كان ممكناً بالنسبة لنا اعتبار تصريحات دونالد ترامب الأخيرة بمثابة محاولة للتحول عن أسلوب المخادعة، والدخول في مسار الصدق لو أنه اعتبر موقف سيادة الرئيس محمود عباس الرافض بالمطلق لصفقته الاستعمارية الجديدة و(وعده البلفوري) لنتنياهو هو السبب الرئيس والأول والأخير الذي أجهضها وأسقطها، ولو أقر أن الشعب الفلسطيني وقيادته لا يمكن إخضاعهما أو تمرير أي حل  لا يتوافق مع الحد الأدنى من حقوقهم المنصوص عليها في قرارات الشرعية الدولية، وأن رئيس الشعب الفلسطيني استجاب لنداءات المجتمع الدولي بمصداقية عالية لا نظير لها.. ورغم ذلك. 

لا ننظر لتصريحات ترامب باعتبارها صحوة ضمير، ولا نأخذها إلا كشهادة من رئيس دولة عظمى على عقوق مستخدمهم وأداتهم الاستعمارية في المنطقة، منظومة الاحتلال الإسرائيلي العنصري المسماة اسرائيل، وعلى أساليب الخداع والكذب والمناورة التي اتبعها حكام هذه المنظومة (إسرائيل) ليس معه وحده باعتباره الماهر البارع في هذا الأسلوب وحسب، بل مع كل الإدارات الأميركية السابقة ومع كل رؤساء الدول في العالم بما فيها دول كبرى أيضًا. 

نحن نعرف إخلاص وصدق سيادة الرئيس محمود عباس أبو مازن إلى حد اليقين، وإيمانه المطلق بحق الشعب الفلسطيني التاريخي والطبيعي في أرض وطنه فلسطين، وندرك جيدًا أن فلسفته في السياسة الوطنية الإنسانية العقلانية هدفها واحد وهو تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني وثوابته الوطنية، وإعلاء مصالحه، ودفع المجتمع الدولي للانتصار لإرادته والتحرر من التبعية والخضوع للقوى الاستعمارية، لتجسيد الاستقرار والأمن والسلام في كل مكان في العالم، ويوافقنا بهذه القناعة الراسخة رؤساء وملوك وحكومات، وقادة منظمات المجتمع الدولي، والأهم الشعوب التي بدأت تتحرر من "خرافة الصهيونية"، لذا ما كنا بحاجة لنشر إقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في كتاب الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد، الذي  نشر تحت عنوان "سلام ترامب: الاتفاقيات الإبراهيمية والثورة في الشرق الأوسط" لإدراكه أن سيادة الرئيس محمود عباس (أبو مازن) كان رائعًا وعقد معه اجتماعات رائعة وكان يريد تحقيق السلام فعلاً، على عكس بنيامين نتنياهو الذي قال عنه ترامب بعد أن شن عليه هجومًا فاحت منه رائحة النقمة الشخصية: "لقد خدعني". 

من المهم جداً أن يعرف حلفاء اسرائيل في الحزب الجمهوري الأميركي الذين ما زالوا يثقون في دونالد ترامب هذه الحقائق التي أخفاها عنهم حتى (بق البحصة)  كما يقولون في المثل الشعبي بعد خسارته الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ومسارعة نتنياهو لتهنئة الرئيس جو بايدن الخصم اللدود لترامب، وقد تساعد أحكام ترامب على نتنياهو في تغيير قناعة بعض الجمهوريين وتساهم بتغيير أو إلغاء قرارات اتخذها ترامب خلال فترة حكمة ضد فلسطين، التي لا بد من أغلبية في مجلسي الشيوخ والكونغرس لتحقيق ذلك.  

ومهم جدًا أيضًا الكشف عن الحقيقة الباطلة الذي قامت عليه دعاية اللوبي الصهيوني اليهودي الأميركي الكاذبة، التي كانت تروج لخطة ترامب، بالتزامن والترابط مع دعاية حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية، وعن الغرض من تحميل القيادة الفلسطينية المسؤولية عن عدم تحقيق السلام، فترامب اليوم يقر بأن: "نتنياهو لم يرغب، أبداً، في توقيع اتفاق سلام مع الجانب الفلسطيني" وذهب إلى المراوغة كعادته والمخادعة وحمل نتنياهو أسباب فشل "صفقة القرن" الخاصة بالسلام في منطقة الشرق الأوسط، -كما ادعى مستشاروه- إذ قال: "نتنياهو نفسه، الذي لم يرغب أبدًا في تحقيق السلام مع الفلسطينيين". 

ربما يسعى ترامب لتحميل نتنياهو المسؤولية عن سقوط صفقته لأنه لا يستطيع الجهر بالحقيقة، وهي أن الشعب الفلسطيني وقيادته الصابرة الصادقة الثابتة على الحق الفلسطيني، فترامب لا يمكنه الإقرار بأن سيادة الرئيس قد أفشل خطته رغم أن دولة فلسطين ما زالت تحت احتلال منظومة إسرائيل المدعومة من إدارته بكل إمكانيات الولايات المتحدة العسكرية والأمنية والاقتصادية والمالية، لذلك مدح رئيسنا وأقر بحقيقة توجهاته نحو السلام، ووجه اللعنة على أداته وموظفه نتنياهو الذي لم يفلح بتنفيذ وعد منحه لترامب، مضمونه إخضاع الشعب الفلسطيني وقيادته وإجبارها على التسليم بصفقته العار.. فسيادة الرئيس أبو مازن وجه صفعة قاتلة، أجهضت وعد ترامب لنتنياهو، وجعل من وعد نتنياهو لترامب كالزبد. فكلام ترامب الموثق إقرارهزيمة أمام سيادة الرئيس أبو مازن بالضربة القاضية.  

 

المصدر: الحياة الجديدة