يقول د. مصطفى الفقي في لقاء تلفزيوني مصري ماذا تهرف عن مخطط موشيه شريت وبنغريون، ومخطط برنارد لويس هذا المخطط الذي اعتمده الكونغرس الأميركي سنة 1983 كمخطط استراتيجي مستقبلي ومطلوب من الحكومات الأميركية المتعاقبة تنفيذه بغض النظر عن الحاجة إلى ذلك. السودان تنقسم إلى ثلاث دول، العراق تتقسم إلى ثلاث دول، مصر تتقسم إلى ثلاث دول، سوريا تتقسم إلى ثلاث دول أيضًا. وتبدء القصة عندما تحدث الاثنان موشيه شاريت وبنغريون سنة 1953 حول الوضع السياسي، إذ يقول موشيه شاريت أن الإسرائيليون قطرة في محيط من الكراهية، وأن قنابلنا النووية تحمل في ذاتها موانع استخدامها، لأنها إذا استخدمت في ضرب عاصمة عربية فغبارها الذري يعود إلى إسرائيل، فقال له بنغريون طيب نعمل إيه، فقال شاريت حينها تدمير ثلاث دول كبرى حولنا، العراق، سوريا، مصر، فقال له بنغريون وكيف ذلك، فقال: نزاعات دينية طائفية. وقال شاريت: إن نجاحنا لا يعتمد على ذكائنا بقدر ما يعتمد على غباء الطرف الآخر.
تلك القصة تضع النقاط على الحروف فيما يحدث في الوطن العربي من نزاعات طائفية، ودينية، أدت إلى تحقيق أهداف المفكرين الإسرائيليين الذين يعملون على تقسيم العالم العربي، وقد تحقق تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات كردية وسنية وشيعية. والآن سوريا حيث تشير الأحداث إلى تقسيم سوريا إلى ثلاث دول سنية، وعلوية شيعية، وأخرى كردية، في إطار تدخل أميركي إسرائيلي تركي. ولا ننسى ما يحدث في السودان من نزاعات أثنية وقومية أدت إلى إنسلاخ جنوب السودان ودارفور في طريقها إلى الانفصال أمام سيل من دماء السودانيين، والذي يغذي هذا الانقسام هي إسرائيل وحلفاؤها. والعمل جار في غزة بدفع الفلسطينيين إلى سيناء، وإبقاء غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي. يأتي هذا في إطار المخطط الاستعماري لتقسيم مصر أيضًا وهو مخطط يعلمه المصريين تمامًا واستطاعوا حتى هذه اللحظة الإفلات منه، بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر.
برنارد ليفي الكاتب الفرنسي اليهودي عرف بانحيازه لدولة إسرائيل، وكان له اهتمام ودور ودعم ثورات ما يسمى بالربيع العربي، وكان قد زار ليبيا بعد سقوط حكم القذافي وأثناء زيارته إليها كان يرافقه الثوار الليبيون المسلحون ويهتفون الموت لأميركا ولليهود، ومن الواضح أن الذي يرافقهم لا يعرفون هويته ودينه. "وقد ناشد الدول الغربية دومًا من أجل التدخل عسكريًا في ليبيا تحت غطاء "التدخل الإنساني" لمساعدة الثوار في سعيهم للإطاحة بنظام القذافي. أنظروا اليوم الى ما آلت إليه ليبيا من تشرذم أودى بهوية الدولة لتصبح دويلات متناحرة.
ذكر ليفي في مقدمة فيلمه "قسَم طبرق" - الذي عُرض في مهرجان كان الفرنسي خلال مايو/أيار 2012- أنه كان موجودًا في ميدان التحرير أثناء الثورة المصرية على نظام حسني مبارك، ويترك انطباعًا لمشاهدي فيلمه بأن الثورات العربية ما كان لها أن تقوم لولا أنه شخصيًا كان خلفها مشجعًا ومخططًا وقائدًا.
وإذا نظرنا إلى المشهد الإقليمي للدول المحيطة في مصر، تجد أن هذه الدول أصبح يسودها النزاع الطائفي والأثني والمذهبي جميعها بما يهدد الأمن القومي المصري، مما يعاني أن المخاطر كبيرة تلك التي تهدد الأمن القومي المصري. اليوم مصر تستوعب ما يقرب عشرة ملايين لاجئ عربي من الدول التي تحيط فيها عدى عن مشكلة غزة وما تحمله من هموم ثقال سياسيًا وأمنيًا.
الحقيقة المرة التي لا تريد الشعوب العربية أن تستوعبها أن النزاعات الطائفية والدينية والمذهبية وغير ذلك لن يحقق لها إلا مزيدًا من التشرذم، والانحطاط القيمي والقومي والسياسي والاجتماعي، والسقوط في منحدر التلاشي والفناء، وكلها من صنيعة القوى الإقليمية الاستعمارية من أجل إبقاء العالم العربي غارقًا في قضاياه الداخلية. وهل أدل على ما قام به نتنياهو من تغذية الانقسام الفلسطيني في دعم حكم حماس في غزة قبل السابع من أكتوبر من أجل عدم قيام كيان فلسطيني واحد يؤدي إلى دولة فلسطينية.
ما دفعني أن أكتب هذا المقال ما أشاهده واسمعه من تأييد من هنا وهناك للإطاحة بنظام الأسد في سوريا، وما يسمى بثوار، ولقد تحركت قوات المعارضة السورية في اليوم التالي الذي تحدث فيه نتنياهو بأن "الأسد يلعب بالنار". على كلٍّ لقد تحقق لإسرائيل ما أرادت من تقسيم العراق، والعمل اليوم جار على تقسيم سوريا، والمخاطر تحدق في مصر، كما تم تقسيم السودان، والعمل جارٍ لتوسيع الانقسام فيها، وليبيا تم لهم ذلك، واليمن أيضًا تم لهم ما أرادوا، وفي النهاية الهدف هو إنهاء القضية الفلسطينية في عملية الضم الجارية الآن، كل ذلك والأمة العربية تشد إزرها تارة يمينًا وتارة يسارًا في صراع مذهبي وطائفي لا يغني ولا يسمن من جوع.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها