حلت ذكرى انقلاب حركة حماس على الشرعية الوطنية ال17 قبل يومين، وبعد مواصلة حرب الإبادة الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني من إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهم ل256 يومًا، ومع ذلك مازالت مشاريع الوحدة والمصالحة الوطنية تراوح في مكانها، رغم اجتماعات موسكو وبكين وما بينهما من لقاءات هنا وهناك، وما يفترض أن يليها من لقاءات وخاصة لقاء بكين، الذي يفترض أن يعقد خلال أيام، إلا أن اللقاء يواجه عقبات ونكوص نتاج عدم إصغاء قيادة حماس للجوانب الإيجابية التي حققتها نسبيًا اللقاءات السابقة، وادلاء العديد منهم بمواقف مدانة ومرفوضة جملة وتفصيلا، وتصب الزيت على نيران الانقلاب لديمومته. 
ومع ذلك، وقبل إعادة التأكيد على درس الحرب الأساس وأقصد الوحدة، يفترض الاستجابة لتلبية دعوة القيادة الصينية الصديقة للاجتماع القادم، وقطع الطريق على خيار قيادة حماس الانقلابية، والسعي لردم هوة التناقضات، ووضع الطرف المعطل امام مسؤولياته، وكشف خلفيته للأطراف الفلسطينية والأصدقاء في بكين على حد سواء، وحتى لا تتحمل حركة فتح وقوى منظمة التحرير المسؤولية أمام الشعب والصين على حد سواء. لا سيما وأن الشعب بأمس الحاجة لطي صفحة الانقلاب الأسود بعد 17 عامًا أدمى خلالها الشعب بكم كبير من الويلات والتعقيدات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والكفاحية، والتصدي بشكل مشترك تحت راية منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني للتحديات كافة.


وبات من نافل القول، أن شرط الوحدة الوطنية ضرورة للشعب وقواه السياسية جمعاء ردًا على حرب الإبادة الوحشية، التي طالت مقومات وركائز صمود الشعب الفلسطيني بكل قطاعاته ومؤسساته، ووضعت مستقبله ومستقبل المشروع الوطني على كف عفريت الحرب غير المسبوقة، التي ذهب ضحيتها ما يزيد عن 130 ألف شهيد وجريح ومفقود، ودمرت معالم الحياة كافة، مع استشراء حروب إسرائيل على الجبهات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والاستيطان الاستعماري المنفلت من عقاله بشكل همجي. 
ولا أعتقد أن هناك وطني فلسطيني حريص على مستقبل الشعب والقضية والمشروع الوطني والكيانية الفلسطينية التي تتعزز مكانتها يومًا تلو الآخر بالاعترافات المتتالية، حيث بلغ عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين حتى اليوم 148 دولة، وهناك آفاق لزيادة عدد الدول المعترفة بها لما يزيد عن 150 دولة في قادم الأيام، بعد إدراك العديد من الدول أن اعترافها بدولة فلسطين يساعد في تقريب نهاية الحرب البربرية النازية، ويحاصر دولة إسرائيل اللقيطة، ويضيق الخناق عليها، ويعمق من أزماتها، بالتزامن مع ملاحقتها في المحاكم الدولية: محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنائية الدولية، التي تشير بعض المصادر العليمة أن الأخيرة اقتربت من الموافقة على إصدار مذكرات اعتقال ضد نتنياهو وغالانت خلال الأيام ال10 القادمة، وبعد نشر التقرير الأممي (المفترض اليوم الثلاثاء 18 يونيو الحالي) الذي يضع إسرائيل في قائمة العار كقاتلة للأطفال والنساء اسوة ب"داعش" و"النصرة" و"باكو حرام"، ومع تعاظم الدعم والتأييد الدولي الرسمي والشعبي في الولايات المتحدة وأوروبا خاصة.


غير أن حركة حماس مازالت تراوح في مكانها الرافض لنداء العقل والمصلحة الفلسطينية في الاستجابة العاجلة للوحدة الوطنية تحت راية منظمة التحرير، وتواصل مع من يدور في فلكها، ومن يقف خلفها من قوى ودول معادية للمصالح الوطنية على التحريض والتخوين والتكفير للقيادة الفلسطينية وشخص سيادة الرئيس محمود عباس وخلق البدائل الفاشلة والميتة سلفًا، وتصر على التخندق في خنادق الانقلاب الأسود. 
رغم ذلك، مطلوب الاستعانة بالأشقاء عمومًا وخاصة الراعي الأساسي جمهورية مصر العربية والأصدقاء الروس والصينيين لمواصلة الضغط على قيادة حماس للتراجع عن خيار الامارة، والتقدم نحو بناء جسور الثقة ووضع الوحدة الوطنية على سكة منظمة التحرير. خاصة وأن القيادة مازالت تفتح أبوابها، وتمد يديها لحركتي حماس والجهاد الإسلامي للانضواء تحت راية المنظمة وفق برنامج الاجماع الوطني، ليكونوا شركاء ويعززوا أواصر الوحدة لحماية الشعب المنكوب بحرب الإبادة الجماعية، وتعزيز عوامل الصمود والخروج من نفقها المعتم لتتكامل الجهود على الصعد كافة في وأد الخراب والموت الجاثم على أعناق الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء عمومًا، وفتح الأفق لاستقلال دولة فلسطين المحتلة عام 1967، وعودة اللاجئين لديارهم التي طردوا منها عام 1948 و1967، وقطع الطريق على مشاريع التخريب والتمزيق والتفتيت والفتنة. 
ولتعلم حركة حماس جيدًا أن لا مستقبل لمشروعها الأنقلابي، وبقاءها في دائرة الفعل السياسي مرهون بالانضواء في إطار منظمة التحرير. لأنه عاجلاً أو آجلاً خيار إمارتها إلى زوال، ولن يبقى الشعب رهين تلك السياسات العبثية إلى ما شاء الله. فهل تدرك ذلك؟