لا أهم من قدرة المناضل على تحويل السلبيات إلى ايجابيات في أي من مسارات الحياة المتنوعة وتحديدًا المسار السياسي كمركز توليد الطاقة اللازمة لنتاج قوة الدفع اللازمة لإدامة حركة الجماهير نحو أهدافها. 

اتبعت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح منهجًا وطنيًا ضمن لها التمكن والقدرة على الإبداع وخلق مخارج واقعية من أزمات مصيرية، أي أن نكون كشعب وقضية وثورة وحركة تحرر ونمضي نحو أهدافنا ونحققها بالتدرج، أو ننكسر ونستسلم بحكم ثقل الواقع وضغط الظروف. 

الإيمان العميق بقدرات وإرادة الشعب الفلسطيني، وخلاصة التجارب الكفاحية على مدى مئة عام كانت الطاقة اللازمة لإضاءة منارة الأمل، للاستدلال على شواطئ الأمان أثر كل إعصار دموي أو تدميري  أو سياسي يضرب قضيتنا ولعلنا نجد في مقولات الرئيس محمود عباس أبو مازن مثل: ارفعوا رؤوسكم لأنكم فلسطينيون"، وكذلك قوله: "يسألني البعض، هل أنت متفائل أم متشائم، فأقول: لا هذا ولا ذاك، إنما أنا صاحب حق، وما ضاع حق وراءه مطالب"، وقوله أيضًا: "إن النصر أمر حتمي والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين سينتهي رغم أنه سيستغرق بعض الوقت". أما الرمز الرئيس الشهيد ياسر عرفات المعروف بقدرته على توليد الأمل فكان دائما يردد في أشد لحظات المؤامرة على القضية الفلسطينية والحصار: "إني أرى النور في نهاية النفق المظلم"..وبقي –رحمه الله– يشبه الثورة الفلسطينية وقضية الشعب الفلسطيني بطائر الفينيق الأسطوري الذي يخرج من رماده حيًا بعد احتراقه، أما قوله: "سيرفع شبل من أشبالنا وزهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق كنائس القدس ومآذن القدس وأسوار القدس والنصر آتٍ، النصر آتٍ، والدولة على مرمى حجر"، فقد باتت بمثابة صورة المستقبل المحفورة سلفا في ذاكرة كل فلسطيني. 

المتجردون من قيم العربي وأخلاقياته، المنكسرة كرامتهم، المنقلبون على العهود والمواثيق، التابعون الذين لا يستطيعون العيش في كنف الحرية واستقلال القرار الوطني، الغدارون المطبعون اللاهثون للسقوط في أحضان الـ (سي.آي.ايه) و(الموساد) راهنوا على واقع سلبية الانقسام في الواقع الفلسطيني، ونعلم أنهم سيستمرون في اختراق الحالة الفلسطينية المستجدة، وسيقدمون الدعم لأدواتهم حتى يكسبوا الرهان، لكن هل يمكنهم تحقيق اهدافهم فيما الرئيس أبو مازن قائد حركة التحرر الوطنية ورمز الشرعية والتمسك باستقلالية القرار الوطني الفلسطيني يخاطب وجدان الشعب الفلسطيني بقوله: "لا تزال وحدتنا الوطنية أغلى ما لدينا، وهي أقوى سلاح لنا للتعامل مع خطط التصفية والمؤامرات ضد قضيتنا". كلنا بتنا نعلم حرص الرئيس أبو مازن على عقد اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، ورأيناهم وسمعناهم وهم يدلون بشهادات الاحترام والتقدير لمساعي الرئيس أبو مازن لتجسيد هذا الاجتماع  واستعداده لتقديم اشكال الدعم كافة لتحقيق اهدافه وتطبيق مخرجاته. 

لم يكن البيان رقم واحد للقيادة الوطنية الفلسطينية الموحدة للمقاومة الشعبية إلا تجسيدًا عمليًا لخطاب الأمل وتمثيلاً واقعيًا لإيمان المناضل القائد بقدرات وثبات وشجاعة الشعب، فالوحدة الوطنية لدى المناضلين الوطنيين عقيدة سياسية لا يجوز الانحراف عن مبادئها وقيمها وسلوكياتها وفروضها تماما كعدم جواز الانحراف عن العقيدة الروحية لأي انسان. 

على كل واحد منا تطبيق المنوط به كمواطن بمسؤولية وطنية عالية، لا هدف منها إلا الانتصار للوطن، فنحن إن لم نضرب مثلاً في العمل الوطني، وتلمسه حواس أبنائنا، ويصير درسًا يطبقون منهجه في مستقبلهم، فإننا بذلك سنطفئ جذوة الأمل  لديهم، وسنعتبر بحكم التاريخ كمن خان الأمانة، فالأمل يعلم، ويورث على شكل إنجازات مادية ملموسة، كما كل المعاني الفاضلة في الحياة. 

سيكون مفيدًا تقديم صورة شعرية للأمل رسمها الشاعر نزار قباني –رحمه الله– بعد معركة وحصار بيروت عام 1982 حيث صمد المقاتلون الفلسطينييون واللبنانيون حوالي ثمانين يومًا، وقاتلوا بشرف وشجاعة وصمدوا حتى خرج المقاتلون الفلسطينيون ضمن اتفاق بعد أن ركز جيش منظومة الاحتلال الإسرائيلي العنصري نيران أسلحته المتطورة ومن كل أصنافها على قصف الأحياء السكنية لإيقاع خسائر بشرية في المدنيين، وتدمير ما أمكنهم من بيروت الصامدة ..فقدم لنا نزار قباني الأمل بهذه الصورة: "هم حملوا شجرة الثورة على أكتافهم.. ليزرعوها في منافيهم الجديدة..ونحن حملنا جنازتنا على أكتافنا.. فلم نجد في المساحة الممتدة بين الخليج والمحيط، قارئًا يقرأ على روحنا القرآن.. أو قبرًا يرضى أن يضم عظامنا".