الدولة الإسرائيلية الاستعمارية قامت وتشكلت على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، وواصلت وظيفتها لاستكمال عملية التطهير العرقي ضد أبناء الشعب الذين تجذروا في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، ومن بينهم سكان قرية أم الحيران في النقب، المستهدفة بالتدمير الكلي لإقامة تجمع استيطاني استعماري على أنقاضها، حيث قامت أجهزة الأمن والشرطة الإسرائيلية في 18 كانون الثاني/ يناير 2017 بهدم 12 بيتًا من بيوتها، و8 منشآت زراعية، فتصدى لهم سكانها مع عدد من ممثلي القائمة المشتركة، وعلى رأسهم رئيس القائمة، أيمن عودة الذي أصيب أثناء المواجهة. لكن الأخطر كان الإعدام بدم بارد للمربي الفاضل يعقوب أبو القيعان، الذي كان متجهًا لمدرسته وبسرعة 10 كيلو متر في الساعة.

ومع ذلك رفض مدير الشرطة آنذاك، روني الشيخ الاعتراف بالجريمة، وتواطأ معه النائب العام السابق، شاي نيتسان، وأيضًا نداف ارغمان، رئيس جهاز الشاباك، الذي أمر مرؤوسه العميد المسؤول في الجهاز عن منطقة النقب بعدم الإدلاء بالحقائق، التي يعرفها، وتساوق مع الشيخ، ووجهوا الاتهام للأستاذ أبو القيعان، بأنه "مرتبط مع داعش"، وادعوا أنه قام "بتنفيذ عمل إرهابي ضد رجل الشرطة"، وأغلقوا ملف التحقيق بالقضية، وخرج في ذلك الوقت رئيس الوزراء الفاسد، بنيامين نتنياهو، وردد اتهامات الشيخ الكاذبة ضد الشهيد المربي، الذي أعدم بسبب هويته الفلسطينية العربية، وعلى خلفية عنصرية.

لكن عائلة الشهيد يعقوب، ومحامي الدفاع موشية كريف، ومركز عدالة، ولجنة مناهضة التعذيب بالإضافة للجنة المتابعة العربية العليا، وأعضاء القائمة المشتركة جميعهم تابعوا القضية أولاً لتبرئة الشهيد من التهمة الباطلة؛ ثانيًا لفضح وتعرية أجهزة الأمن الإسرائيلية المتورطة في القضايا الثلاث ذات الصلة بعملية القتل الجبانة، الأولى إعدام الشهيد أبو القيعان بدم بارد؛ والثانية تزوير الحقائق، وتشويه صورة المربي الفاضل؛ والثالثة إغلاق ملف القضية كليًا، والتهرب من عواقب الجريمة النكراء. ومن خلال المتابعة الحثيثة، تمكنوا من إعادة فتح الملف، وعلى إثر ذلك طلب وزير القضاء الإسرائيلي، آفي نيسانكورن يوم الأحد الماضي  من مفوض ما يسمى "ديوان المظالم" القاضي دفيد روزين بفحص ما نشر مؤخرًا بشأن أداء النيابة العامة، وقسم التحقيقات مع أفراد الشرطة الإسرائيلية بشأن قضية أم الحيران واستشهاد أبو القيعان دون أي سبب. وقبل المفوض ذلك الطلب، وسيعمل على إجراء فحص كامل بشأن ما نشر في القضايا الثلاث المذكورة آنفا لمنع تبرئة المربي يعقوب من جريمة لم يرتكبها.

وعلى إثر ذلك، اعتذر رئيس الوزراء، نتنياهو عن الاتهام الباطل للشهيد، وهو ما رفضته العائلة، وهذا ما عبر عنه حسام ابن الشهيد في تصريح أدلى به لموقع "عرب 48"، وطالب باسم عائلته، وسكان القرية الفلسطينية، أولا ربط الاعتذار بوقف عملية الهدم التي تستهدف القرى الفلسطينية في النقب؛ ثانيا تقديم القتلة من رجال الشرطة للمحاكمة؛ ثالثًا ملاحقة كل من حاول تضليل القانون بما في ذلك الشيخ وارغمان ويشاي؛ رابعا تقديم تعويض لعائلة المربي يعقوب مقدارها 20 مليون شيقل.

ولعل ما ساهم في كشف الحقائق، وإزالة عملية التزوير والتشويه المتعمدة ضد المربي أبو القيعان، هو احتدام الخلافات بين أقطاب الأجهزة الأمنية مع رئيس الوزراء الفاسد، ورغبة كل منهم في تصفية حسابات مع الآخر، دون إغفال دورعائلة الشهيد، والجهات القانونية الداعمة والمؤيدة للحقيقة وبالإستناد للوثائق، ومن ثم اعترافات رجال الشرطة بالتورط في عملية القتل دون مبرر، ومن دون أية أسباب موجبة لها. لا سيما أن المربي لم يستهدفهم، وكان يسير بهدوء شديد.

النتيجة الجلية أمام الجميع، أن الشهيد أبو القيعان تمكن بفضل جهود عائلته وكل المنظمات الحقوقية ذات الصلة ومحامي الدفاع من الشروع بمحاكمة القتلة، وبغض النظر عن شكل ومضمون المحاكمة، وقيمة التعويض، إلا أنه استطاع أن ينهض من قبره ويحاكمهم جميعًا، ويحاكم الدولة الاستعمارية وسياسة التطهير العنصرية، والدفاع في ذات الوقت عن كل القرى الفلسطينية غير المعترف بها كأم العراقيب، وأم الحيران وغيرها من قرى النقب البطلة، التي يواجه أبناؤها عمليات القهر والتمييز العنصري بإرادة فولاذية.