أدركت في صباح الثّامن عشر من كانون الثاني 2017 أنّهم يكذبون ويحرّضون فالعربيّ الفلسطينيّ في وطنه متّهم حتّى تثبت براءته. هو قاتل وعدوّ ولصّ ومخرّب ومتخلّف لا يؤتمن له، ويتحمّل المسؤوليّة الأخلاقيّة عن تحويل الشّاب البريء، رجل الأمن الاسرائيليّ، إلى قاتل، كما قالت الأمّ الرّوحيّة لمدرسة الأخلاق وهزّت كتفيها المتهدّلين متسائلة عن وجود الشّعب الفلسطينيّ.

القتيل العربيّ برصاص قوّات الأمن هو المسؤول عن مقتله، من صندلة إلى كفر قاسم، ومن عرّابة وسخنين وكفركنّا والطّيبة إلى أمّ الفحم والنّاصرة وشفاعمرو... والورق لا يتّسع للقائمة فكيف إذا أضفنا إليها ما يحدث لأهلنا في القدس والضّفة والقطاع؟

نحن مواطنون في أوراق القانون، نحمل الهويّة الزّرقاء وجواز السّفر ذا الشّمعدان والنّجمة السّداسيّة ونشارك باللّعبة الانتخابيّة، ولأنّ الدّولة ديمقراطيّة صادرت ملايين الدّونمات من أراضينا، من النّقب حتّى الجرمق، وعوّضتنا عنها بمخصّصات الشّيخوخة والبامبا. وهذه المواطنة تشبه المعجونة في يديّ السّلطان يحولّها متى يشاء الى فزّاعة أو ممسحة أو حبّة ملبس أو قطعة أنتيكا.

يعقوب أبو القيعان عربيّ فلسطينيّ من أم الحيران في النّقب، يحمل الجواز الإسرائيليّ والهويّة الزّرقاء. طردت حكومة إسرائيل عشيرته في العام 1956 من أراضيها ومنحتها لجارهم الكيبوتس وأسكنت العشيرة في أم الحيران في النّقب.

وفي فجر 18 كانون الثّاني 2017 هدمت الحكومة أم الحيران كي تقيم مستوطنة لليهود المتديّنين اسمها حيران.

شاهد المدرّس يعقوب قوّات الأمن والجرّافات في فجر ذلك اليوم تدخل القرية كي تهدمها، فحمل حاسوبه ودفاتر التّلاميذ وأوراقهم ووضعها في سيّارته وقادها ليبتعد عن الشّرّ.

شاهد العساكر سيّارةً تتحرّك خارجة من القريّة فأطلقوا عليها النّيران، هي سيّارة عدوّ، فأصابوا يعقوب وهم يعرفون أنّه لا يشكّل خطرًا على أحد، فتدهورت السيّارة واصطدمت بشرطيّ وقتلته.

شاهد العساكر العربيّ جريحًا ينزف دمًا فتركوه حتّى عادت روحه الى بارئها.

وأعلنت الشّرطة أنّ مخربًّا داعشيًّا قام بعمليّة ارهابيّة ودهس جنديًّا فقتله وتمّ تحييد الارهابيّ.

وتسابق الكبار في التّحريض على المدرّس القتيل من الجنرال روني الشّيخ، القائد العامّ للشّرطة، إلى جلعاد أردان وزير الأمن الدّاخليّ إلى رئيس الحكومة.

اشترى الإعلام الإسرائيليّ كالعادة رواية الشّرطة ودليلها القاطع أنّها وجدت عددًا من جريدة عبريّة فيها خبر موسّع عن داعش.

نعم. هذا دليل قاطع وبرهان ساطع. جريدة عبريّة عند عربيّ!!

لو لم يكن أبو القيعان عربيًّا لتحرّك الرّأي العام وجرت اعتصامات ومظاهرات وتسابق كتبة الأعمدة في اتّهام الشّرطة ومطالبة المسؤولين بالاستقالة ومقاضاتهم.

ولكن يعقوب أبو القيعان عربيّ فلسطينيّ ومدرّس رياضيات ويحمل شهادة اللّقب الثّاني في الهندسة، وزوجته تحمل شهادة الدكتوراة من جامعة بئر السبع وتعمل محاضرة في كليّة معروفة.. وملفّ المدرّس أبيض ناصع.

والعربيّ الجيّد هو العربيّ الميّت.

واليوم وبعد ثلاث سنوات ونصف يعتذرون للعائلة.

والعائلة لا تكتفي بالاعتذار، ونحن لا نكتفي بالاعتذار.

هناك من يجب أن يدفع الثّمن.