإلى إعطاء الأولوية دائماً للمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، وعلينا أن نتوقّع كثيراً من التعقيدات والعراقيل لأنّ المصالحة الآن معركة ضد الاحتلال المدعوم أميركياً، ولكن نقول شكراً لأوروبا التي أخذت مواقف مبدئية تجاه المصالحة الفلسطينية.

نحن ندرك ان هناك من سيحاصرنا مالياً واقتصادياً لأننا حققنا المصالحة خاصة الكيان الاسرائيلي والولايات المتحدة، وهذا أمر غير مبرَّر، وهو عدوان ظالم بحق الانسانية والقيم الأخلاقية.

نحن اليوم لسنا في دائرة الضعف، وانما في دائرة الاستعداد وعلى أرضية المصالحة للانطلاق مسلّحين بالعضوية الفلسطينية في الجمعية العمومية، والانضمام إلى المعاهدات والمواثيق والهيئات الدولية، والمقاومة الشعبية المتصاعدة تحت الاحتلال من أجل الحرية والسيادة والاستقلال.