غدت مسيرة المصالحة باهتة مثلها مثل مسيرة المفاوضاتبلا معنى مُؤثر، وبلا حدث مهم، وبلا مضمون جدي يمكن أن يفتح بوابات الأمل على إعادةالاعتبار لشعب باسل، علّم شعوب شقيقة وصديقة النضال والتضحيات وتعلم منها، مثلما علمهاأهمية الوحدة الوطنية، وأهمية الائتلاف السياسي العريض في مواجهة العدو الواحد الوطنيوالقومي والإنساني، وأن التناقض الرئيس مع العدو وليس مع غيره من الخصوم أو من الأصدقاءالمختلف معهم على عناوين أو على أولويات، وهي خلاصات الشرط الأول في تحقيق الانتصارعلى العدو، ويكون الشرط أكثر أهميةً حينما يكون العدو متفوقاً بامتياز كما هو الحالفي الصراع العربي الفلسطيني الإسرائيلي. لم يعد لمسيرة المصالحة طعم ونكهة، مثلما لمتعد مسيرة المفاوضات الدائرة علناً أو سراً ذات جدوى، فكلاهما مضيعة للوقت، وتصريفأعمال، وإدارة أزمة، ومحاولات تضليل للخروج من المأزق، والمأزق يتمثل بعاملين: أولهماـ تفوق العدو الإسرائيلي وتقدمه ونجاح برنامجه الاستيطاني التوسعي الاستعماري مدعوماًمن قبل قوة الولايات المتحدة الأميركية وجبروتها، وفي ظل رضا أوروبي خجول، وفي ظل عجزعربي من البعض وفشل من البعض الآخر وتواطؤ واع من البعض الثالث، وهذا وفر للإسرائيليينالفرصة ليكونوا أصحاب المبادرة، في الهجوم، والاستيطان والبطش وإدارة المفاوضات، ووضعالأولويات وتحديد الأجندة، وأزمانها وتوقيتها. أما العامل الثاني فهو الضعف الفلسطيني،فشعبنا مصاب بحالة استكانة، وردات فعل باردة، وحركته الوطنية بفصائلها وأحزابها وشخوصهاولا أستثني أحداً، تتوسل حماية الذات والحفاظ على المكاسب سواء في الضفة أو في القطاع،والفرق بينهما في انتقاء المفردات، والهروب من المواجهة مع العدو، إلى المواجهة معالذات، مع الشقيق لأن هذا الخيار أيسر وأقل كلفة، أما التصادم مع العدو والتصدي لمستوطنيهوحصاره فهو الكلفة العالية التي لا ترغب الأغلبية الحزبية والتنظيمية والفصائلية فيدفع ثمنها، سواء لدى فتح أو لدى حماس، لدى التيار اليساري أو القومي، فجميعهم في خندقواحد، خندق عدم المواجهة، وإضاعة الأولويات وتشتيتها. ثمة وقائع يجب استحضارها، ومعطياتيجب التركيز عليها، فحركة فتح لم تحظ بالموقع دون مقدمات وتضحيات ومبادرات، وحماس لمتحصل على الأغلبية والاستفراد بقطاع غزة، دون ثمن دفعته من خيرة قياداتها، فالانتفاضةالأولى ولّدت أوسلو والاعتراف الإسرائيلي الأميركي والانسحاب التدريجي وقيام السلطةكمقدمة لإقامة الدولة، وأما الانتفاضة الثانية فقد دفعت شارون كإجراء وقائي للانسحابمن قطاع غزة بعد إزالة المستوطنات وفكفكة مواقع الجيش الإسرائيلي، أي أن الأطراف الفلسطينيةوالفصائل كافة، منفردة ومجتمعة لم تصل إلى ما وصلت إليه من وظائف وسلطة وإمكانات ونفوذومكانة اعتبارية دون الانتفاضة الأولى، ودون الانتفاضة الثانية، ولم تجلس على طاولةالمفاوضات ولم تستقبل في البيت الأبيض ولم تحظ بالرعاية من أي دولة إلا بسبب حضورهاالوطني وسط شعبها وصعودها من بين مساماته وتضحياته وبرنامجه من أجل الحرية والمساواةوالعودة. أما محطات التفاوض، بلا غطاء كفاحي، فقد فشلت في كامب ديفيد بين ياسر عرفاتويهود براك برعاية كلينتون، وفشلت في أنابوليس بين محمود عباس وأيهود أولمرت برعايةبوش، وفشلت ولا تزال بين نتنياهو وأبو مازن برعاية أوباما، لأن موازين القوى لمصلحةإسرائيل واستمرار احتلالها يشكل مكسباً صافياً لها وتوسعها وتهويدها للقدس وللغور وبقاؤهاعلى صدر الفلسطينيين لا تدفع كلفته، فلماذا الانسحاب ؟ ولماذا التراجع ؟ ولماذا التعايشوالسلام ؟ طالما أنها قادرة على فرض معايير التعايش والسلام والأمن كما تريد وتهوىوفق مصلحتها وتطلعاتها التوسعية الاستعمارية ؟؟ وبرنامج المقاومة من غزة قاومته حماسبقوة وتوصلت إلى اتفاق التهدئة مع الإسرائيليين بوساطة مصرية، أُسوةً بما يجري في الضفة،لأن الأولوية بالنسبة لها: البقاء في السلطة والحفاظ عليها واستمراريتها!!. الشعب الفلسطينيبحاجة لثلاثة عناوين، وحدة برنامجه، ووحدة مؤسسته، والاتفاق على أدواته الكفاحية، وإذالم يفعل ذلك، وإذا لم يفلح في التوصل إلى ذلك سيبقى خارج دائرة الفعل والتأثير، وليسهذا وحسب بل ستتآكل إنجازاته التي صنعها بفعل الصمود والكفاح طوال الأربعين سنة الماضيةمن عمر ثورته المعاصرة. أصحاب القرار يتهربون من الاستحقاقات، والاستحقاق الأولي هوإجراء الانتخابات البلدية، والذي لا يستطيع إجراء الانتخابات البلدية، لا يملك القدرةعلى إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، ولذلك لتبدأ عجلة الحياة الكفاحية، وزرعمداميك الشرعية الموحدة في الضفة والقدس والقطاع، عبر الانتخابات البلدية على قاعدةقانون التمثيل النسبي لتكون نموذجاً ومعياراً ومقدمة لكل من يتبعها، بغير ذلك تغميسخارج الصحن.