لميرتبط اسم اي قيادي فلسطيني على مر العقود الماضية بمدينة القدس مثلما ارتبط إسمالشهيد فيصل الحسيني بها، وقبله والده الشهيد عبد القادر الحسيني الذي أستشهد وهويقود معركة القسطل دفاعاً عنها.

منذإحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة العام 1967 وحكومات الإحتلال المختلفة تخصصموازنات هائلة وتضع الخطط وتسخر الطاقات والامكانيات بهدف تهويد القدس والقضاءبشكل نهائي على روح المدينة وتراثها وتاريخها العربي والاسلامي والمسيحيوالفلسطيني والانساني. وما صرفته حكومات إسرائيل على مشاريع تهويد القدس يوازي ويفوقموازنات عدد من دول المنطقة مجتمعة، فتم حصار القدس من كل الجهات بسلسلة منالمستوطنات الكبيرة وإسكان مئات آلاف المستوطنين فيها يرافق ذلك سياسة التضييق علىأهلها وبناء جدار الفصل العنصري لعزلها، وما خصصته بلدية القدس التابعة للإحتلالكموازنة للعام 2012 لإستكمال تهويد المدينة وحصارها وفصلها يعادل موازنة السلطةالفلسطينية بأكملها. هذا عدا عن موازنة الحكومة والوزارات المختلفة والمؤسساتوالشخصيات اليهودية والصهيونية في الولايات المتحدة وغيرها.

إناسرائيل تحاول عبر الإجراءات السريعة الجارية في القدس إغلاق ملف المدينة علىالأرض قبل إغلاقه على طاولة المفاوضات، وهي لم تترك وسيلة أو أسلوباً أو إجراءً أوقانوناً أو أمراً إلاّ واستخدمته في سبيل تهجير الفلسطينيين قسريا منها وتضييقالخناق على أهلها وتدمير القطاع الاقتصادي والسياحي والتجاري والقطاع الصحيوالتعليمي والمؤسساتي بشكل ممنهج إضافة إلى فرض الضرائب وهدم البيوت الفلسطينيةوالإستيلاء عليها وعلى المقدسات الاسلامية والمسيحية، وكل ذلك وفق نسق عدواني يهدفإلى دفع المقدسيين والشعب الفلسطيني للتسليم بمخططات الإحتلال لتهويد المدينةوجعلها جزءاً من الكيان الاسرائيلي.

وأياًكان المشهد الذي يزداد شراسة في السنوات الأخيرة فإن السؤال الذي يتبادر للذهن هوما إذا كانت هناك إرادة سياسية فلسطينية لمواجهة هذا المخطط والعمل على إنقاذالقدس وعدم الإكتفاء بالخطب والشعارات التي لم ولن تثمر شيئاً، وما يحدث يذكرناإلى أي حد يشكل غياب المناضل الكبير فيصل الحسيني فراغاً هائلاً في فضاء القدس وفيحياة أهل المدينة وصمودهم، فهذا الرجل كرس حياته في سبيلها وشكل رمزاً لها فيالعالم بأسره والأهم أنه شكّل قوة معنوية وعملية لصمود المقدسيين الذين أحبوه بقدرما أحبّ القدس، وكانت القدس بهمومها وهموم أهلها هي كل شيء في حياته يسندها شعورهالعالي بالمسؤولية والأمانة الوطنية والتاريخية والسياسية والدينية.

ولقدتحمّل هذا الرجل الكثير من المعاناة والعذاب والمضايقات حتى من ذوي القربى في سبيلالقدس وأهلها ما يخرج العقل عن صوابه بيد أنه آثر الصمت على الشكوى والألم حتى رحلشهيداً صادقاً وفيّاً.

والآنوبعد ما يزيد عن 11 عاماً على غياب الفيصل يتضح أن أحداً لا يستطيع ملء الفراغالذي تركه، ومن الواضح أن القدس تعاني بعد غيابه من إهمال وتقصير فلسطيني فقدغيّبت القدس عن الخطاب السياسي والاعلامي الرسمي، وحضورها على جدول الموازناتمحدود جداً ولا يكاد يذكر، كما تعاني القدس من غياب القيادة السياسية والمرجعيةالإدارية.

بعدإستشهاد أبو العبد وحتى الآن لم نشهد عقد إجتماع سياسي واحد مع قادة العالموالوزراء الذين يحضرون للمنطقة من كل مكان يخصص للقدس، وهذا امر في غاية الأهميةحيث أن القدس ظلت مركز القيادة الفلسطينية والمؤسسات الوطنية حتى قيام السلطةالفلسطينية، أما بعد قيامها فقد تعرضت القدس للتهميش الذي أسهمت فيه أطراف كثيرةمنها من يتباكى عليها هذه الأيام. وبطبيعة الحال لا يمكن إيجاد قائد بمكانة وأمانةوتفاني فيصل الحسيني في القدس لأسباب كثيرة لكن هذا لا يبرر إستمرار الفراغالسياسي والقيادي في المدينة، وهو الأمر الأهم، لذلك يتوجب إتخاذ قرار فلسطينيإستراتيجي بعدم استقبال أي شخصية سياسية أجنبية في رام الله قبل أن تعقد لقاءً معالقيادة السياسية في القدس التي يجب تسميتها، و يشكل ذلك خطوة أولى في استعادة دورالمدينة ومكانتها السياسية على الصعيد الفلسطيني، وهي كذلك خطوة لمواجهة العدوانالذي تتعرض له وتكريسها عاصمة حقيقية لدولة فلسطين، والخطوة الثانية هي بتأسيسصندوق القدس الوطني ويشرف عليه مجلس أمناء من شخصيات مؤتمنة من الخارج والداخل علىأن يشارك فيه كل فلسطيني في الوطن والشتات باشتراك سنوي إضافة بطبيعة الحال لتخصيصنسبة لا تقل عن 5% من موازنة السلطة لدعم القدس وأهلها على أن تصرف في إطار خطةإولويات لدعم صمود المواطن وتخضع لإشراف شفاف ونزيه.

إنالشعب الفلسطيني الذي قدّم وما زال قوافل الشهداء والجرحى والأسرى والذي أطلقانتفاضة الأقصى من أجل مدينة القدس ومقدساتها وأهلها لن يبخل لا بالتضحيات ولابالارواح ولا بالمال ولا بالجهد ولا بأي شيء آخر في سبيلها باعتبارها درة الأمةوتاج رأسها وروح فلسطين وشعبها، ولا يجوز أن يدخر الفلسطينيون جهداً من اجل تأمينالدعم العربي والاسلامي والدولي للقدس فهي مسؤولية فلسطينية أولاً وعربية واسلاميةثانياً.

والأمليحذونا أن تشكل القدس أولوية بعد ثورات الربيع العربي في سبيل الحرية والديمقراطيةوان يشكل هذا الربيع رافعة لإنقاذ القدس ودعمها ومقدمة لتحريرها الأمر الذي فشلفيه النظام العربي السابق.