أقلمن شهرين تفصلنا عن الموعد الذي حدده اتفاق القاهرة كموعد أقصى لإجراء الانتخاباتالرئاسية والعامة معا، لتكون فاصلا بين الانقسام وإعادة الوحدة واللحمة الداخلية،وكل المؤشرات توحي بأنه لم تعد هناك أية فرصة لإجرائها في موعدها، بل وربما لنيعود الحديث عن تأجيل ما لاستكمال الترتيبات الفنية، ولكن لم يعد هناك حديث حولإجرائها أصلا ولا في أي وقت!

بعدتوقيع إعلان الدوحة قبل نحو شهر من الآن، تجدد الأمل بوضع حد للانقسام بعد "تجاوز " عقبة تشكيل الحكومة، لكن سرعان ما تبدد هذا الأمل، حين بدأت أصواتالمعارضين للخطوة في "حماس" تعلو، وصولا إلى لقاء القاهرة، حيث طلب خالدمشعل شخصيا وبوضوح من أبو مازن أن يؤجل البحث في التشكيل الحكومي، ما بث مشاعرالإحباط في كل القوى والفصائل التي شاركت في اللقاء، وبالتالي في صفوف كلالفلسطينيين، خاصة القاطنين في الوطن.

فيسياق تعزيز حالة "الممانعة الداخلية " في حركة حماس لجهود إنهاءالانقسام، سيقت تبريرات عديدة من قبل بعض قادة الحركة الذين أعلنوا وكشفوا عنمعارضتهم تجاوز عقبة تشكيل الحكومة من قبل الرئيس أبو مازن شخصيا، فقالوا إنالخطوة غير دستورية وأنها تتعارض مع القانون الأساسي للسلطة، وكأن كل ما يقومون بهويفعلونه متوافق مع هذا القانون، ليس بدءا من الانقلاب على السلطة والقانون العام،وليس انتهاء بدعم سلطة أمر واقع، لا سند قانونيا ولا تشريعيا لها، إلا القوةالعسكرية، ثم قالوا عن شروط لتشكيل الحكومة منها ما هو تعجيزي الهدف منه واضح وهووضع العراقيل أمام تنفيذ الإعلان، وإبقاءه حبرا على ورق، ثم المطالبة بضماناتلإجراء الانتخابات، وضمان احترام نتائجها، وما إلى ذلك.

تستمرإذاً حركة حماس، التي ربما سعت منذ البداية إلى السير على طريق المصالحة ولكن معبقاء الانقسام وليس على طريق إنهائه، أو وضع حد له، ويمكن القول في هذا السياق أنالحركة نجحت في جر خصمها السياسي إلى تكتيكها، وبدلا من وضع حد للانقسام كما كانتتطالب حركة فتح ورئيسها، أولا، سارت الأمور باتجاه " التعايش " معالانقسام، ومع حركة حماس وهي ما زالت تسيطر على غزة بالقوة وكنتيجة للانقلاببالقوة العسكرية على السلطة، وما زالت اللقاءات تجري طوال أكثر من ثلاث سنواتمتواصلة دون أي إنجاز يتطلع إليه الشعب الفلسطيني، ما شجع دعاة الانقسام، في غزةإلى التمترس في خندقه إلى ما شاء الله وعدم التراجع، خاصة مع التقدم على طريقتحقيق المكاسب المالية منه، ومع تشكل " طبقة " باتت تدافع عن الانقساموعن امتيازاتها، ومن ثم عاد " الأمل يتجدد ويداعب مخيلة " سلطة غزة" من إمكانية أن يتم الاعتراف الإقليمي بها، كسلطة مستقلة، وربما كسلطةفلسطينية وحيدة أو على الأقل شريكا، وفي أسوأ الأحوال، مانعا وكابحا لسلطة الرئيسعباس، على المستويين الداخلي والخارجي، تجبره على " الإذعان " لطموحات"حماس" التي لا تنتهي.

وفيتقدير "مجموعة الممانعة " الداخلية لإنهاء الانقسام، أن الربيع العربيجاء ليعزز من هذا الخيار، بحيث بات الاعتراف بكيان غزة، بدعوى كسر الحصار، علىمرمى صندوق انتخابي تم تجاوزه بفوز إخوان مصر، بالانتخابات العامة المصرية، لذافإنهم يجربون الآن "استكشاف" ما يمكن أن يكون فوز الإخوان في الانتخاباتالمصرية، قد أحدثه من تغيير تجاه الملف الفلسطيني، والحالة السياسية في غزة، منخلال ابتداع أزمة الوقود، التي أدت إلى انقطاع التيار الكهربائي، بحيث وضعا الجانبالمصري أمام خيارين : إما عقد اتفاق رسمي مع سلطة غزة، وهذا له أبعاد سياسية تتشوقلها "حماس" / غزة منذ 5 سنوات، أو الإبقاء على حالة التهريب الحاليةقائمة.

بمعنىآخر أن "حماس" تتبع سياسة النفس الطويل، وهي ليست في عجلة من أمرهالتغيير ما هو قائم، وهي كل مرة تجرب أن تتقدم خطوة إلى الأمام في إستراتيجيتهاللسيطرة التامة على الحالة الفلسطينية برمتها، وهي أبعد ما تكون عن ثقافة الشراكةبحكم تكوينها وتركيبتها غير الديمقراطية والتي لم تجرب يوما التحالف السياسي معأحد، ومحاولاتها التي تهدف إلى " تحرير غزة " حتى من السلطة المعنويةللرئيس عباس، متكررة، منذ محاولة فتح معبر رفح بالقوة، منتصف عام 2007 مرورابمحاولة توظيف الحرب الإسرائيلية على غزة نهاية 2008 / أول 2009، وليس انتهاءبالمراهنة على الدعم التركي لما يسمى بكسر الحصار، دون الاهتمام بولوج الممرالإجباري لكسر الحصار وهو إنهاء الانقسام وإعادة الوحدة واللحمة الداخلية، حيثتقدم "حماس" قطاع غزة منذ أن انفردت بالسيطرة عليه منتصف عام 2007، علىانه " كيان فلسطيني " مستقل، بل وأحيانا على انه هو عنوان الفلسطينيين،المقاوم والذي يقف في وجه المؤامرات، عنوان العزة والصمود وما إلى ذلك، وحين تطالب"حماس" العالم بالتضامن مع الشعب الفلسطيني فان جملتها الأساسية هي كسرالحصار والأعمار وهي مفردات مقتصرة على غزة، وحين تتحدث عن الضفة والقدس يكونحديثها يشبه حديث الأشقاء العرب أو الأشقاء المسلمين !

مايهمنا قوله بالخصوص أن أسوأ تبرير للتلكؤ في تنفيذ إعلان الدوحة، والإقلاع بتشكيلحكومة توافق برئاسة رئيس السلطة شخصيا _ ما يذكر بمستدركات مكة _ هو ضرورة وجودضمانات بأجراء الانتخابات، ليس لأن ذلك يعني رهن الحالة الداخلية بالإرادةالإسرائيلية وحسب، ولكن لأن ذلك يكشف عن عقلية لا تقيم وزنا لكون الانتخابات أصلاهي حق شعبي، للمواطنين الفلسطينيين كافة، وهي استحقاق ديمقراطي، بعد أن انتهىالتفويض الذي منحه الناخب للنواب، وهو كأي تفويض تشريعي مشروط بمدته وهي أربعسنوات انتهت يوم الخامس والعشرين من كانون ثاني / يناير 2010، أي منذ نحو خمسة عشرشهرا مضت، وهذا يؤكد أن الديمقراطية والحقوق العامة والخاصة للمواطنين هم الضحيةالأولى والأساسية للخلاف بين "فتح" و"حماس"، والدفاع عن هذهالحقوق هو شأن عام وليس مرهونا بخلاف أو اتفاق الحركتين، وهذا يفتح على ضرورةالبحث في كل خيارات أطلاق العملية الديمقراطية، باعتماد التمثيل النسبي الكامل،وعدم اشتراط إجرائها في كل مناطق الوطن في نفس الوقت، فإجراء انتخابات في حدود" ولاية الدولة " الضفة وغزة والقدس لم يسقط الهوية الفلسطينية ولا الحقفي الجنسية الفلسطينية عن فلسطينيي الخارج والشتات، ونحن نظن انه من باب أولى وليسهناك ما يمنع إلا وجود قوة عسكرية غير ديمقراطية تسيطر على غزة، من إجراء كلالانتخابات الممكنة في غزة إن كان على مستوى البلديات أو النقابات أو لأعضاءالمجلس الوطني وحتى إجراء انتخابات التشريعي في غزة، كون غزة حرة ومحررة، أليستغزة محررة من الاحتلال الإسرائيلي ولا تخضع لإرادته ولا للاشتراطات الغربية وماإلى ذلك، نريد دليلا على أن غزة حرة ومحررة، وان من يحكمها هم أهلها ومواطنوها،وان الإخوان المسلمين لا يجرون الانتخابات إلا لمرة واحدة هي تلك التي تصل بهمللحكم، ثم يغلقون الباب أمام انتخابات قد تدفع بهم إلى الوراء أو تسقطهم عن الحكم،أي نريد دليلا فعليا على ديمقراطيتهم !.