أجزم أن أهم قرار اتخذته الدورة ال11 للمجلس الثوري لحركة "فتح"، التي عقدت يومي الخميس والجمعة الموافقين 24 و25 آب / أغسطس الحالي، كان تحديد موعد عقد المؤتمر الثامن في 17 كانون اول / ديسمبر القادم (2023)، أي قبل نهاية العام الحالي.

وبالمناسبة هذه ليست المرة الأولى التي تحدد القيادات الفتحاوية موعد المؤتمر الثامن، وأرجو أن يكون الموعد الأخير محطة افتتاح وعقد المؤتمر، لعله يشكل لحظة مؤاتية لمكاشفة الذات مع الذات الفتحاوية دون مواربة، وبعيدًا عن المساحيق والمخرجات الشكلية، التي أن جاءت كذلك، فإنها ستعمق الازمة البنيوية لقائدة النضال الوطني الفلسطيني، وسترتد سلبًا على منظمة التحرير والمشروع الوطني برمته والنظام السياسي المثخن بالجراح العديدة. 


وكي يكون المؤتمر انعكاسًا لإرادة المناضلين الفتحاويين كافة، تملي الضرورة أن يطرح القائمون على التحضير والاعداد للمؤتمر أولاً: وعلى المشاركين جميعًا في عضويته.

ثانيًا: أسئلة جادة ومسؤولة، تضع الاصابع على الجروح كافة، وتشخص بعمق التحديات التنظيمية الداخلية، وفي إطار منظمة التحرير، وملف الوحدة الوطنية، وطي صفحة الانقلاب الحمساوي الأسود، والخروج من نفق متاهة المراوحة والتردد والانتظارية البائسة، وملف مجابهة التحديات الإسرائيلية والعلاقات الفلسطينية العربية، والعلاقات الفلسطينية مع الإقليم ومع الأمم المتحدة ودول العالم عمومًا وأقطابها الرئيسية.


ولعل أول الأسئلة الواجب طرحها، هل القيادة والكادر والأعضاء مستعدون جميعًا لعقد المؤتمر، أم أن التحديد الجديد لموعد انعقاده مجرد فقاعة بالون للتنفيس المؤقت؟ وهنا ومباشرة اجيب ردًا على الكثير من التساؤلات المطروحة عن ملائمة لحظة انعقاد المؤتمر، أن كانت مناسبة، أم لا؟ أعتقد جازمًا، أن اللحظات كلها مناسبة لعقد العرس الديمقراطي، ولا يجوز الخشية من أية تطورات محلية أو مع العدو الإسرائيلي أو عربيًا، لا بل أن كل التطورات تملي وتحتم عقد المؤتمر دون تأتة أو تردد لتسليط الضوء على كل الارباكات والإشكاليات والمنغصات، التي تعاني منها حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح". 


وهنا يبرز سؤال في صميم العملية التنظيمية، هل المؤتمر سيكون مشدودًا لانتخاب هيئة قيادية جديدة دون الخوض في معالجة الازمة بعناوينها العديدة، ام سيكون مؤتمرًا شاملاً وهادفًا لفتح كل الملفات التنظيمية لإعادة الاعتبار لمكانة العمود الفقري للحركة الوطنية الفلسطينية؟ وهل سيخرج المؤتمر والقائمون عليه من دائرة الحسابات الجهوية والمحاباة وبوس اللحى، ويكون مؤتمرًا حقيقيًا يتجاوز سلوكيات الترضية، ويقفز عن الصغائر والشخصنة وإسقاط الرغبات الذاتوية على المصالح العامة والعليا للحركة؟ وهل سيتمكن المؤتمرون من ترتيب البيت الفتحاوي، وإعادة اللحمة لأبنائها، وشدشدة مفاصلها ومكوناتها جميعًا، أم سيبقى الحال على ما هو عليه؟ وهل سيكون هناك برنامج سياسي يحاكي تحديات المرحلة، أم سيبقى الحال على ما هو عليه، رغم أن التطورات العاصفة تجاوزت الكثير من عناوينه ومفاصله؟ 

 
وماذا عن الوحدة الوطنية والشراكة السياسية مع فصائل منظمة التحرير؟ وماذا عن الانقلاب؟ هل يفترض البقاء في دائرة الانتظار حتى تعمق حركة حماس الانقلابية إمارتها على حساب المشروع والأهداف الوطنية؟ ومتى يمكن وضع حد لدوامة الانقلاب، وإعادة الاعتبار للنظام السياسي الواحد الموحد للكل الفلسطيني؟ وهل بتقدير القائمون على المؤتمر، ان لجنة المتابعة المنبثقة عن اجتماع الأمناء العامين برئاسة سيادة الرئيس محمود عباس ستكون مؤهلة وقادرة على وضع نهاية مشرفة لحالة التمزق والانشقاق الداخلي، أم أنها لجنة لإدارة الأزمة الانقلابية؟ وما هي الحلول الواجبة للخروج من نفق الاعيب فرع جماعة الاخوان المسلمين في فلسطين؟ 


وما هي المعايير الواجبة والضرورية لإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني؟ وكيف تعيد لها دورها ومكانتها كمرجعية أولى لكفاح الشعب العربي الفلسطيني؟ وما هي الضوابط اللازمة والناظمة لعلاقة "فتح" مع المنظمة والنظام السياسي كل على انفراد؟ وماذا عن قرارات هيئاتها المركزية المجمدة حتى الآن؟ ومتى سترى النور؟ وماذا عن المقاومة الشعبية وأشكال النضال المختلفة؟ وهل أنتم جادون في استنهاض المقاومة الشعبية التي لا تنحصر في المواجهات الشعبية المباشرة مع جنود جيش الموت الإسرائيلي وقطعان المستعمرين؟ وهل وضعت دراسات معمقة لتحديد ماهية المقاومة الشعبية وأشكال الكفاح المختلفة؟ وماذا عن الفوضى السائدة في بعض المحافظات، إن لم يكن كلها؟ وكيف نحمي الشعب من متاهتها وارباكاتها؟ وكيف يعيد الفتحاويون العلاقة مع جماهير الشعب، وتجسير الهوة معها؟ وكيف تنظم العلاقة مع المجموعات المناضلة، وفي ذات الوقت، صيانة السلم الأهلي، وحماية وتعزيز دور النظام السياسي؟ وماذا عن خلق التكامل والتكافل بين أبناء الشعب في مختلف التجمعات الفلسطينية في الشتات والمغتربات وال48؟ وما هي الحلول لايجاد صيغ واقعية وابداعية في آن لتحشيد كل طاقات الشعب وفق خصوصيات كل تجمع؟ وماذا عن مخيمات الشتات؟ وكيف نطهرها من المجموعات التخريبية والمهددة لمكانة المخيمات في لبنان؟ وماذا عن الجماهير الفلسطينية في سوريا والأردن ودول الشتات الأخرى؟ وماذا عن المنظمات الشعبية والاتحادات؟ وكيف نعيد الاعتبار لها ولمكانتها، لا سيما ونها تعتبر رافعة من روافع الكفاح الوطني ومنظمة التحرير؟       


وماذا عن السفارات الفلسطينية؟ وما هي الاليات المفترضة للخروج من حالة التكلس القائمة فيها؟ وهل تغيير عدد من السفراء يكفي، أم سيكون هناك رؤية وطنية أكثر شمولية في معالجة تركيبتها، وبرامج عملها، واستخدام قانون للثواب والعقاب للنهوض بها؟ وهل استخرج أو سيستخرج المؤتمرون الدروس والعبر من تجربة العقود الماضية لاستنهاضها؟ 


وماذا عن التحديات الإسرائيلية؟ وكيف سنجابها ونرتقي بنضال الشعب، وإعادة الاعتبار للقضية الوطنية، ووقف جرائم الحرب المنفلتة من عقالها؟ وماذا عن القدس العاصمة الأبدية لفلسطين؟ ماذا اعددتم لها، او ماذا ستعدوا لها لتعزيز صمود أبنائها؟ وكيف نواجه عمليات تغول الاستيطان الاستعماري الصهيوني فيها وفي عموم الضفة الفلسطينية؟ وكيف نرتقي باشكال الكفاح للجم النزعات التهودية الصهيونية للمناطق المصنفة (أ، وب، وس) وانفلات حكومة الترويكا الفاشية من عقالها؟ وهل سيبقى الشعب والقيادة في دائرة الرهان على وعود الإدارات الأميركية المتعاقبة الفارغة، وغير المجدية؟  


سأترك باقي الأسئلة لزاوية أخرى، لأن الأسئلة كثيرة ومتشعبة.