تابعت ما جرى في مخيم البرج الشمالي في جنوب لبنان، منذ أن حصل انفجار مخزن الأسلحة والذخائر التابع لحماس مساء يوم الجمعة الماضي. التزمت حماس الصمت في طوال تلك الليلة وحتى ظهر اليوم التالي، ومن الواضح أنها انتظرت وبحثت واستمعت لمستشارين، ومن ثم أصدرت بيانًا هجوميًا على من قال إن ما انفجر وقتل وجرح ودمر لم يكن مخزن أسلحة وذخائر! 
حماس قامت، وبمساعدة الماكينات الإعلامية الاخوانية والاقليمية، وبما لها من مساحات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، بنشر تلفيقاتها على نطاق واسع، إلى درجة غياب خبر الانفجار تمامًا، وكأنه لم يحدث! ومن الواضح أن حماس استفادت من تجربة انفجار مرفأ بيروت الهائل في آب/ أغسطس 2020، الذي لم يكشف حتى اليوم من كان وراءه، والمسؤولون عنه، فقامت بعملية تلفيق شنيعة عندما ادعت أن رجال الأمن الوطني الفلسطيني في المخيمات هم وراء ذلك، أي أنها تشير إلى حركة فتح كأنها متورطة في قتل ثلاثة من المشيعين.
أراد هذا التنظيم الإخواني، وبسرعة، مسح جريمة انفجار مخزن الأسلحة والذخائر من ذاكرة أهل المخيم، والقيام بجريمة أخرى قامت بإلصاقها بطرف آخر. ولم أكن بحاجة لأن أقرأ بيان أمين سر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في البرج الشمالي، الذي نفى فيه قطعيًا أي علاقة لفتح بحادثة تشييع شهداء انفجار مخزن حماس للأسلحة. إن لحماس تاريخًا طويلاً من الكذب، فهذا التنظيم الإخواني يكذب كما يتنفس، وهذه صفة ثابتة من صفات حركات الإسلام السياسي التي نشأت بالأساس من مجموعة ادعاءات باطلة، فالكذب لديهم مبرر ما دامت فيه خدمة لهم.
وحماس، وكما كل حركات الإسلاموية، تستند في كذبها، أو تشرعن كذبها وبشكل انتقائي، المشكلة في كذب ومكر حماس أنه في الغالب ضد الأخ والشقيق الفلسطيني، فأين هي وطنية هذا التنظيم الإخواني، وهل جماعة الإخوان تؤمن بالوطن أصلاً؟ 
حماس باعتبارها جزءاً من التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وجزءاً من إستراتيجية وأهداف هذا التنظيم، فإن القضية الفلسطينية بالنسبة لها ورقة ومادة للاستخدام، وليس لأنها قضية وطنية فلسطينية. وبدل أن تبادر حماس للاعتذار لأهالي المخيم، فهي تكذب وتلفق، وكأن الناس مجموعة من "الأغبياء". والمشكلة أن كل شخص في المخيم يعرف أن ما انفجر وقتل وجرح ودمر هو مخزن أسلحة لحماس، وكل شخص في المخيم يعرف أن ما جرى خلال التشييع قد نجم من استعراض حماس العسكري وكمّ السلاح والمسلحين الذين حضر قسم كبير منهم من خارج المخيم، وأن الثلاثة الذين قتلوا خلال التشييع، قتلوا برصاص حماس المنفلت بعد أن وقع رشاش أحد رجالها على الأرض وقتل من قتل. هذا ما رآه أهل المخيم بعينهم، ومع ذلك، تواصل حماس الكذب. 
وما دامت الحقيقة بمنتهى الوضوح، فلماذا هذا الإصرار الحمساوي على الكذب والتلفيق؟ 
في العادة، إن لعبة حماس المفضلة هي خلط الأوراق، فهي تنظر إلى المساحة الأكبر بكثير من المخيم ومن لبنان، وتنظر إلى عشرات بل مئات الملايين من العرب والمسلمين الذين يهم حماس أن تبقى في نظرهم "حركة مقاومة نقية" لا تتورط بسفك الدم الفلسطيني، لأن هذه الملايين هي من يدفع لحماس المال، مع العلم أنها هي من قام بسفك دم المئات حين قامت بانقلابها الدموي في قطاع غزة عام 2007، عندما ألقت مناضلي فتح والوطنيين الفلسطينيين، من فوق أبراج غزة وقتلت وسحلت عددًا آخر. 
حماس ليست مسؤولة عن الانقسام الفلسطيني الذي بدأ بانقلابها المشار إليه وحسب، فهي مسؤولة عن ظاهرة الشرذمة وشق الصف منذ تأسيسها عام 1988، حين رفضت أن تنضم للقيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الشعبية الفلسطينية الكبرى، وكانت تعلن عن إضرابات ومظاهرات بشمل منفرد، الأمر الذي قدمت حماس عبره خدمة إستراتيجية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي التي كانت لتعمل أي شيء لشق الصف الوطني الفلسطيني، وجاءت حماس لتقوم هي بذلك.

 

المصدر: الحياة الجديدة