مَن يعتقد من العرب والمسلمين أن القدسما زالت هي قدس العرب وقلب فلسطين النابض، فهو مخطئ!! ذلك أنها مدينة فُرِض عليها واقعالتهويد، فأصبحت معالمها الفلسطينية متداعيةً متناثرةً خلف متغيّر جغرافي وديمغرافياستيطاني احتلالي إحلالي.

الضربة الأولى التي وجّهها الاحتلالإلى القدس بدأت بعد أيام من النكسة في العام 1967، حين استولى جيش الاحتلال على أبوابالحرم القدسي وتحكّم بصورة رئيسة بباب المغاربة، ثم إعلانه حائط البراق (أو يُسمونه'حائط المبكى') منطقةً دينيةً يهوديةً؛ ما استدعى في أعقاب ذلك هدم حارة المغاربة لإحداثالتوسعة المطلوبة لأداء المستوطنين طقوسهم الدينية على أنقاضها!!.

تلا ذلك مسلسل الاستيلاء الممنهج علىالعقارات العربية بشتى الوسائل المتاحة: بالتزوير تارةً وبالاستعانة بحارس أملاك الغائبينالإسرائيلي تارةً أخرى، وبالتسريب تارة ثالثة... ليبدأ بعد ذلك مسلسل الحفريات في كلأنحاء البلدة القديمة كافة... لم يُترك حي أو باب أو زقاق إلاّ تم الحفر أسفله، وتركزتالحفريات تحت الحرم القدسي، وكم من مدارس ومبان انهارت أرضياتها بفعل تلك الحفريات..وكم من منزل أصبح يتهدّده خطر الانهيار بفعل التشققات التي أحدثتها الحفريات في أساساتالبيوت.

اليوم، هناك مدينة كاملة تحت البلدةالقديمة، وكنيس يهودي تحت المسجد الأقصى... لا تنتظر إلاّ إشارة الانطلاق من قادة الاحتلال،للإعلان عن التهويد الكامل للمدينة ومقدساتها، واقتسام الحرم القدسي!!!.

بكلمات مرّة، نؤكد أن الوجود الفلسطينيفي البلدة القديمة من القدس ومحيطها أصبح مجرّد بؤر صغيرة في محيط استيطاني كبير، وهذاسيناريو أسوأ مما حدث في يافا بعد النكبة في العام 1948.

النقطة الأشدّ خطورةً في مسلسل التهويدهذا، هو فصل القدس عن باقي أجزاء الضفة الغربية، بعد استكمال بناء جدار الفصل العنصري،وهو المقطع الأكثر تحصيناً ومراقبة إلكترونياً، والمحاط بسياج كهربائي.. وذلك للحدّ،بكل الوسائل، من دخول الفلسطينيين إلى القدس، لتقييد أيّ حراك عربي فلسطيني يومي فيها،على الصعيد التجاري والاجتماعي والسياسي أيضاً. بمعنى آخر؛ سلطات الاحتلال قطعت الأقدامالفلسطينية المتوجهة إلى القدس، وأصدرت حكماً بالإعدام على مؤسساتها.. فأصبحت شوارعهاخالية!!.

من هذا المنطلق، جاءت تحذيرات الرئيسمحمود عباس من خطورة ما يجري في القدس... مناشداً الأمتين العربية والإسلامية تحمّلمسؤوليتهما تجاه المدينة ومقدساتها، التي ليست ملكاً للفلسطينيين وحدهم.. وألا يُترَكحمل الاحتلال الثقيل على كاهل الجسد الفلسطيني، الضعيف أصلاً.

حاول عباس، بشتى الوسائل، إقناع العربوالمسلمين بالزحف إلى القدس، فرادى وجماعات.. ليساهموا في تثبيت المرابطين في المدينةوأكنافها، وإعانتهم على الصمود.. وعلى تأكيد الهوية العربية للمدينة المقدسة.. وقددفعنا، كفلسطينيين، ثمناً حتى من قوت أولادنا من أجل تثبيت الحضور العربي في القدسوالأراضي الفلسطينية، من منطلق الواجب الأخلاقي والديني والعروبي.. ومن منطلق أن زيارةالسجين لا تعني التطبيع مع السجان.

وفي أوج مسلسل التهويد والحاجة إلىالوقفة العروبية، تجيء فتوى الشيخ القرضاوي بتحريم زيارة القدس؟!!! لمصلحة مَن.. وكيف..ولماذا.. والتوقيت؟ هذه أسئلة مشروعة.. بل أكثر من ذلك، وهناك شبهات حقيقية وراء هذهالفتوى!!

الذي عارض دعوة الرئاسة الفلسطينيةهما: القرضاوي، الذي أصدر فتوى التحريم. ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو،الذي اعتبر دعوات الرئيس للعرب والمسلمين لزيارة القدس والأراضي الفلسطينية، بالخطيرةوتهدد أسس السلام، لأن هذا يصبّ في خانة تدمير إسرائيل!.

أليس من غرائب وعجائب هذا الزمن أنيلتقي المفتي القرضاوي مع نتنياهو في محاربة زيارة العرب والمسلمين للقدس؟!.إذن، هيمصلحة إسرائيلية خالصة في ألا يكون هناك وجود فلسطيني أو عربي في هذه المدينة.. ولكن،ما هي المصلحة القرضاوية.. أو لمصلحة مَن يتحدث القرضاوي؟!!

زيارة القدس هي ضربة للاحتلال والاستيطان،وإغاظة لنتنياهو وأقطاب الاحتلال الأخير في هذا الكون.. وربما سيغيظ أولئك الذين يفصّلونفتاواهم على مقاس أولياء نعمتهم.. والأدلّة والبيّنات والمعلومات أكثر بكثير مما يعتقدالقرضاوي.أخيراً، لا بد من ترديد الحديث النبوي الذي روته ميمونة مولاة الرسول صلىالله عليه وسلم، التي قالت: قلت يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس، قال: أرض المحشروالمنشر ائتوه فصّلوا فيه، فإن الصلاة فيه كألف صلاة في غيره.. قلت: أرأيت إن لم أستطعأن أتحمل إليه؛ قال: فتهدي له زيتاً يُسرج فيه؛ فمن فعل كمَن أتاه'.

لو ذهبت ميمونة من لحظتها إلى المسجدالأقصى (الذي لم يكن تحت حكم المسلمين) هل كانت ستقَع في الحرام؟!! هي أسئلة كثيرة،واستخلاصات عديدة، أهمها؛ أنّ كل زيت العرب الذي يغلي تحت قدمي القرضاوي في صحارى الملذاتوالتبعية، لا يساوي ما قام به الصهيوني المليونير موسكوفيتش، الذي اشترى نصف القدس،وأقام مئات الوحدات الاستيطانية فوق منازل الفلسطينيين المهدَّمة في نصفها الآخر؟!.