تحقيق: امل خليفة

فتح ميديا/ لبنان

جدار الضم والتوسع

ويعتير جدار الضم العنصري من الاساليب الاسرائيلية لعملية الترانسفير ولاقتطاع المساحات الواسعة من الاراضي الفلسطينية، حيث كان سببا بتهجير العديد من العائلات من داخل مدينة القدس الى خارجها، وهذا امر ينطبق على مدن مثل قلنديا وكفر عقب والرام وبير نبالا وابو ديس والعيزرية والعديد من المدن المحاذية لمدينة القدس والتي يحمل ابنائها الهوية المقدسية  واللذين يقدر عددهم بأكثر من 25000 مواطن مقدسي،  لتصبح ابرز الأخطار المترتبة على سحب الهويات المقدسية متمثلاً في فقدان الأفراد لحقوقهم الأساسية, إذ يمنع الفرد من التنقل عبر الحواجز, ولا يتلقى الخدمات اللازمة مثل التأمين الصحي وتسجيل الأولاد وغيره, لكنّ الهدف الأخطر هو تفريغ المدينة وتحويلها لثكنة صهيونية المسلمون فيها أقلية ، وبحيث يضطر هؤلاء لمغادرة المدينة بسبب وجود الجزء الاكبر من العائلة خارج الجدار، اسامة الرفاعي مواطن يحمل الهوية المقدسية منذ ولادته ويحملها  ابوه وجده يسكن بلدة عناتا المحاذية للجدار العنصري شرق القدس يقول " ضطررت الى مغادرة المدينة والانتقال خلف الجدار بسبب فصلي عن عائلتي، فقد قامت قوات الاحتلال بوضع الجدار بين المنازل ليصبح نصف العائلة داخله والنصف الآخر خارجه وقد تم سحب الهويات المقدسية من العائلة كلها، وتم حرماننا من التأمين الصحي وكافة الامتيازات التي يجب منحها لنا كأبناء قدس، وفي المقابل لم يترتب علينا ضرائب والا ودفعناها اول بأول لكنهم لا يريدوننا نحن بالذات داخل القدس، يريدونها لليهود فقط، وعند مراجعتنا لوزارة الداخلية في القدس لم نجد اية اثباتات لنا فقد محيت جميعها عن النظام، لذلك رفعنا قضية لدى المحكمة الاسرائيلية لأعادة الهوية المقدسية لنا ولحفظ حقوقنا واملاكنا وهذا منذ اكثر من خمس سنوات، وعندما نراجع يؤكدون لنا ان الجلسات لم تقر بعد".

لقد وضع الاسرائيليون العراقيل امام بناء المنازل في المدينة المقدسة واهمها رفع رسوم الترخيص ضمانة منهم بعم قدرة المواطن الفلسطيني على توفير هذه المبالغ الطائلة لترخيص بناء منزله مما يضطره الى البناء خارج الجدار وفي القرى القريبة من القدس، لصبحوا مهددين بمصادرة هوياتهم كونهم يعيشون خارج القدس .

الخطر الديمغرافي

وفي ظل الارتفاع الواضح في عدد السكان الفلسطينيين داخل القدس  حيث تشير النسب الاحصائية ان عددهم في العام 2020 سوف يصل الى اكثر من 380 الف نسمة ما نسبته 40 % من مجموع عدد السكان في القدس الشرقية والغربية ، هذه التوقعات حدت بالاسرائيليين لوضع خريطة تتناول التوسع الاستيطاني والمرافق اليهودية المزمع إقامتها حتى العام 2020 والتي اغلبها ستقام على الأراضي الخضراء التي منع المقدسيين من استعمالها لإقامة مخططات بناء لديهم أو أية مشاريع تطويرية. وبالمقابل فان الخريطة تجاهلت أي ذكر للفلسطينيين.

ابو تحسين مواطن يحمل الهوية المقدسية تزوج من فتاة تسكن الضفة الغربية  في رام الله وتحمل الهوية الفلسطينية تقدم بطلب لم شمل عائلته منذ العام 1988 كي تتمكن من التنقل والسكن في مدينة القدس ومنذ ذلك الوقت والحكومة الاسرائيلية تؤجل بطلبه تحت حجج واهية، يقول ابو تحسين  "تقدمت بطلب لم الشمل الى وزارة الداخلية الاسرائيلية كي تتمكن زوجتي وابنائي العيش تحت سقف واحد، ومنذ العام 1988 والوزارة تماطل بنا وكل مرة تحت حجة مختلفة ، مرة بسبب نقص الاوراق ومرة اخرى غياب الموظف المسؤول وهكذا، واخيرا وبعد جهد كبير تم منح زوجتي اقامة مشروطة، وتجدد كل ست شهور بعد اثبات مكان الاقامة وخلوها من المخالفات بشتى انواعها".

وعن وضع الابناء القانوني داخل القدس قال ابو تحسين "يتلقى ابنائي كافة الحقوق المقدسية الا اننا نشعر وكأننا على فوهة بركان يمكت ان يتم طردنا بأية لحظة من القدس لأي حجة كانت" ويؤكد ابو تحسين "إن ما يجرى من فحص هو فحص من المخابرات الاسرائيلية العامة  وليس من وزارة الداخلية او الشؤون المدنية ، وحيث ان هناك قانون يطبق على حملة الهوية المقدسية اننا وفي حالة السفر او الغياب لا بد من المراجعة بين فترة واخرى لأثبات مكان الاقامة والا تسحب هوياتنا".

وفي سياق الحديث اخبرنا ابو تحسين عن تجربة اخيه الذي سحبت منه الهوية المقدسية وابناؤه الخمسة اضافة الى زوجته بحجة انهم خطر على دولة اسرائيل حسب تعبيره "لقد طرد اخي وزوجته وابنائه الخمسة من القدس وهدم منزلهم بحجة البناء غير المرخص، ولأنه اسير سابق قررت دولة اسرائيل انه خطر على امنها ومنعته من دخول القدس وسحبت هويته، ومنذ اكثر من ثلاث سنوات وهو متقدم بدعوى لاسترجاع هويته وعائلته ودون جدوى، واخيرا اخبروه ان ملفه اغلق بسبب عدم المتابعة، رغم انه على تواصل دائم ونحن ايضا للحصول على هويته من جديد.

وبالتدقيق أكثر من خلال الحالات في القدس نجد أن سحب الهويات المقدسية لم يكن بسبب التقصير الشخصي للمواطنين, بل جاء على خلفية ملفات أمنية سياسية وعسكرية, وكل شخص له معاملة لم شمل أو إثبات إقامة وتم التحقق من ملفه وملف عائلته ووُجِد أن في العائلة استشهادي واحد أو أسير مقاومة أو عسكري أو حتى أسير بملف إداري أو تنظيمي, يُرفَض أمنياً وتوقف حقوقه.

وعلى الرغم من التضييق الذي تمارسه سلطات الاحتلال بإيقاف معاملات لمّ الشمل إلا أن معركة المقدسيين والمقدسيات مستمرة للحصول على لم شمل لأزواجهن و جمع عائلاتهن, حيث لا تزال أكثر من 35 ألف مقدسية ومقدسي متزوجون من فلسطيني الضفة وممن لا يحملون بطاقة مقدسية, ينتظرون إجراءات لم الشمل لأزواجهم دون الاهتمام بقرارات سحب الهويات والإقامات.

 

أحمد الرويضي"مستشار ديوان الرئاسة مختص في شؤون القدس" يقول معلقا على الاوضاع داخل القدس الشرقية "بعد احتلال إسرائيل للقدس الشرقية وضمها في العام 1967 طبقّت القوانين الإسرائيلية على سكان القدس واعتبرت الفلسطينيين في مدينة القدس مقيمين وليسوا مواطنين وبالتالي طبّقت عليهم القانون الإسرائيلي للعام 1952.  وتطبيق هذا القانون كان قرار سياسي بامتياز والهدف منه هو اعتبار أهل القدس مجموعة من الأشخاص الذين يجب إبعادهم عن المدينة بطريقة أطلقنا عليها وقتها الإبعاد والتهجير الصامت وأن لا يكون بشكل جماعي حتى لا يلفت انتباه الرأي العام الدولي لسياسة إسرائيل التعسفية، من هذه الزاوية بدأت أول عملية إحصاء لأبناء المدينة في العام 1967 من قبل الاحتلال وعلى أثر هذه العملية حرم آلاف المقدسيين من العودة إلى المدينة حيث أصبح البعض منهم مقيم خارج مدينة القدس بالمفهوم الإسرائيلي أو البعض منهم مقيم خارج فلسطين ومنعت إسرائيل أبناء المدينة الذين كانوا خارجها إما بسبب الحرب أو الدراسة في الخارج أو بسبب العمل منعتهم من العودة لها و هذه كانت أول عملية إبعاد جماعي للفلسطينيين، والعملية التالية كانت بعد ذلك مباشرة بتسهيل هجرة المقدسيين إلى خارج فلسطين حيث كانت هناك حافلات في منطقة المصرارة لتحميل الناس وتشجيعهم لترك مدينة القدس وذلك بعد حرب الـ 67 مباشرة. "

ويقول "كانت المفاجئة بالنمو الديموغرافي الفلسطيني الذي زاد والذي دفع إسرائيل إلى تغيير التعليمات والقوانين التي تحقق سياستها بتقليص الوجود الفلسطيني في القدس والمرحلة الأخرى من مسلسل التهجير عن مدينة القدس بدأت بعد اتفاقية أوسلو في العام 1993 حيث زادت نسبة الاستيطان في المدينة وبدأ تكثيف الوجود الاستيطاني في القدس وبناء آلاف الوحدات الاستيطانية في المدينة واستقطاب المستوطنين للسكن في القدس الشرقية وبنفس الوقت صارت بلدية القدس تطبق مفهوم "مركز الحياة" كأساس للحصول على حق الإقامة في القدس بمعنى أن الشخص الذي مركز حياته خارج حدود بلدية القدس الغربية يسقط منه حق الإقامة في المدينة ومنعت في نفس الوقت البناء في المدينة للفلسطينيين للتضييق عليهم وأصبح من الصعب إن لم يكن من المستحيل الحصول على مسكن في القدس مما اضطر البعض للبناء و السكن خارج المدينة وخصوصا في الشمال من القدس ووصل عددهم إلى مائة ألف مقدسي تحت بند مركز الحياة خارج مدينة القدس ومهددين بالإبعاد وكذلك بدأت إسرائيل بسياسة هدم المنازل العربية في القدس مما زاد من التضييق على المقدسيين، وكانت إسرائيل دائما تتجنب لفت الانتباه الدولي لسياستها ولقوانينها في القدس ضد أبناء المدينة من تطهير عرقي وتهجير قسري، فكل مقدسي مركز حياته خارج المدينة أو لا يستطيع إثبات وجوده في حدود المدينة لوزارة الداخلية الإسرائيلية يفقد حق الإقامة في المدينة وحسب الإحصائيات الرسمية هناك 14 – 15 ألف مقدسي فقدوا حق الإقامة في المدينة في السنوات القليلة الماضية وخلال السنة الماضية(2011) فقد ألف مقدسي حق الإقامة في المدينة وسحبت هوياتهم نتيجة هذه الإجراءات ومنعوا من العودة إلى مدينة القدس، هذا بالإضافة إلى وجود برنامج إسرائيلي يهدف إلى تقليل الوجود الفلسطيني في القدس بشقيها الشرقي والغربي وعلى أن لا يتجاوز الـ 15% إلا أن الإحصاءات الرسمية لدينا تشير إلى وجود 37% من الفلسطينيين في القدس وهذا يعني أن السلطات الإسرائيلية ستعمل على أن تزيل  20% من هذه النسبة إما بسياسة هدم المنازل أو بالإبعاد أو إغلاق المؤسسات أو بسحب الهوية وإلغاء الإقامة ومنع العودة للمدينة وهذه السياسة ازدادت في الفترة الأخيرة، وهناك توجه وتعليمات لتجديد بطاقة الهويات للمقدسيين الفلسطينيين وتحويلها إلى بطاقات ممغنطة بدل من الهوية الحالية وإذا طبق هذا البرنامج يعني أن على كل مقدسي أن يثبت أن يعيش في القدس وبشكل دوري وبالتالي نتوقع أن يفقد آلاف المقدسيين حق الإقامة في المدينة وهذا يثير الرأي العام في المدينة وسبب التوتر للمقدسيين، وهناك قضية أخرى وحلقة تضاف إلى مسلسل الإبعاد عن القدس ألا وهو الإبعاد الأمني الذي تم بحق نواب المجلس التشريعي عن القدس وكذلك الأسرى المحررين الذين تم إبعادهم إلى قطاع غزة و إلى خارج الوطن بسبب الحجج الأمنية وتم إلغاء إقامتهم وسحب هوياتهم" .

وعن دور السلطة الوطنية  يقول الرويضي " دور السلطة الفلسطينية والمؤسسات الحقوقية:  في السابق كان هناك متابعة لهذا الموضوع في عدة مستويات وأتذكر هنا مخيم الصمود الذي أقامه الشهيد فيصل الحسيني للمقدسيين المهددين بالإبعاد بسبب بند "مركز الحياة " وحتى اللحظة ما زال هؤلاء المقدسيين معتصمين في بناية للمتحف الإسلامي في القدس وقبل يومين تعرضوا لاعتداء وهذا يؤكد على أن إسرائيل مصرة على إبعاد المقدسيين بأي طريقة كانت، والمؤسسات الحقوقية تتابع هذا الموضوع وبالتعاون مع بعض المؤسسات الدولية لحقوق الإنسان وعلى أساس أن إسرائيل تنفذ سياسة تطهير عرقي في مدينة القدس ضد الفلسطينيين وهذا الموضوع سياسي بالنسبة لإسرائيل والتي تعمل ضمن برنامج محدد ومخطط له بحيث تعمل على بناء 50-60 ألف وحدة استيطانية في القدس بحلول العام 2030 أقاموا منها حتى اللحظة 20 ألف ومتوقع خلال العامين 2012 و 2013 بناء حوالي 20 ألف وحدة استيطانية وفي نفس الوقت استمرار طرد المقدسيين واستقطاب المستوطنين بدل منهم لتحقيق الأكثرية في المدينة تحسبا لأي تقسيم أو تعداد ممكن أن يجري في السنوات القادمة في مدينة القدس ولضمان تحقيق الأغلبية اليهودية في المدينة، نحن كمؤسسات حقوقية نتلقى الاتصالات والشكاوي من المواطنين في المدينة ونحاول تقديم النصح والإرشاد للمقدسيين والمساعدة والاستشارة القانونية لوقف هذا النزيف والمسلسل المستمر في إبعاد أهل القدس عن مدينتهم، أما على الصعيد السياسي فالرئيس أبو مازن يطرح هذا الموضوع باستمرار سواء من خلال تجميد الاستيطان الذي يشمل القدس ووقف كل السياسات الإسرائيلية من تهويد للقدس وتهجير لأهلها وكذلك هناك عمل على المستوى الشعبي والقانوني وعلى المستوى الإعلامي نحن نحاول أن نفضح السياسات الإسرائيلية وأن نفهم العالم بخطورة هذه الإجراءات، حيث تسعى إسرائيل إلى إضفاء الطابع القانوني على هذه المسألة وأن الموضوع هو مخالفات قانونية لبعض الأشخاص يتم التعامل معهم حسب اللوائح والإجراءات القانونية ولكن نحن نوّضح الأمر ونكشفه للرأي العام الدولي ونبّين بأن الموضوع هو سياسي بامتياز الهدف منه إنهاء الوجود الفلسطيني في القدس تدريجيا.  

وتجدر الاشارة ان السلطات الاسرائيلية ومنذ اللحظة الاولى لاحتلالها القدس اتبعت سياسة ممنهجة لتفريغ المدينة من سكانها الاصليين ، متبعة في ذلك اشكالا عدة ابرزها اصدار قانون ضم القدس، وترسيم الحدود مع القرى المجاورة ومصادرة الاراضي وبناء المستوطنات عليها ، هذا الى جانب هدم المنازل وبناء الدار ومصادرة الاراضي وعدم السماح للفلسطيني بالبناء المرخص داخل القدس لهدف الترحيل.

           

اهالي القدس في المواجهة

 وسيبقى تواجد المقدسيين في مدينتهم هاجساً دائماً لإسرائيل إلى درجة أن هذا التواجد يمثل "القنبلة الديمغرافية" التي قد تؤدي إلى الانفجار في أي لحظة . وبين التهجير الهادئ وتكاثر العرب وتحديهم لإجراءات الاحتلال ستبقى المواجهة محتدمة بين محتلٍ يريد الاستحواذ على كل شي وبين مضطهدٍ يصارع البقاء في أرض آبائه وأجداده.