ليست أول مرة، ولن تكون آخر مرة ما ادّعاه رئيس حركة حماس في الخارج، من حرص حركته على الدم الفلسطيني. لأن ذلك لا أساس له من الصحة، لا بل افتراء على الحقيقة والتاريخ القريب جدا، والواقع الراهن. وكأن مشعل  يريد أن يغطي الشمس بغربال ممزق أكثر مما هو مخروم.  فرع جماعة الاخوان المسلمين في فلسطين حتى قبل تأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس في العام 1988، ارتكبت من الجرائم والاعتداءات بالجنازير والبلطات والأسلحة البيضاء الكثير الكثير وبرعاية وحماية جيش الاستعمار الإسرائيلي في جامعات الأزهر والإسلامية في مدينة غزة، وفي النجاح في مدينة نابلس، وفي بيرزيت، أم أن ذاكرة رئيس الحركة السابق مثقوبة وأصابها التلف، أو تناسى، أو فقد الذاكرة وأصيب بالزهايمر؟ ولا أضيف جديدًا حين أذكر  مشعل بما تم ارتكابه من قبل كوادر وعناصر حركته من الانتهاكات والجرائم ضد أبناء الشعب الفلسطيني في عموم الوطن زمن الانتفاضة الكبرى 1987 / 1993.

فضلاً عن أن حركته الاخوانية لم تصدر بيانًا مشتركاً واحداً مع القيادة الوطنية الموحدة للتنسيق في الفعاليات الوطنية، واسست للانقسام منذ ذلك الحين. لأن القوى العربية والإقليمية والدولية التي وقفت خلف تأسيسها، هيّأتها للقيام بمهمتها لتكون النافي وساحبة البساط من تحت أقدام منظمة التحرير والوطنية الفلسطينية. وبالتالي كل ما حصل لاحقًا لجرائم وانتهاكات حركة حماس، لم يكن وليد الصدفة، ولا ردود فعل ضد أوسلو واتفاقياتها، ولا ضد السلطة، التي لم تكن ولدت آنذاك. 

تصريح خالد مشعل تم يوم الجمعة الماضي الموافق 17 كانون الأول / ديسمبر الحالي قبل يومين في صيدا تعقيبًا على أحداث مخيم برج الشمالي بعد تفجير مخزن السلاح تحت مسجد أُبيّ بن كعب، وسقوط ثلاث ضحايا وجرح عدد آخر أثناء تشييع الضحية المعترف بها في المسجد أواسط الأسبوع الماضي، والتي نجمت بالأساس عن فقدان احد ميليشيات حركة حماس السيطرة على رشاشه الكرينوف عندما سقط أرضًا نتاج التزاحم. 

وطالب مشعل بمحاسبة من وقف وراء الحادث الأليم، مدعياً أسوة بمسؤول حماس في لبنان، بان عناصر من حركة "فتح" والأمن الوطني ارتكبت الجريمة. وأنا أضمّ صوتي إلى صوته، وإلى صوت كل من نادى بمحاسبة كل من ساهم في سقوط الضحايا داخل المخيم البطل، وتسليمهم للقضاء اللبناني. وهو ما أكدته حركة "فتح" وقيادة قوات الأمن الوطني في لبنان، وفي المخيم. 
ولكن حركة حماس كما هي عادتها تسوق التضليل مع الاستغباء مع التغطية على لعنة الجريمة لتسويق بضاعتها الفاسدة والمكشوفة، والتي لا أساس لها من الصحة. لذا لجأت ومن وقف ويقف معها بما في ذلك جريدة "الأخبار " اللبنانية المأجورة وما تمثل من قوى في الساحة اللبنانية إلى تزوير الحقائق، والالتفاف على الواقع، وبدل أن تقوم بملاحقة المتسببين فيها من داخل صفوفها، أو اللجوء للصمت بدل نشر غسيلها، أو اتهام أجهزة الأمن الصهيونية، او عملائه المأجورين في الساحة اللبنانية، ذهبت لخيار مشؤوم، ومحاولة الاستفادة منه على الساحة الفلسطينية اللبنانية، أي اتهام حركة "فتح" وقوات الامن الوطني، التي تربأ بنفسها عن هكذا فعل اجرامي، وتأبى الا ان تكون، كما كانت دوما حامية للبيت الفلسطيني في الوطن والشتات، اعتقادًا منها أن اللحظة السياسية باتت مهيأة للانقضاض على مقاليد الأمور في الساحة الفلسطينية تعميقا لخيار الانقلاب. لا سيما وإنني أعتقد أن حركته موعودة بتسلم مقاليد الأمور في فلسطين كاستمرار لنموذج أفغانستان الطالبانية. 

مرة أخرى لا أريد العودة قبل وبعد زمن الانقلاب الأسود أواسط عام 2007 وما نتج عنه من إيغال في الدم الفلسطيني، خلال يومين قتلت وجرحت حركتك الاخوانية المجرمة حوالي 800 مناضل من منتسبي الأجهزة الأمنية وحركة "فتح". ومع ذلك سأقفز عن الموضوع، وأتمسك بخيار المصالحة الوطنية، إن كنت حريصا على الوحدة الوطنية والدم الفلسطيني فلا شيء يعيق تقدمك وحركتك نحو المصالحة، وتنقية الأجواء، وترتيب البيت الفلسطيني في إطار منظمة التحرير الفلسطينية وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية والمجلس الوطني. 
لكني أشك أن تكون وأقرانك في حماس مستعدين لهذا الخيار من أصله، لان مهمتكم لم تنته، ولأنكم لم تغادروا برنامجكم ووظيفتكم الاستعمالية. أرجو أن أكون مخطئًا.