تحتل المملكة العربية السعودية مكانة إستراتيجية جيوسياسية وإقتصادية ودينية على كافة المستويات عربيًا وإسلاميًا ودوليًا أهلها لتلعب دورًا مركزيًا ورياديًا وقياديًا فاعلاً لا يمكن تجاهله إقليميًا ودوليًا.


من هنا يمكن لنا فهم مغزى السياسة الأميركية بممارسة كافة أشكال الضغوطات على المملكة العربية السعودية من أجل:


أولاً: إبرام إتفاقية مع الكيان الإستعماري الإسرائيلي.


ثانيًا: إبعادها عن المحور الصيني الروسي.


ثالثًا: ضمان إخضاع المنطقة العربية للمحور الأميركي مع قرب ولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.


عوامل وأهداف إستهداف السعودية:


تسعى الولايات المتحدة الأمريكية من وراء الضغط على السعودية للتطبيع مع الكيان الإستعماري الإسرائيلي المصطنع إلى تحقيق أهداف منها :


أولاً: لإدامة وترسيخ النفوذ والمصالح الأميركية في الدول الخليجية إستباقًا لنتائج الحرب في أوكرانيا وما يتمخض عنها من ولادة عالم متعدد الأقطاب بما يعنيه ذلك من تراجع النفوذ الأميركي عالميًا.


ثانيًا: إستكمال إدماج الكيان الإستعماري الإسرائيلي العنصري تمهيدًا لتمكينه من قيادة الوطن العربي ومن ثم الإسلامي.


ثالثًا: بناء جدار جغرافي يحد من توسع النفوذ الروسي والصيني في منطقة من أهم المناطق لموقعها الإستراتيجي ولثرواتها الطبيعية وغير الطبيعية وخاصة النفط ومشتقاته.


رابعًا: إخضاع المنطقة العربية للإرادة الأمريكية في محاولة لإعادة سيناريو ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية وما افرزته من نتائج :


* صناعة " إسرائيل " على أرض فلسطين ككيان عدواني إستعماري توسعي يعمل وكيلا عن القوى الإستعمارية.


* فرض تقسيم وإستعمار وإنتداب وتقاسم نفوذ بين الدول الإستعمارية " بريطانيا وفرنسا " للهيمنة والسطو على ثروات الدول العربية ومنع وحدتها السياسية والجغرافية .


خامسًا: الحفاظ على هيمنة وقوة الدولار الذي منح ويمنح أميركا قوة ونفوذًا ماليًا وإقتصاديًا على المستوى العالمي وتوظيفه لتحقيق أهدافها بالهيمنة على العالم وذلك من خلال الحفاظ على معادلة البترودولار التي بدأت بالتراجع نتيجة لسياسة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الإقتصادية القائمة على بناء علاقات متوازنة في العلاقات السياسية والاقتصادية مع العالم وفقا للمصالح الإستراتيجية السعودية والخليجية والعربية.


سادسًا: الحيلولة دون إعتماد السعودية على قدراتها وقوتها الذاتية عسكريًا وإقتصاديًا فمشروع نيوم يعزز مكانة وقوة المملكة العربية السعودية ويمنحها قوة إقتصادية إضافية يعزز إعتمادها على الذات ويخفف من إعتمادها على الخارج.


سابعًا: إضعاف مكانة السعودية عربيًا وإسلاميًا على الصعيدين الرسمي والشعبي.


ثامنًا: إزالة عقبة رئيسة أمام نجاح الضغوط الأميركية بإدماج الكيان الإستعماري الإسرائيلي في الوطن العربي والعالم الإسلامي والدول الصديقة .


تاسعًا: إنهاء مركزية القضية الفلسطينية على الصعد الرسمية من خلال إسقاط المبادرة العربية الصادرة عن قمة بيروت عام 2002 والتي هي بالأساس مبادرة سعودية والتي ربطت وإشترطت تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" بإنهاء إحتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام 1948 وفقًا وتنفيذًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 وذلك بهدف إضفاء شرعية على سياسة سلطات الإحتلال الإسرائيلي الإستعماري الإحلالي الإرهابي بتمكينها من تابيد إحتلالها الإستعماري لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليًا والمضي قدمًا بجرائمها بحق الشعب الفلسطيني من مصادرة أراض وتدمير وإقتحام المنازل وقتل خارج القانون وإعتقالات تعسفية وإنكار لوجود الشعب الفلسطيني في سياق حرب تطهير عرقي وحرب إبادة.

 

الإستراتيجية السعودية:


المتابع والقارئ للسياسة السعودية إتجاه القضية الفلسطينية على مدار العقود السابقة يخلص إلى:


أولاً: إن القضية الفلسطينية كانت وستبقى القضية المركزية لدى السعودية قيادة وشعبًا.


ثانيًا: إستمرار الدعم السعودي السياسي والإقتصادي لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ودعم النضال الوطني الفلسطيني بمراحله وأدواته المختلفة منذ إنطلاقة الثورة الفلسطينية بقيادة فتح في الأول من كانون الثاني لعام 1965 .


ثالثًا: دعم الإستراتيجية النضالية للقيادة الفلسطينية التي عرضها سيادة الرئيس محمود عباس أمام الأمم المتحدة بمؤسساتها مجلس الأمن والجمعية العامة وامام مؤتمرات القمم العربية وآخرها قمة جدة.


رابعًا: التأكيد على الإلتزام بالمبادرة العربية حسبما وردت دون تغيير.


خامسًا: التأكيد على السياسة السعودية الإلتزام بدعم حق الشعب الفلسطيني بالحرية والإستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف في كافة المؤتمرات والتكتلات الإقليمية والدولية وباللقاءات الثنائية.


الموقف السعودي من مبادرة بايدن والتطبيع مع الكيان الإستعماري الإسرائيلي :


من حيث المبدأ تتميز السياسة السعودية بقيادة سمو الأمير محمد بن سلمان بدعم كامل من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بالعمل على ترسيخ المصالح السعودية بالتنمية المستدامة وبتعزيز امنها وإستقرارها وتصفير المشاكل وحل الخلافات مع دول الجوار والإقليمية كما حصل بالإتفاق مع إيران خلافا للموقف الأمريكي وترسيخ إنتهاج سياسة متوازنة مع الدول النافذة عالميا بقطبيها الأمريكي والروسي الصيني تبعا لذلك وهذا ما يشكل اساسا للموقف السعودي إتجاه مبادرة بايدن حسبما وردت في مقال توماس فريدمان التي تهدف إلى توقيع إتفاق أمني أمريكي سعودي يتضمن تطبيع العلاقات مع إسرائيل والتي تضمنت عناوين عدة منها:


* ما يخص ويتعلق بالسعودية.


* ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والتطبيع مع الكيان الإستعماري الإسرائيلي.


في هذا المقال سأتناول العنوان الثاني المتعلق بالقضية الفلسطينية بالتساؤل:

 

أولاً: هل تحقق مبادرة بايدن أهداف الشعب الفلسطيني بالتحرر وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس وفقا للقرارات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة بدوراتها وعن مجلس الأمن وآخرها قرار رقم 2334 وللمبادرة العربية ؟


ثانيًا: هل هناك ضمانة وإلتزام أمريكي بالعمل على إلزام سلطات الإحتلال الإسرائيلي الإستعماري البدء بإنهاء إحتلالها الإستعماري الإحلالي لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة وفق جدول زمني قصير المدة ورفع الفيتو عن الإعتراف بالدولة الفلسطينية كعضو كامل العضوية بالأمم المتحدة إحتراما لحق الشعب الفلسطيني الأساس بالحرية والإستقلال وتقرير المصير ولإرادة المجتمع الدولي المعبر عنها بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 ورقم 67 /19 /2012 ؟


للإجابة على


السؤال الأول: بكل تأكيد لا تلبي مبادرة بايدن المقترحة الحدود الدنيا من أهداف الشعب الفلسطيني وحقوقه الأساس بالحرية والإستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف حيث تضمنت المبادرة فقط عبارة الأمل بالحفاظ على حل الدولتين والتركيز على تأمين دعم مالي للسلطة الفلسطينية اي العودة إلى الحل الإقتصادي والإنساني بعيدا عن صلب القضية المتمثل بإنهاء الإحتلال وتجسيد الحقوق الوطنية السياسية للشعب الفلسطيني بالحرية والإستقلال وإقامة دولته المستقلة وتقرير المصير تنفيذا للمادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة وبالتالي صيغت لتحقق أهداف ومصالح المستعمر الإسرائيلي الذي ثبت تاريخيا بعدم الإلتزام منذ الإعلان عن تأسيس كيانه العدواني باي من إلتزاماته وتعهداته وفقا لمبادئ واهداف وميثاق الأمم المتحدة او وفقا للإتفاقيات الثنائية وخاصة بعدم:


* الإلتزام بتنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 273 الذي إشترط لقبول إسرائيل عضوا بالأمم المتحدة تنفيذها للقرارين رقم 181 و 194 .


* تنفيذ إتفاق المرحلة الإنتقالية " اوسلو " الذي نص على إنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 خلال فترة اقصاها خمس سنوات تنتهي في أيار 1999 .


* عدم الإلتزام بتعهداته وإلتزاماته التي نصت عليها المعاهدة المبرمة مع الأردن من حيث العمل على تغيير الحدود الدائمة خلافا للمادة 3 من المعاهدة وعلى ديباجة المعاهدة وعلى الوصاية الهاشمية.


على المقدسات الإسلامية والمسيحية خلافًا أيضًا للمعاهدة والإتفاقيات جنيف .


على السؤال الثاني : خلت المبادرة المقترحة من أي نص أو إلتزام أمريكي بممارسة اي شكل من أشكال الضغوط لإلزام سلطات الإحتلال الإسرائيلي بإنهاء إحتلالها لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليًا وفق جدول زمني محدد المدة او الإلتزام بعدم إستخدام الفيتو أمام الإعتراف بالدولة الفلسطينية كعضو كامل حقوق العضوية بالجمعية العامة.


بناءًا على ما تقدم فالمبادرة الأميركية المقترحة لا تلبي اي من الحقوق الأساس للشعب الفلسطيني كما لا تستجيب للمبادرة العربية وتشكل إنتهاكًا لميثاق الأمم الذي يلزم ميثاقها على الدول الأعضاء تنفيذ قراراتها كما تتناقض نصوص المبادرة مع واجبات أميركا كدولة دائمة العضوية بمجلس الأمن بوجوب متابعة تنفيذ القرارات الدولية وإعلاء سمو القانون الدولي دون تمييز وإزدواجية وإنتقائية.


من خلال المتابعة نخلص إلى أن الموقف السعودي ملتزم قبل توقيع اي إتفاقية رؤية خطوات إسرائيلية عملية على أرض الواقع على طريق إنهاء الإحتلال ووقف إرتكاب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني وتمكينه من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وليس مجرد إطلاق وعود لا قيمة لها فسرعان ما ينقلب عليها كما إنقلب على إتفاق اوسلو والمعاهدة الإردنية الإسرائيلية حال تحقيق أهدافه وكما حصل ذلك مع الإمارات والبحرين والمغرب بعد توقيع والإتفاقيات التي يرى معها انها جاءت وفق معادلة القوي والضعيف.


الشعب الفلسطيني على ثقة بصلابة الموقف الإستراتيجي السعودي بدعم حقوقه الأساس بالحرية والإستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام 1948....


الشعب الفلسطيني يتطلع إلى تشكيل جبهة عربية على طريق تشكيل جبهة دولية داعمة لحقوق الشعب الفلسطيني وضاغطة على الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إنحيازها للكيان الإستعماري الإسرائيلي للإنتصار لمبادئ وميثاق الأمم المتحدة نواتها الأردن وفلسطين ومصر والسعودية والجزائر لحشد رأي عام دولي داعم لحقوق الشعب الفلسطيني وبعزل الكيان الإستعماري الإسرائيلي العنصري دوليًا وفرض عليه العقوبات المختلفة بهدف وإلزامه بتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية وإنهاء إحتلاله العدواني لدولة فلسطين تحت الإحتلال وللجولان السورية....


الشعب الفلسطيني يطالب أميركا بتوفير جهودها والإنتقال لممارسة الضغوط على إسرائيل لتنفيذ القرارات الدولية والمبادرة العربية بإنهاء إستعمارها لفلسطين بدلا من بذل جهود ضاغطة على دول عربية وإسلامية لتوقيع إتفاقيات دون أي تقدم على صعيد حرية فلسطين وشعبها وتحرره من نير الإستعمار الإسرائيلي العنصري الإرهابي، وهذا اقصر وأقرب الطرق، الشعب الفلسطيني إذ يقدر مواقف الأردن ومصر والسعودية وكافة الدول الداعمة لحقوقه الأساس بالحرية والإستقلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ليؤكد على مواصلة نضاله بكافة الوسائل المكفولة دوليًا حتى دحر الإحتلال الإسرائيلي العنصري ؟!.