يوم الخميس الماضي، تسمرت لساعات طويلة أمام شاشة تلفزيون فلسطين، وأنا اتابع تفاصيل ذلك المشهد الإجرامي الذي ارتكبته حكومة نتنياهو في مدينة بيرزيت شمال رام الله، حين قام الجيش الإسرائيلي بفرض حصار كامل على البلدة من الجهات الأربع، ثم اندفعت قوات الاحتلال لاقتحام بيت تسكن فيه عائلة وشحة يتواجد فيه أحد أبناء هذه العائلة المناضلة، وهو الشاب معتز، بدعوى أنه مطلوب، ثم انهالت القذائف على البيت، وتقدمت الجرافات لتهدم البيت الذي تحتشد فيه العائلة برجالها ونسائها وأطفالها، وانتهى المشهد الذي بدأ منذ الرابعة فجراً وحتى منتصف النهار بقتل الشاب معتز وشحة.
كل هذه العربدة من قبل الجيش الإسرائيلي لاستهداف مطلوب واحد، ثم ينتهي المشهد المعربد ليس باعتقاله بل بقتله بدماء باردة وقرار مسبق متعمد، فإلى أين تصل الأمور، وكيف يمكن فكفكة هذا المأزق المتفجر الذي صنعه نتنياهو إذا بقي نفس الرجال على رأس نفس هذه الحكومة التي تعيد إسرائيل مجدداً إلى مرحلة العصابات وليس إلى مرحلة الدولة التي يمكن أن يعقد معها اتفاقات؟
المأزق الذي صنعه نتنياهو منذ شكل هذه الحكومة الحالية بتعمد لكي يختبئ وراءها، ويتظاهر بالضجر والشلل أمامها، بحيث لا يتقدم ولو خطوة واحدة لإنجاح المفاوضات، هذا المأزق تتجلى شواهده على الجانب الفلسطيني من خلال عربدة الاستيطان، وجنون التهديد في القدس حيث وزراء الحكومة وجيش الحكومة هم الذين يشجعون قطعان المتطرفين المهووسين، وحيث كل شبر من الأرض الفلسطينية مستباح، وكل طفل فلسطيني مستهدف، وكل معتقل فلسطيني عرضة للموت لأسباب كثيرة، وكل المقدسات الفلسطينية تحت بند العدوان من أصغر مسجد في قرية إلى المسجد الأقصى نفسه.
وبما أن هذا المأزق الإسرائيلي لا يجري أي محاولات من أي نوع للسيطرة عليه، فقد وصلت تجلياته إلى الأردن، ورأينا موقف البرلمان الأردني الذي يعبر عن عدم القدرة على الاحتمال، ثم أنتج المأزق الإسرائيلي نفسه في لبنان عبر الغارة الإسرائيلية الأخيرة، ويصل إلى أبعد من ذلك، فهل يستطيع نتنياهو أن يستمر على هذا النحو، يقرأ من نصوص معلقة، يتجاهل الجميع، يستهين بالجميع، يستفز الجميع؟ وإذا كان هناك احتمال قوي للفشل أمام أمام كيري، وأمام الجهد الأميركي، فمن يتحمل مسؤولية هذا الفشل؟ وهل نتنياهو قوي إلى هذه الدرجة بحيث يسمح له المجتمع الدولي بأن يتجاهل كل قراراته، وكل مقارباته، وكل التضحيات والتنازلات التي قدمها الشعب الفلسطيني، بحيث نعود إلى نقطة الصفر من جديد؟
الخلل الأكبر في هذا السجال كله، أن الحلقة الوسيطة، متمثلة بالموقف العربي، هي حلقة غائبة نهائياً، بل هي مبالغة في الغياب، فهناك مشروع السلام العربي وهو أكبر تنازل تاريخي، ولكن أصحابه لا يدافعون عنه ولا بالحد الأدنى! وهناك قوة الصمود الكبرى للشعب الفلسطيني وخاصة في القدس، ولكنها لا تدعم عربياً وإسلامياً بما يستحق الذكر، وهناك النجاحات الفلسطينية مع المجتمع الدولي، ولكن المنظومة العربية لا تغذيها بأي جهد ممكن، وكأن العبء كله يقع على عاتق الفلسطينيين، في ذروة المعركة وحدهم، ولذلك فإن المطلوب منهم أكثر من العادي مليون مرة، مطلوب منهم أن يحسبوا الحسابات بدقة متناهية، فليس عندهم أي فائض يمكن أن يضيعوه الآن.