الرئيس أبو مازن قال كلمته بكل جرأة في مؤتمر القدس الذي عُقد في قطر نصرة لأقصاها، ودعماً لصمود أهلها.  وضع أمام المشاركين من علماء أجلاء، ورجال سياسة وقانون، ورجال أعمال صورةً واضحةً عن سياسة الاحتلال بكل تفصيلاتها المتعلقة بخطط الاستيطان والتهويد، والتغيير الديموغرافي، والتهجير القسري، والتنكيل اليومي، والاستهداف المدروس لأبناء القدس الصامدين وبيوتهم، وأراضيهم، واقتصادهم، ومؤسساتهم وجمعياتهم، وفي المقدمة استهداف المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية واستباحة أماكن العبادة وحياة المصلين.  بعد هذا الشرح المفصَّل والموثَّق وحتى لا يزعم أحدٌ بأنه لا يدري أن فلسطين قد احتلت، والأقصى في خطر، وان الكيان الإسرائيلي المحتل عاقدٌ العزم على جَعْل القدس العاصمةَ الأبديةَ لدولة إسرائيل.  عندما تحدث الرئيس أبو مازن، وعندما اقترح على قادة هذه الأمة مجموعة اقتراحات غَيْر مُكْلِفةٍ مادياً، ولكنها تعزز صمود أهل القدس بوجه أصحاب المليارات من الصهاينة الذين وضعوا ثرواتهم المالية لشراء بيتٍ هنا أو متر أرضٍ هناك.  طلب الرئيس أبو مازن أمرين أولهما:

إرسال زيت إلى القدس، والمقصود الوفاء بالتعهدات المالية العربية المتفق عليها، خاصة ما وعدوا به في مؤتمر سرت وهو دفع مبلغ خمسماية مليون دولار لدعم صمود القدس وأهلها، ولم يُدفع منها حتى الآن سوى خمسين مليون دولار، أو أنه يوجد تعليمات وأوامر أمريكية صارمة بعدم تقديم الدعم العربي الإسلامي لحماية القدس وأقصاها، والمنطق يقول إن القادة العرب انصاعوا للقرار الأميركي حتى يكون بإمكان الاحتلال الإسرائيلي استكمال مخططاته الجهنَّمية، والقضاء على الحقوق الفلسطينية في أرضهم التاريخية.  

ومن هذا المنطلق طرح الرئيس أبو مازن إرسال الزيت الذي كان يرمز إلى إضاءة الأماكن الدينية، أو إِضاءة الأماكن التي يعتقد عامة الناس أنَّ فيها قبورَ الأولياء والصالحين.  ولكن اليوم المطلوب إرسال زيت البترول أي المردود المالي من أرباح البترول التي تُقدر بالمليارات، ولكن للأسف هذه المليارات لاحظَّ فيها للقدس وأهلها لأن الأوامر والتعليمات تصدر من واشنطن.

أما الأمر الثاني الذي اقترحه الرئيس أبو مازن فهو دعوة القادة العرب والمسلمين لزيارة القدس المحتلة، والمشاركة في تحدي الاحتلال، ودعم الصمود الاقتصادي لأبناء القدس، والتأكيد على الجانب المعنوي بتعزيز الترابط بين الأمة وأبنائها المحاصرين، وتثبيت مبدأ الشراكة في مواجهة الاحتلال، وتبليغ الرسالة بوضوح إلى الجانب الإسرائيلي بأنَّ هذه الأرض أرضنا، وهذه المقدسات مقدساتنا، وأنَّ القدس عاصمتنا، وأنَّ هذه الأمة لن تُسلِّم لإسرائيل بالأمر الواقع، ولن تقبلَ بأن تكون القدس وأقصاها معزولين حسب رغبة الاحتلال وإجراءاته العسكرية.  فالعربي والمسلم عندما يصل إلى القدس وأقصاها ويرى قبة الصخرة وكنيسة القيامة سيزداد إيماناً وقناعة بالتضحية والفداء، تماماً كالفدائي الذي كان يخترق الحدود العربية ليصل إلى مستوطنةٍ ما، أو موقعٍ عسكريٍ أو دورية عسكرية، وينفذ العملية بجرأة وشجاعة ولا يستسلم حتى آخر طلقة بجعبته، هو بذلك يريد إيصال الرسالة ذاتها التي يحملها الزائر أو العائد إلى أرضه، ولسان حاله يقول هذه قدسنا، وأهلها أهلنا، ونحن لها.

الرئيس أبو مازن سبق له أن أفتى سياسياً بأنَّ القادمَ إلى أرضنا يزور السجين ولا يزور السجَّان.  ولعلَّ أسوأ اللحظات عند الاحتلال هي عندما يرى قادة وأبناء هذه الأمة يتجرأون على كسر القيود والحواجز ليصافحوا إخوانهم الصامدين في الخندق الأمامي بوجه الإجرام الصهيوني.  ولا يمكن أن نسمي هذا تطبيعاً لأن القدس عاصمة فلسطين وليست عاصمة إسرائيل، وإذا تواجد الاحتلال بقوة السلاح، علينا أن ندخلها بقوة الإيمان والإصرار والتحدي ، والمعروف أن التطبيعَ من بعض الدول العربية لا يتم بهذه الطريقة، والأخطر فيها ما يتم من خلف الستار، وإذا أردنا أن نفهم الحقيقة نكرر السؤال السابق لماذا لا يتجرأ العرب على الوفاء بما قدروه من مساعدات لفلسطين والقدس مع معرفة الجميع أن الصمود الاقتصادي أمرٌ بالغ الأهمية في حماية القدس.

عودة إلى الفتوى التي أطلقها الشيخ يوسف القرضاوي وتبنتها حركة حماس بأن دعوة الرئيس أبو مازن لقادة العرب والمسلمين لزيارة القدس وهي عاصمة فلسطين بأنها تطبيع ولا تجوز شرعاً، ومع احترامنا للعلماء كافة، إلاَّ أننا نسأل هل هذه الدعوة مُحرَّمة لأنَّها فقط صدرت عن الرئيس أبو مازن؟؟!!

لكننا على هامش هذه الفتوى للشيخ يوسف القرضاوي نسأل وبكل صراحة: هل تَرْكُ أهل القدس يتعذَّبون، ويتألمون وهم يرون مؤسساتهم، واقتصادهم، ومدارسهم،ومستشفياتهم، وجمعياتهم، ومحالهم الاقتصادية، وشركاتهم تُغلَق، وتُعلن إفلاسَها لأنها لم تستطع مواجهة أصحاب المليارات الصهاينة الذين وضعوا ثرواتهم بخدمة الاستيطان الذي التهم القدس، وأصبحت نارهُ اليوم على أبواب المسجد الأقصى، وفي ساحة البراق، هل هذا جائز شرعاً؟؟!! ولماذا لا يلتزم القادة العرب بنصرة أهل القدس وأقصاها كما يلتزم قادة الحركة الصهيونية؟؟!! ولماذا الهمُّ الكبير والعبء الثقيل يجب أن يظلَّ على عاتق ابن القدس الذي يعاني أشدَّ المعاناة خاصة في الجانب الاقتصادي، بينما القادة لا يقدمون مالاً ولا زيتاً، فلماذا نُحرِّم حتى الزيارة إلى القدس والمقدسات.