بعد أن قتلوا عمر أسعد بدم بارد، وبطريقة وكأنهم يلهون ويتسلون، ركب ضباط وجنود الدورية جيباتهم  وغادروا قرية جلجليا الفلسطينية غرب رام الله فجرًا وهم يضحكون ويروون لبعضهم البعض فصول جريمتهم. قبل 74 عامًا دخلت مجموعات مسلحة من عصابة "إرغون" و "وشتيرن" قرية دير ياسين  الفلسطينية غرب القدس  وقتلوا العشرات من سكان القرية، أطفالًا، ونساء، وشيوخًا وشبابًا، سحلوا وأحرقوا وشوهوا الجثث وعند شروق الشمس ركبوا سياراتهم وهم يضحكون وبنفس الطريقة يروون لبعضهم البعض بافتخار وزهو أدوارهم في المجزرة.

كتب العديد من هؤلاء المجرمين مذكراتهم وكيف ارتكبوا عشرات المجازر خلال حرب عام 1948، كانوا يدخلون القرى الفلسطينية عند الفجر ويجمعون الرجال في الساحات  ويتلذذون بالقتل ومن ثم يشردون ما تبقى من السكان وبعد ذلك يدخلون منازل الفلسطينيين ويأكلون أكلهم  وينهبون المقتنيات ثم يقومون بنسف المنازل من دون أن يرمش لهم جفن.

عشرات اليهود الناجين من الاضطهاد والفاشية  في أوروبا، كتبوا مذكراتهم،  من زمن قيصر روسيا في نهاية القرن التاسع عشر، وحتى هتلر الألماني النازي في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين.. كيف يمكن أن نفهم مذكرات المجرمين والناجين؟ كيف يمكن فهم أن يرتكب الناجون من فاشية أوروبا جرائم تشبه الجرائم التي نجوا منها؟

هذا الموضوع يحتاج إلى نقاش طويل ومعقد ولكن ما يهمنا هو الراهن لو لم يكن عمر أسعد يحمل الجنسية الأميركية لكانت جريمة قتله مرت من دون ضجيج، وعندما انفضح أمرهم ماذا قال قادة جيش الإحتلال؟ قالوا إن الوحدة العسكرية التي ارتكبت الحادثة هي من كتيبة لجنود من الحريديم، أي المتدينين المتطرفين اليهود، من المستوطنين.

ولكن الحقيقة أن  كل وحدات الجيش الإسرائيلي تقوم بارتكاب جرائم يوميًا تقريبًا بحق الشعب الفلسطيني..لمَ يحدث ذلك. فما هي المشكلة إذن؟

هناك آيديولوجيا وتربية عنصرية فاشية تنخر عقل ضباط وجيش الإحتلال، وهي بالمناسبة ثقافة مجتمع وليس فقط المؤسسة الأمنية، بالطبع لا يعني أن كل اليهود في إسرائيل هم فاشيون وعنصريون فهناك من يرى الحقيقة السوداء هذه ويكتب ويتحدث عنها وينتقدها بشدة، ولكن السياسة السائدة والمسيطرة في إسرائيل هي سياسة فاشية وعنصرية.

أحد الجنرالات الإنجليز، وبعد أن أصبحت هناك قضية فلسطينية في نهاية الثلاثينيات ومطلع الأربعينيات، شبه الوضع في فلسطين "بأنه مثل إيرلندا.. منطقة صغيرة فيها شعبان يكرهان بعضهما بعضًا بلا رحمة"، هذا الجنرال ليس مغفلًا إنه مجرم يحاول التبرؤ من جريمته فهو  تناسى أن الحقد والكراهية هما من صنع بريطانيا،  فقبل وعد بلفور، وقبل أن يأتي الجنرال لنا  بالصهيونية ومشروعها الاستعماري كانت فلسطين تعيش بسلام.

الشهيد عمر أسعد، إنسان مسالم،  كان عائدًا إلى منزله بعد أن تسامر مع أصدقاء له في جلجليا، في هذه المسافة القصيرة بين منزل أصدقائه ومنزله كانت فرقة الموت تنتظره، جاءوا للمكان بهدف التسلية واللهو بقتل الأبرياء. لا أحد في الكون يرتكب هكذا جريمة إلا إذا كانت عنصريته  قد أعمته وأصبح لا يرى الآخر بأنه إنسان مثله، لقد تمت تعبئة عقله  بكره الآخر وأن دم  الفلسطيني مباح دون أي عقاب.

الجنرال البريطاني المشار إليه ترك لنا  فاشية أوروبا ورحل، زرع  بذرة العنصرية ورحل ولا نزال ندفع  لليوم وربما للأجيال القادمة ثمن تاريخ لم يكن تاريخنا.. أي عالم قاسٍ هذا.

المصدر: الحياة الجديدة