سنحقق العدل والمساواة عندما نؤمن أن قيمة وكرامة وحقوق الإنسان واحدة لا فرق بين إنسان أنثى وإنسان ذكر. 

لن نتحرر ما لم نضمن توازنًا وتوازيًا في مسيرة تحررنا وحريتنا، ونناضل من أجل تحرر المرأة والارتقاء بمكانتها، واحترام حقوقها الطبيعية، والإيمان بقدراتها الإبداعية والعلمية والمعرفية وحقها الذي يجب ألا ينازعها عليه أحد في أخذ مكانها الطبيعي الريادي لقيادة المجتمع والمؤسسات القانونية والتشريعية والتنفيذية. 

إن تقدمنا من أجل نيل الحرية والاستقلال يقاس بمعيار الحقوق المسترجعة للمرأة، وحماية مكتسباتها بالقوانين الكافلة لديمومة المكتسبات ما يعني تحقيق تغيير جذري في ثقافة المجتمع التي يجب أن تكون شرعة حقوق الإنسان محورها، فاكتمال النظرة للإنسان الأنثى، يستوجب النظر بعين الكمال إلى ذاتها وقيمتها وكينونتها وشخصيتها وعقلها وروحها وسماتها وأوصافها وخصائصها.   

إن تجسيم مبادئ التحرر يقضي  بإزاحة أي تمييز اصطناعي موروث بين المرأة والمرء، فهذا التمييز بمثابة حقل ألغام، يفصل بيننا وبين الحرية والاستقلال وهذا ما يدفعنا للاعتقاد بأن تضحياتنا وتضحياتها ستذهب سدى ما لم نعمل بأقصى طاقاتنا الفكرية النظرية، والنضالية العملية من أجل تمكين المرأة من حقوقها ومكانتها الطبيعية الرائدة في المجتمع، وهنا يأتي دور المؤسسات التعليمية والثقافية والحقوقية كأمانة ومسؤولية لنشر الوعي بالحقوق الأساسية والطبيعية للإنسان دون تمييز على أساس النوع. 

 هن رائدات، يتحدين بأفكارهن وإراداتهن ونضالهن، نزعة التخلف السائدة في المجتمع، ليس لأنهن ضحاياها وحسب، بل لأن وحش (التخلف) يعصف ويأكل ببطء النصف الآخر من مجتمعها... فالمرأة الحرة المتحررة تحمينا. 

خائن لإنسانيته، عدو للحرية من يعرقل، أو يمنع، أو يحرم، أو يعترض المرأة وهي في مسيرتها للارتقاء نحو المستوى اللائق بمكانتها وكرامتها وحقوقها، فالتحرر الوطني يعني الإيمان بمبدأ المساواة والعدالة في الحقوق والواجبات بين الجنسين في المجتمع، وتوفير المناخ لإطلاق إبداعات كل فرد دون النظر إلى جنسه. فللمرأة مكانة طبيعية، خلقت عليها ولم تكتسبها من المرء، فالعالم مذكر العالمة. والرائد مذكر الرائدة، والمبدع مذكر المبدعة. 

تدرك المرأة العربية كينونتها الإنسانية وواجباتها وتجسدها بإبداعات متميزة، وما زالت تناضل ونحن معها لتحقيق انتصارها على مقولة الضعف ونصف العقل التي حرص مستخدمو الدين على تعميمها كأحاديث وتفسيرات رغم مخالفتها الصريحة لنصوص الرسائل السماوية، والطبيعة التي خلق عليها الإنسان!!. 

ما زلنا بحاجة لنظرية اجتماعية متكاملة، تبين رؤيتنا لحقوق الإنسان الأنثى (المرأة) وتكرس منظومة المساواة والعدل بين الجنسين. وعلينا البدء بتذليل الفارق الهائل بين الادعاء والتجمل بالنظريات والمبادئ ورغباتنا السلبية الكامنة، وبين التطبيق على أرض الواقع، فإهمال مبدأ تثوير المفاهيم الاجتماعية والثقافية، والاقتصار على التحشيد التعبوي سيجعل إمكانية إحداث التأثير والتغيير النوعي والجذري محدودًا، فمن دون تحرير الإنسان لا يمكن بناء مجتمع الدولة والوطن حتى لو تم تحرير الأرض، فالصراع في الميدانين متواز حتمًا، ولا بد من شرط للانتصار الكامل وهو الانتصار أولًا على تجارة وسماسرة المفاهيم الخاطئة الموروثة، وقراءة التجارب الإنسانية الحضارية، واستخلاص أرقاها.. للانتصار على مستخدمي الدين وذوي السطوة والسلطة الاجتماعية، فهؤلاء يصارعون لإبقاء المجتمع ذكوريًا، وتعميق مفهوم المرأة ككائن فطري (مؤنث) يعيش في ظلال الرجل، وإنها إذا أصابها نور العقل والعلم تذبل وتموت!!. 

الانتصار لقضايا المرأة يعني تبنينا لبرامج وخطط إنماء اجتماعي وثقافي تفضي إلى تحرير أنفسنا من عقلية احتلال عقل وفكر وسلوك وعواطف المرأة، وسنبدأ السير فعلًا في موكب الحرية والتحرر عندما نتحرر من مفاهيم تبعية المرأة ونرفض مقولة نقص عقلها ودينها، وعندما نكف عن منحها صفات وسمات وأوسمة في المناسبات من اختراعنا. فالمرأة كيان إنساني مستقل ومن يتعامل معها بغير هذه الحقيقة ما زال مستعبدًا وخاضعًا لشهوتي السطوة والتسلط، الكامنتين عنده كآدمي لم يرتق بعد إلى سدة الإنسانية. 

نحتاج إلى قوانين جديدة وتطوير الموجود، ونحتاج خطط تنمية فكرية وثقافية يناضل الوطنيون التحرريون والتقدميون لتنفيذها وتجسيدها كحقائق على ارض الواقع. فالمطلوب قوانين عصرية تنفذ بقوة القانون والإرادة في التحرر، بما يحفظ ويصون الحقوق الإنسانية الطبيعية للمواطن وإلغاء أي تمييز في الحقوق بين الإنسان الذكر والإنسان الأنثى. 

الحرية كيان واحد، حق للإنسان بلا جدال أو نقاش، للأنثى كما للذكر، فللحرية والحقوق معنى واحد عند الإنسان العاقل المتمدن، والريادة في المجتمع حق، وهو مجرم كل من يحاول اغتصابه أو التقليل من قيمته أو منعه عن إنسان أنثى، فصنع ثقافة السلام في المجتمع يقوم على العدالة، والأصل البدء بتطبيقها بإرجاع الحقوق التي ولدت مع الإنسان الأنثى كما ولدت مع الإنسان الذكر منذ عرفت الأرض البشر.. فلا حرية واستقلال مع إمرأة مظلومة، مغتصبة الحقوق مقهورة، مقموعة بسلطان ورغبات ذكورية في المجتمع، وإلا سنكون كمن استبدل محتل ومستوطن ارض بمحتل ومستعمر لعقولنا ووعينا!