لم يكن أمر الاتفاق على تشكيل حكومةوفاقية انتقالية من المستقلين، في حاجة الى رؤية ثاقبة، لكي يعرف واحدنا أن مثل هذاالاتفاق لا يلائم “حماس” وبالتالي لن تتماشى معه. فقد توقعنا أن يغترف المتنفذون الحمساويونفي غزة، من مخزون الذرائع، لكي يتحاشوا استحقاقات اتفاق المصالحة. وموقفهم من لجنةالانتخابات المركزية، مقراً وسجلات، يعكس تخوفاتهم من العودة الى الشعب والى صناديقالاقتراع، وهذه تخوفات أشبعناها بحثاً بموضوعية، استناداً الى ظواهر وحقائق ماثلة للعيان.لذا فإننا لن نجعلها موضوع هذه السطور!

المسألة الأكثر إلحاحاً الآن، هي أننبادر فوراً الى إصلاح عرباتنا “لكي لا تسخر الطُرقات منا” حسب تعبير المبدع محموددرويش. ولن يكون ذلك دون تعديلات في حكومة السلطة وفي الجهاز الديبلوماسي الذي يقععليه عبء كبير، في إيصال وشرح الرواية الوطنية حول مجريات الأمور على صعيد غطرسة حكومةالاحتلال وانقلابها على العملية السلمية، وعلى الصعيد الداخلي. فعلى صعيد جهودنا لتوحيدالكيان الفلسطيني واستئناف العملية الديمقراطية، ما زالت هناك أوساط عربية تقرأ الواقعبطريقة ساذجة ومقلوبة، إذ ترى أن الخصومة تقوم على قاعدة “المقاومة” وأن طرفاها هما“فتح” التي انتقلت الى معسكر الاحتلال و»حماس» التي تقاومه بشراسة. إن هذا المنطق السخيفيُسمع في محافل الخطابة والندوات في الجوار العربي. لذا ينبغي أن ندفع باتجاه الاستثمارالأفضل، للمقدرات التي تبذلها منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة، على النحو الذي يخدمالمصالح العليا للشعب الفلسطيني وقضيته. وفي هذا السياق، لا بد من التصدي للظواهر العقيمةوالمتعفنة، التي نشأت وتجذرت في مرحلة عسيرة وملتبسة. فالحكومة التي تشكلت لتسيير الأعمال،مكثت أطول مدة، وباتت هي نفسها تئن وتشكو من بعض أعضائها، وكان كل شىء مؤجل، انتظاراًلعملية انتقال الى حال جديدة. لكن الحمساويين أمسكوا بتلابيب السلطة في غزة، ولن يخلعواإلا بتراكم عناصر الانفجار الشعبي، وهم يراهنون على وطنية الوطنيين الذين يرفضون الاحترابمثلما يرفضون عدوان الاحتلال، ويدفعون الأيام بمحركات الدعاية المتلطية بالإسلام وبالمقاومة،واهمين أن بمقدورهم أن يظلوا يكذبون الى الأبد وأن يظل يصدقهم العالم “الإخواني” الذيسيواجه هو نفسه، في بلدانه، اختبارات صعبة وسينكشف أمره إن لم يتحل بالرُشد الحقيقي.

خمس سنين مضت ونحن على حافة جُرف،استغل الانتهازيون خلالها وضع السلطة وهمومها الكبيرة، لكي يتحصلوا على المزايا لهمولأصفيائهم، وهم معنيون بتعطيل أي حراك نحو جودة ونزاهة وأمانة الأداء، وتكريس التقاليدالرفيعة للعمل الوطني العام. الآن، وتعثر التنفيذ لما تم الاتفاق عليه مع رئيس المكتبالسياسي لحركة “حماس” ستكون لنا رسالتنا الى الخارج، وهذه الرسالة لن تكون مقنعة، إنلم تدل عليها صدقية وسلامة عملنا في السلطة و»المنظمة» لغةً وبناءً وأداءً واختياراًللعناصر الأفضل وتصويباً للأخطاء. ولعل هذا هو أهم ما نفعله، في مرحلة انسداد أفق العمليةالسلمية وتعثر المصالحة!