قياساً إلى المعاناة اليومية التي تصل إلى حد العذاب، والتطهير العرقي، والعدوان الدائم الذي يلقاه الشعب الفلسطيني في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة على يد الاحتلال الإسرائيلي، وهو احتلال شاذ وغريب الأطوار وأسوأ من كل تجارب الاحتلال في التاريخ الانساني، لأن المحتلين الإسرائيليين الذين “يعدون آلهة أعدائهم” يجربون ضد الشعب الفلسطيني كل ما لاقوه من الآخرين الذين اضطهدوهم مضروباً في عشرة أضعاف، كل ما فعله النازيون بهم، كل ما فعله الآخرون من سبي بابل إلى آخر شيء حدث معهم، يقلدونه بشغف، ويمارسونه بحقد وعنصرية، وافق أعمى ضد الفلسطينيين!

و قياساً إلى ذلك فإن الحد الأدنى للحد الأدنى يمكن أن تفعله القيادة الفلسطينية هو التوقيع على المعاهدات والاتفاقيات الدولية ومن بينها اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولات المضافة لها، فهذه الاتفاقيات تلزم الدولة الفلسطينية بالتزامات، ولكنها في الوقت نفسه ترتب لهما حقوقاً، وهي الحقوق المنصوص عليها في هذه الاتفاقيات الدولية، والتي تقيد حركة الاحتلال الاسرائيلي ويده المغلولة الى الأرض الفلسطينية وضد الانسان الفلسطيني وضد المقدسات والإرث الحضاري وحقوق الأنسان عامة.

و لكن انظروا ماذا جرى، وما هي ردة الفعل؟

إنها صدمة بالغة، وجنون هستيري، وعواء يشبه عواء الذئاب المصابة بسعار الدماء، لماذا كل ذلك، لأن الفلسطينيين ألزموا أنفسهم قبل غيرهم، والزموا محتليهم في هذا الاحتلال الذي يخالف شرائع الأرض والسماء بواجبات في سياق القانون الدولي، والسبب أن إسرائيل القائمة على سلسلة لا تنتهي من الخرافات والأساطير، تعرف أن أي تصدع في جدار هذه الأساطير والخرافات ربما يصل ذات يوم إلى انهيار الجدار كله، وإسرائيل باستثناء عربدة القوة التي هي عامل متغير في الزمان والمكان، فاشلة فشلاً ذريعاً في شرعنة هذه السلسلة الممتدة من الخرافات والأساطير، وأولها أنها ليست دولة محتلة، بل هي دولة موجودة في أرض متنازع عليها، وبالتالي فإن القانون الدولي والاتفاقيات الدولية لا تنطبق عليها، وهي صنعت لنفسها جغرافيا توراتية، وتاريخا توراتيا لا يمت إلى الحقيقة بصلة، وبالتالي فإن حدث تشقق في هذا الجدار فإنه حتماً سينهار، ومهما حاول الجميع طمأنتهم فإنهم لا يطمئنون، لأنهم يعرفون أن الرواية كلها من ألفها إلى يائها ليست سوى أكاذيب مفروضة بعربدة القوة، أو مفروضة بالانحياز والتواطؤ الدولي، ولو حدث وأن تغير هذا المزاج الدولي لسبب أو لآخر، فلا بد أن يحدث الانكشاف الرهيب.

إسرائيل رفضت أن تقبل وتكتفي بكل ما حصلت عليه ،ثمانية وسبعين بالمئة من مساحة فلسطين مقابل اثنين وعشرين بالمئة هي حدود الرابع من حزيران عام 1967بما فيها القدس الشرقية ! واسرائيل رفضت التطبيع والعلاقات الطبيعية مع اكثر من سبع وخمسين دولة عربية واسلامية لقاء دولة للفلسطينيين في ارضهم ! واسرائيل رفضت خلال ثمانية شهور واكثر من المفاوضات الاخيرة القبول بجدول اعمال لهذه المفاوضات ! ورفضت تنفيذ صفقة وافقت عليها بواسطة حليفها الاقوى وهو الادارة الاميركية، بالافراج عن مئة واربعة اسرى فلسطينيين كان يجب ان تفرج عنهم قبل واحد وعشرين سنة، ووزراؤها المشتركون في الائتلاف الحكومي يزايدون على بعضهم من منهم اشد عدوانية وعنصرية وعربدة ! مع ان الكل يعلم ان مقعدا وزاريا في هذا الائتلاف اهم عندهم من اي شيء آخر، فكلهم يهددون بالانسحاب من الائتلاف ولكنهم يزدادون تشبثا به ،وهم يكفرون في النهار بما آمنوا به في الليل، وهكذا دواليك.

وعندما تخطو القيادة الفلسطينية خطوة خارج توقعاتهم الغبية، وخارج حساباتهم الضيقة، نرى هذا الانفعال وهذا الصراخ الهستيري، وهذه التهديدات العنصرية المعربدة. ولكن لا بأس، جدار خرافتكم يتصدع، ورؤيتكم تفقد المصداقية، وربما بايديكم تتلقون الصدمة المفاجئة.