ونحن نعمل على حماية وتعزيز الخطوات الإيجابية، التي شهدتها الساحة الفلسطينية عمومًا، وبين حركتي فتح وحماس خصوصًا منذ مطلع تموز/ يوليو الماضي وحتى الآن، ورفدها بكل ما يعمق جسور التواصل، وتنفيذ ما تم التوافق عليه، وتمهيد الطريق لبلوغ الوحدة الوطنية، والتأصيل للشراكة السياسية، تستوقفنا بعض المواقف الصادرة عن قيادات حمساوية وازنة تحتاج إلى تصويب، وترشيد، ونفي السلبي وإسقاطه منها.

ولا أعرف إن كانت مصادفة، أم مخطط الإعلان عن لقاءين أمس الثلاثاء لكل من إسماعيل هنية، رئيس حركة حماس مع ديفيد هيرست، رئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي" القطري، وموسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي للحركة مع إذاعة حمساوية في قطاع غزة. وكلاهما تحدث عن الأسباب التي دفعت الرئيس محمود عباس، وحركة فتح للتقارب مع حركتهم الإخوانية، التي حملت في طياتها نزوعًا تطهريًا، وكأن مواقفهم كانت "صائبة" طيلة السنوات الثلاث عشرة الماضية من عمر الانقلاب، فضلاً عن أن كليهما، لم يتوقف للحظة أمام أزمة حركة حماس الداخلية والعامة، وحاجتها للمصالحة، وبدا وكأن رئيس منظمة التحرير وحركة فتح وحدهم يعانون من الأزمة التي تعصف بالقضية والمشروع الوطني، ولم يشر أي منهما لحاجة الشعب كله وقواه السياسية في المقدمة إلى التوقف أمام حالة التراجع التي يعيشها المشروع الوطني والنظام السياسي الفلسطيني، ومراجعة سريعة للعملية السياسية، واستخلاص عبرها عبر استنهاض الذات الفلسطينية.

واللافت للقارئ كلا التصريحين لرئيس المكتب السياسي وعضو المكتب، أنهما لم يتفقا في تشخيص أسباب "التحول" في مواقف الرئيس أبو مازن وحركته تجاه المصالحة، فمثلا أبو مرزوق قال، تخلي فتح عن ملف نزع سلاح "المقاومة" من الحوار، وهذا العامل لم يأت على ذكره هنية أبدًا، وركز هنية على 3 عوامل، هي "أولاً، لم يبق لأبو مازن شيء يراهن عليه، ثانيًا يشعر أبو مازن بإهانة شخصية من الأميركيين والإسرائيليين، ثالثًا كان هناك قرار من جامعة الدول العربية بتجاوز منظمة التحرير، والتوصل لسلام مع اسرائيل". وتابع هنية مبرئًا حركته من خطيئة الانقلاب والأجندة العربية والإقليمية، عندما أشار إلى أن ما يجري "برأ حماس" من كل الخطايا، ويعود الفضل لانهيار اتفاق أوسلو. باعتبار أن حركته ضد اتفاقية أوسلو؟؟!

 أما مسؤول العلاقات الفلسطينية في الحركة، فيعتقد أن أسباب "التحول"، و"طلب القرب" من حركته يعود إضافة لموضوع السلاح لـ "الظروف الصعبة التي تمر بها السلطة وحركة فتح، مع الجانب الأميركي والإسرائيلي، والعامل الثالث حسب وجهة نظره "تغير المحيط الإقليمي والعربي والأزمة المالية، التي تعصف بالسلطة"، ما دفع رئيس المنظمة وأقرانه في اللجنة المركزية لحركة فتح إلى الانفتاح نحو الشعب الفلسطيني". وكأنهم كانوا معزولين عن الشعب ونخبها السياسية؟! ولهذا قبلت حركة حماس بتواضع شديد الوقوف إلى جانب حركة فتح لـ"تنقذها" ومن أجل تجاوز هذه المرحلة، واستنهاض كل قوى الشعب الفلسطيني لمقاومة خطط إنهاء القضية الفلسطينية". أليست هذه المواقف تكشف عن عقم وإفلاس وخطايا سياسية؟

وكان أبو مرزوق بدأ حديثه قائلاً: "لم يكن هناك "نوايا حقيقية للمصالحة" في كل الجولات السابقة مع حركة فتح دون نزع سلاح المقاومة ودون الاستجابة لمطالب إقليمية ودولية متعلقة بمنهج وسياسات حركة حماس وبرامجها".، وبالتالي المشكلة والعقبة أمام المصالحة تتمثل في "مواقف" حركة فتح كما جاء على لسان القائد الحمساوي، وليس الانقلاب، وتمسك قيادة حماس به على حساب المصالح الوطنية العليا؟!

توقفت مليًا أمام ما طرحه كل من هنية وأبو مرزوق، وفكرت كثيرا قبل أن أكتب، هل من المنطقي والساحة تسير قدما نحو آفاق إيجابية إثارة الموضوع، ودحض التشوهات والمواقف غير المسؤولة، والتي فيها قلب للحقائق، وعدم موضوعية في مناقشة الأزمة الفلسطينية العامة أم اقفز عن الأمر، وأترك تشويه وقلب الحقائق؟ خلصت لنتيجة مفادها ضرورة تذكيرهما وكل قيادة حركة حماس، بأن العقبة الكأداء كانت وما زالت تتمثل في الانقلاب على الشرعية أواسط علم 2007؛ ورفض حركة حماس التوقيع على ورقة المصالحة المصرية علم 2009 (وقعت عليها بعد عامين من توقيع حركة فتح عليها وتحديدًا في أيار/مايو 2011)، وإصرارها على التخندق في إمارة غزة، ورفضها تطبيق أي من الاتفاقات المبرمة بين الحركتين وفصائل العمل السياسي الفلسطيني، ومنها إعلانا الدوحة 2012 والشاطئ 2014، واتفاقية أكتوبر 2017. ولهذا لجأت لتفجير موكب رئيس الوزراء رامي الحمدالله وماجد فرج .. إلخ.

وعلى صعيد الأزمة، لا أحد في الساحة يمكنه نكران الأزمة العامة العميقة التي تعيشها القضية والمشروع الوطني، كما تعيش حركة حماس أزماتها التنظيمية الداخلية، وأزماتها مع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، وفشل مشروع الإمارة في كل مناحي الحياة. وبالتالي الأزمة عامة، ولم تقتصر على فريق دون آخر، وكان من الواجب أن تقتنص حركة حماس الفرصة التي واتتها بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل في كانون الأول/ ديسمبر 2017، ثم نقل السفارة من تل ابيب للقدس ... إلخ. الجرائم التي ارتكبها لتمسك اليد الفتحاوية والوطنية التي مدت لها، وتعمل على تنفيذ الاتفاقات المبرمة، خاصة اتفاق اكتوبر 2017. بتعبير آخر، أخطأ كل من هنية وأبو مرزوق في عرض الموقف، وفتح ومنظمة التحرير والرئيس عباس ما زالوا يملكون كل أوراق القوة سياسيا وكفاحيا وماليا، ويستطيعون تجاوز كل المنغصات والتعقيدات بالحكمة السياسية وبمواصلة كل أشكال الكفاح السياسي والدبلوماسي والشعبي. لكنهم يدركون أن المصالحة كانت ومازالت الورقة الأهم، والأقوى في مواجهة التحديات. ولهذا لم تتوانَ حركة فتح وفصائل المنظمة والرئيس عباس عن تقديم المبادرة تلو المبادرة لتجسير الهوة مع حركة حماس، والاندفاع القائم الآن من قبل حركة فتح والكل الوطني لم يكن لحساب شخصي أو تنظيمي، إنما نتيجة حساب وطني عام، ولأن المصالحة إنقاذ للكل الوطني، وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، ومحاصرة المنبطحين والمستسلمين العرب، ووقف الضم وصفقة القرن كلها من ألفها إلى يائها.

لذا اتمنى على قادة حركة حماس الكف عن تغطية خطاياهم، والاعتراف بالأزمة التي تنخرهم، رغم حديثهم عن جزرة كوشنير، التي رفضوها، لأنهم يعلمون، أنهم سيؤكلون يوم تؤكل قيادة منظمة التحرير، ولإدراكهم أن بعض دول الخليج ترفضهم جملة وتفصيلا، وأن دورهم الوظيفي انتهى، حتى التنظيم الدولي بات يشكو من عبء الانقلاب. وعليه مطلوب التريث، والحديث بموضوعية، ودون تضخيم وقلب للحقائق، ودفع عربة المصالحة للأمام.