عندما نقول كل عام وأنتم بخير، فهذا لا يعني التمني وحسب، بل تعبير عن مدى إدراك المسؤولية الفردية في تكريس قيم الخير والمحبة والسلام في المجتمع، فهذه العبارة  التي نحيي بها بعضنا في المناسبات الدينية والوطنية، تكاد تسقط في فخ التضخم، لأننا لم نحافظ على مكانتها الذهبية في نفوسنا وعقولنا وسلوكنا وأعمالنا، حتى ولو من باب التمني! ولنا أن نتخيل كيف سيكون حال أي شعب أو مجتمع لو طبق المعنى السالف ذكره فعلا، في ظل مناسبات نعيشها خلال العام الواحد، ميلاديًا كان أو هجري، حتى المناسبات الشخصية كأعياد الميلاد فإن تقنية وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، تذكرنا بها حتى لو لم تكن بيننا وبين الأصدقاء في هذا المجتمع الافتراضي صداقة بسماتها وخصائصها الطبيعية المعروفة.

فكل عام وأنتم وبخير في عيد الأضحى المبارك مثلاً تعني أنني أعمل معك ومعكم لإسقاط مصطلح (ذبح الإنسان) من قاموس أمة الإنسان، فروح ونفس ودم الإنسان في قيم وعقيدة وأخلاق أخيه الإنسان مقدسة، دون تمييز بالعرق واللون والجنس والعقيدة، لا يحق لأي كان تبرير خدش قدسيتها إلا وفق قوانين الحق النقية، التي لم تصيبها لعنة مستخدمي العقيدة السماوية والقوانين لغايات تبرير ظلمهم، وإدامة سلطانه تحت شعارات مخترعة! وتعني أني معك ومعكم لمنع سماسرة الدماء الانسانية، وآخذيها (كسلعة تجارية)  من إيقاد نار جحيم حروبهم الخاصة والفئوية، ولمنع هؤلاء من أخذ أطفالنا وشبابنا ونسائنا وكهولنا بلا رحمة، وحشدهم في صفوف ومجموعات تحت رايات ومسميات، لتسعير جهنم مصالحهم ومكاسبهم الخاصة!

كل عام وانتم بخير، تعني أني معك ومعكم  حتى نمنع استغلال الأغنياء للفقراء، واستغلال "الفئويين" لمشاعر وأحاسيس وعواطف الجماهير، وحتى نمنع الهاربين من الوطن من نصب الموائد، في فنادق العواصم الفخمة، والتلذذ بطعم شواء أكباد أطفالنا وقلوبهم المقطعة بآلات الحروب. فهؤلاء يشاهدون ما فعلته  أيادي الغزاة الهمجيين، وما سببته نفوسهم الدنيئة، لكنهم لا يكترثون  لفقير صمد وضحى، وبات بلا مأوى، أو لشهيد ترك وراءه عائلة تنعاه ألمًا وحزنًا والحاجة في زمن جفاف  فروع شجرة مكارم الأخلاق، وحتى نكشف عورة الذين يوارون عوراتهم بخطابات منمقة، لكنها ليست فصحى ولا بليغة، ولا نحو فيها، ولا صرف إلا من بنوك الممولين.

كل عام وأنتم بخير، تعني أن نعمل كلنا بدون استثناء على تطبيق مبدأ العيش الكريم، في كنف الحرية والعدالة والمساواة، وتحرير انفسنا من رواسب عقلية الجزر والقهر والقمع الموروثة بتزوير وتزييف ثقافتنا عبر الزمن، وتعني ألا نسمح لمن تحتل دماغه عقلية الجزار باحتلال مقود مصيرنا، لأن نهايتنا ستكون في مذبحته التي يرتزق من سفك الدماء على بلاطها!.

وتعني ألا تحل قاعدة المناطحة والمباطحة، محل المناصحة والمصافحة، وألا يأخذنّا مهووس بألقاب سلاطين، وهو ليس بفاتح ولا محرر، وأن نكشف عورة الانتصارات الوهمية، ونردها إلى قائمة أضغاث أحلام أبطالها المزيفين. وتعني كل عام وانتم بخير ألا نسلم قرارنا إلا لمن ثبتت أمانته، واتقى الله في أرواحنا ودمائنا، يحميها بالحكمة والثبات على الحق، وتعني أن نعيش بنعمة العقل والتعقل  والصبر والحكمة، والإيمان بأن الاخلاص بالعمل الصالح  سيزيل الظلم والظلام عنا وعن وطننا، وسننعم بانتصار السلام والخير.