يصادف يوم غد الأربعاء الذكرى الـ44 لمعركة الكرامة،التي  وقعت في 21 آذار 1968، حين حاولت قواتالجيش الإسرائيلي احتلال الضفة الشرقية لنهر الأردن؛ لأسباب تعتبرها إسرائيل 'إستراتيجية'. 

وقد عبرت هذه القوات النهر فعلاً من عدة محاور مع عملياتتجسير وتحت غطاء جوي كثيف، وتصدت لها قوات الجيش العربي الأردني على طول جبهة القتالمن أقصى شمال الأردن إلى جنوب البحر الميت بقوة، وفي قرية الكرامة اشتبكت القوات العربيةالأردنية بالاشتراك مع بعض الفدائيين الفلسطينيين وسكان تلك المنطقة  في قتال شرس بالسلاح الأبيض ضد الجيش الإسرائيليفي عملية استمرت قرابة الخمسين دقيقة. 

 واستمرت بعدها المعركةبين الجيش الأردني والقوات الإسرائيلية أكثر من 16 ساعة، ما اضطر الإسرائيليين إلىالانسحاب الكامل من أرض المعركة تاركين وراءهم ولأول مرة خسائرهم وقتلاهم دون أن يتمكنوامن سحبها معهم، وتمكن الجيش الأردني في هذه المعركة من تحقيق النصر والحيلولة دون تحقيقإسرائيل لأهدافها. 

وكان التوتر بين الجانبين، قد بدأ قبل احتلال إسرائيلللضفة الغربية من نهر الأردن التي كانت خاضعة للمملكة الأردنية الهاشمية بعد حرب1948، التي حافظ فيها الجيش العربي الأردني على كامل الضفة الغربية بما فيها القدسالشريف، واحتضن  الأردن المقاومة. 

وأدت الهجمات المنظمة للفدائيين إلى صدامات عسكرية متكررةبين الجيش الأردني والإسرائيلي على طول نهر الأردن، حيث وقع في حينها ما يزيد عن44 اشتباكاً بالمدفعية والقصف الجوي والدبابات والأسلحة المختلفة منذ 5 حزيران1967 حتى معركة الكرامة. 

وفي مطلع عام 1968 هددت إسرائيل بعمل مضاد إذا ما استمرتنشاطات الفدائيين الفلسطينيين عبر النهر، وقامت بتكثيف نشاط الدوريات الإسرائيلية فيالفترة ما بين 15-18 آذار 1968 بين جسر الملك حسين وجسر دامية، كذلك الطلعات الجويةلطائراتها فوق وادي الأردن. 

وتمهيدا للهجوم الواسع قامت إسرائيل بهجمات عديدة ومركزةاستخدمت بشكل رئيسي القصف الجوي والمدفعي على طول الجبهة الأردنية طوال أسابيع عديدةسبقت بداية المعركة عند الساعة  5:25 من فجريوم الأحد في 21 آذار 1968، كما مهدت لذلك بإجراءات واسعة النطاق في المجالات النفسيةوالسياسية والعسكرية عمدت بواسطتها إلى تهيئة المنطقة لتطورات جديدة يتوقعونها كنتائجلعملياته العسكرية شرقي نهر الأردن. 

وبدأت معركة الكرامة عند الساعة 5.30 من صباح يوم الخميس21 مارس 1968، واستمرت ست عشرة ساعة في قتال مرير على طول الجبهة، ومن خلال مجرى الحوادثوتحليل العمليات القتالية اتضح أن القوات الإسرائيلية المهاجمة بنت خطتها على ثلاثةمقتربات رئيسة ومقترب رابع تضليلي لتشتيت جهد القوات المدافعة المقابلة، وجميع هذهالمقتربات تؤدي حسب طبيعة الأرض والطرق المعبدة إلى مرتفعات السلط وعمان والكرك.. 

وكانت القوات الإسرائيلية شنت هجوما واسعا على الضفةالشرقية لنهر الأردن امتد من جسر الأمير محمد شمالا حتى جنوب البحر الميت، وكان هدفالهجوم حسب ما أعلنت إسرائيل في حينها  'القضاءعلى مواقع الفدائيين الفلسطينيين في مخيم الكرامة'. 

وفيما عمدت وحدات رصد 'فتح' إلى مراقبة تحركات القواتالمعادية، وتدارست قياداتها التدابير الواجب اتخاذها وعلى الأخص المجابهة أو الانسحابمن المواقع المستهدفة لتأتي ضربته في الفراغ وفقا لمبادئ قتال الحرب الشعبية، فيمااتخذت القيادة الأردنية استعداداتها للتصدي للعدوان الوشيك فوضعت القوات في حالة استنفاروتعبئة انتظارا للتطورات المتوقعة. 

ورغم أن إسرائيل أعلنت أنها قامت بالهجوم لتدمير قوةالمقاومة الفلسطينية، إلا أن الهدف لم يكن كذلك كما تبين من الوثائق التي حصلت عليهاالمخابرات الأردنية، فقبل أيام من معركة الكرامة حشدت إسرائيل قواتها لاحتلال مرتفعاتالبلقاء والاقتراب من العاصمة عمّان وضم أجزاء جديدة من الأردن وتحويلها إلى جولانأخرى لتخلص من الهجمات المستمرة التي كان يقوم بها الفلسطينيون. 

وكانت تسعى كذلك إلى إرغام الأردن على قبول التسويةوالسلام الذي تفرضه إسرائيل وبالشروط التي تراها وكما تفرضها من مركز القوة، ومحاولةوضع ولو موطئ قدم على أرض شرقي نهر الأردن باحتلال مرتفعات السلط وتحويلها إلى حزامأمنى لإسرائيل. 

وكانت معركة الكرامة نقطة تحول كبيرة بالنسبة لحركةفتح خاصة والمقاومة الفلسطينية عامة، وتجلى ذلك في سبل طلبات التطوع في المقاومة، سيمامن قبل المثقفين وحملة الشهادات الجامعية، والتظاهرات الكبرى التي قوبل بها الشهداءفي المدن العربية التي دفنوا فيها، والاهتمام المتزايد من الصحافة الأجنبية بالمقاومةالفلسطينية، ما شجع بعض الشبان الأجانب على التطوع في صفوف المقاومة. 

كما أعطت معركة الكرامة معنى جديدا للمقاومة تجلى فيالمظاهرات المؤيدة للعرب والهتافات المعادية التي أطلقتها الجماهير في وجه وزير خارجيةإسرائيل آبا ايبان أثناء جولته يوم 7/5/1968 في النرويج والسويد، حيث سمعت آلاف الأصواتتهتف 'عاشت فتح'. 

وعلى الصعيد العربي كانت معركة الكرامة نوعا من استردادجزء من الكرامة التي فقدتها في حزيران 1968 القوات المسلحة العربية التي لم تتح لهافرصة القتال، ففي معركة الكرامة أخفقت إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية والإستراتيجيةلرفع معنويات الإسرائيليين، بل ساهمت في زيادة خوفهم وانعزالهم. 

وحول خسائر المعركة، فقد استشهد 17 شهيدا من الجانبالفلسطيني، و20 من الجانب الأردني و65 جريحا بينهم عدد من الضباط و10 دبابات و10 آلياتمختلفة ومدفعان، فيما قتل 70 إسرائيليا وأكثر من 100 جريح، ودمرت 45 دبابة، و25 عربةمجنزرة و27 آلية مختلفة، و5 طائرات. 

وبعد انتهاء المعركة صدرت العديد من ردود الفعل كانأبرزها، قول الرئيس الشهيد ياسر عرفات إن 'معركة الكرامة شكلت نقطة انقلاب بين اليأسوالأمل، ونقطة تحول في التاريخ النضالي العربي، وتأشيرة عبور القضية الفلسطينية لعمقيهاالعربي والدولي'. 

صحيفة 'نيوزويك' الأميركية نشرت بعد معركة الكرامة:'لقد قاوم الجيش الأردني المعتدين بضراوة وتصميم، وإن نتائج المعركة جعلت الملك حسينبطل العالم العربي'. 

وقال رئيس الأركان الإسرائيلي في حينه حاييم بارليف،في حديث له: 'إن إسرائيل فقدت في هجومها الأخير على الأردن آليات عسكرية تعادل ثلاثةأضعاف ما فقدته في حرب حزيران'، وقال أيضا في حديث آخر، 'إن عملية الكرامة كانت فريدةمن نوعها ولم يتعود الشعب في (إسرائيل) مثل هذا النوع من العمليات، وبمعنى آخر كانتجميع العمليات التي قمنا بها تسفر عن نصر حاسم لقواتنا'. 

وعلق أحد كبار القادة العسكريين العالميين، رئيس أركانالقوات المسلحة في الاتحاد السوفياتي في تلك الفترة المارشال جريشكو، 'لقد شكلت معركةالكرامة نقطة تحول في تاريخ العسكرية العربية'. 

أما رئيس أركان الجيش الأردني حينها، الفريق مشهور الجازيفقال، 'أقول بكل فخر، إنني استطعت تجاوز الخلاف الذي كان ناشئا آنذاك بين الفدائيينوالسلطة الأردنية، فقاتل الطرفان جنبا إلى جنب، وكقوة موحدة تحت شعار: كل البنادق ضدإسرائيل فكانت النتيجة مشرفة'.