أتمنى من كل قلبي أن يتحقق ما يتسربمن أنباء بأن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية والاعلان عنها أصبح قريبا، ربما خلال اسبوعأو عشرة أيام، من خلال لقاء يعقد في القاهرة بين الأخ الرئيس أبو مازن وخالد مشعل رئيسالمكتب السياسي لحركة حماس، ذلك أن الجمود الذي حدث على هذا الصعيد بعد التوقيع علىاتفاق الدوحة، اعاد إلى الأذهان تراكمات الفشل السابقة، وأعطى لأعداء المصالحة، أصحابالانقسام آمالا جديدة، بأنهم هم المتحكمون في قواعد اللعبة، سواء كان هؤلاء ممثلينبالحكومة الإسرائيلية التي رأينا ردة فعلها الهستيرية والعدائية المفضوحة ضد المصالحة،أو بعض الأطراف المحليين في داخل فلسطين، من أصحاب المصالح والنفوذ والذين تعاقدوامع الانقسام وهم يعرفون أنه في الأساس مخطط إسرائيلي، والذين ارتبطت مصالحهم مع بقاءالانقسام سواء على المستوى الفصائلي أو المستوى الفردي، مالا وجاها ونفوذا وتحكما فيمصير الناس، من خلال الأوضاع التي تدهورت من سيئ إلى أسوأ، وتزداد كل يوم إحباطا فوقإحباط.

ولا ننسى في قائمة اعداء المصالحةبعض القوى الإقليمية التي تعتبر أن نجاح الفلسطينيين في صياغة علاقاتهم الداخلية بشكلمتوازن يسحب الورقة من أيدي تلك القوى الإقليمية، ويجعلها أضعف في لعبة المقايضة الدولية!!! وهذه الفئات من القوى الإقليمية المعادية للمصالحة الفلسطينية متعددة من بينهادول، وأحزاب وحركات واتجاهات، بل وحتى أفراد يعتاشون على استمرار البؤس الفلسطيني.

من المهم إذا، أن تتقدم المصالحة خطوةفعلية محسوسة إلى الأمام، والخطوة المطلوبة التي ننتظرها هي تشكيل الحكومة، وأنا أعرفأن هناك من يرددون ليل نهار أن المصالحة أعقد بكثير، وطريقها طويل وشائك، وأن أسهلشيء هو التوقيع على الاتفاقات كما حدث في مكة، وفي القاهرة، وفي الدوحة.

وأسهل شيء هو تشكيل حكومات فاقدة لجوهرهاالسياسي فتظل غارزة في الوحل لا تتقدم إلى الأمام، ولكن، في الظروف الحالية، بعد انكشافالموقف الإسرائيلي ضد المصالحة، وبعد التقارب الواسع في القراءات للواقع من حولنا،وبعد الجمود السياسي المرشح أن يستمر إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، فإن الفلسطينيينمطالبون بخطوات معلنة، وان لا يدمنوا مقاعد الانتظار، بل عليهم إحداث نقلة نوعية، والنقلةالنوعية الممكنة الآن، والواجبة الآن هي انقاذ علاقاتهم الداخلية من التدهور ومن ثمالتآكل والتفسخ وما يترتب على كل ذلك من تداعيات.

صحيح أن المصالحة امامها عقبات يتمالحديث عنها في كل مرة بتضخيم مبالغ فيه، وتستعاد فيه المصطلحات الزائفة، مثل الوضعالأمني، وتراكمات الوضع القانوني، وتوحيد الإدارة الفلسطينية بعد خمس سنوات من الانقسام،وتحصين الذات في مواجهة استحقاقات فلسطينية قد تكون احدها العودة إلى المفاوضات إذاتبلور أفق مناسب، ولكن العائق الرئيسي أمام المصالحة، ان البعض يفهم المصالحة على انهاشرعنة للانقسام، أي إعلان المصالحة والاحتفاظ بما يسمونه «مكاسب الانقسام» والإبقاءعلى الانقسام لكن بإخفائه تحت الرداء، وهذا رهان يتشبث به بعض صانعي الانقسام والمستفيدينمنه.يا ليت الأمور بهذه السطحية، لهان الأمر، لكن المصالحة مطلوبة، وضرورية، وعاجلة،لان قدرتنا على صياغة مبادرات وبدائل وفعاليات دون المصالحة الحقيقية تبدو شبه مستحيلة،والمسألة أكبر ألف مرة من المكاسب التي يحلم هذا الطرف بتحقيقها على حساب الطرف الآخر،بالتشبث بمناطق نفوذ خاصة تحت عنوان المصالحة، أو الاعتراف بحقائق الانقسام تحت عنوانالمصالحة، هذه أشياء سطحية وقصيرة النظر، لأن بقاء الانقسام تحت سقف هذه الأطماع يهددبإخراجنا جميعا من سياق القضية، وتحويلنا إلى طرف هامشي ويفقدنا القدرة على الحضوربشكل فاعل في أي مستوى من المستويات. ودعوني أذكر على الصعيد، بضرورة أن ننظر حولناوفي أنفسنا وبشكل شجاع، لنرى كيف تدهورت أولوياتنا في ظل الانقسام، فبينما كنا نتحدثمع العالم عن دولة مستقلة، وعن ممرات آمنة تربط قطاع غزة بالضفة، وعن بقية بنود الحلالنهائي، أصبح أقصى طموحاتنا الآن إخراج بعض المعتقلين من سجوننا، وتزويد غزة بالكهرباء،وإيجاد طرف عربي أو خارجي يتحدث معنا بجدية، لأن الانقسام وجه لنا طعنة، واستغلها الأعداءوالأصدقاء على حد سواء في التنصل من التزاماتهم تجاه شعبنا وقضيتنا، والوضع على هذاالمستوى خطير، لأن الظروف مهيأة الآن لمزيد من التجاهل في خضم ما يجري من إعصار فيالمنطقة لا يعطي فرصة لأحد أن يهتم بما يحدث خارج بيته الذي تهدده النيران.المصالحةتأخرت إلى هذا الوقت، لأن البعض سيطرت عليهم فكرة التحايل وليس المصالحة، فكرة تعنيكما ذكرت إبقاء الانقسام مخبأ تحت الرداء والاكتفاء بإعلان المصالحة، فكرة التحايلهذه لم تعد تجدي، والانتظار أصبح عبثيا وخسائره ثقيلة، والدلالة على ذلك، أنه بالنسبةلأولويات حياتنا الآن، فإن هناك تدهورا في الأولويات، وتكاد تصبح الأولوية الأولى مجردالبقاء أحياء بالحد الأدنى، وهذا بمثابة عجز في العقل السياسي للذين لا يرون الجمودوالسكون وسط الحركة الصاخبة من حولنا وهو تراجع حقيقي، وأن البدائل يجب أن نضعها نحنوليس انتظارها من أي طرف آخر.أعرف أن تشكيل الحكومة لا يعني إنهاء كل المشكلة، لكنهيعني أن الإرادة لصياغة واقع جديد هي الإرادة الأقوى، وأن المتاجرة بالانقسام هي التجارةالخاسرة التي انتهى زمانها.

بعض الأطراف في الساحة الفلسطينية،يعميهم ما في أيديهم من مكاسب الانقسام عن أي شيء آخر، مع العلم أن مكاسب الانقسامغير شرعية، وغير مستقرة، ومهددة بالزوال لألف سبب، بينما المصالحة الحقيقية تجعل كلالأطراف تركب عربة الشرعية الفلسطينية التي توصلهم إلى الشرعية العربية والدولية، وهذاهو المكسب الحقيقي بعيد المدى، وليس تلك المكاسب الرخيصة الملوثة بالعذاب الفلسطينيتحت سقف الانقسام.