لا أعتقد أن هناك فلسطينيًا لا يشعر بالاختناق وضيق في النفس، نتيجة الإحباط الناجم عن الشعور بالغدر والغبن، صحيح أننا شعب يعيش حالة ضغط متواصلة منذ نكبة عام 1948، ولكن اليوم نشعر بظلم مضاعف بعد أن جاهر بعض الأشقاء بتآمرهم دون أي وجل أو خجل.

كنا طوال العقود الماضية، وبالرغم من معرفتنا المزمنة بتخاذل العرب وعجزهم، كنا نحاول إقناع أنفسنا بأمل كاذب. ولكن بمراجعة بسيطة وسريعة نلاحظ أن كل إنجاز حققه الشعب الفلسطيني جاء بعمل مباشر منه بعيدًا عن أعين ورقابة الأنظمة، واستطاع مواصلة نضاله في طريق وعرة وصعبة وشبه مستحيلة من خارج الوطن وداخله، بمعنى أن الكفاح الفلسطيني استمر رغمًا عن أنف الأعداء "والأشقاء".

بهذا المعنى وبغض النظر عما يحدث، فإن النضال الوطني الفلسطيني سيتواصل، ونحن تعودنا أن تكون هناك مراحل أسهل وأخرى أعقد، واليوم نحن في إحدى المراحل الصعبة، ولكنها ليست الأصعب لأن هناك حقيقة أقوى من هذا الواقع وهي وجود 6 ملايين فلسطيني على أرض فلسطين لهم هوية لم يعد هناك إمكانية لطمسها، وهم يشغلون حيزًا مهما من أرض وطنهم التاريخي، بالرغم من كل محاولات الإلغاء. اليوم لنا مؤسساتنا وجامعاتنا، ومدارسنا، ومستشفياتنا وإعلامنا.

من هنا ليس الأفق قاتمًا، بل العكس نحن اليوم سنعمل أكثر بالاعتماد على الذات، وبهذا نتخلص من الخداع الكاذب الذي كنا نعيش معه.

نحن شعب قوي تمرس على الكفاح جيلاً بعد جيل منذ أكثر من مئة عام، وأصبح الكفاح متوارثًا جينيًا، وكثيرًا ما كنا نردد أن الفلسطيني يرضع حب فلسطين مع حليب أمه، وهذة حقيقة ماثلة ملموسة وليست وهمًا.

الفلسطيني بحكم طول الصراع المعقد الصعب امتلك قدرة هائلة على التأقلم والابتكار، وامتلك ذكاء يستند لوعي وطني، ولو نظرنا إلى هذا الفلسطيني أينما وجد للاحظنا أنه يعيش، وبالرغم من ظروفه، أفضل بكثير من غيره من الشعوب القريبة والبعيدة.

في الأفق إنسان فلسطيني قد يحبط قليلاً ويصيبه بعض اليأس لكنه لا يفقد الأمل أبدًا بقدرته على تحرير وطنه، وهو متمسك بهدف التحرير هذا. ولعل المقولة الفلسفية العميقة التي أطلقها الروائي أرنست همنغواي "إن الإنسان قد يدمر ولكنه لا يهزم" أكثر ما تنطبق عن حال شعبنا الفلسطيني، فهذا الشعب لم يهزم بالرغم من المرات الكثيرة التي تعرض فيها للتدمير والتشريد والحصار وطعنات الأشقاء.

ليس كلامًا إنشائيًا أو كلامًا وهميًا بأن إرادة الشعب الفلسطيني الوطنية لم تكسر. والعدو هو أكثر من يدرك هذه الحقيقة، لذلك هو يحاول الالتفاف والقفز عن الحقيقة الفلسطينية مع المتخاذلين العرب.

والأفق ليس قاتمًا لأننا لو نظرنا بعمق لإسرائيل من الداخل لأدركنا أن هذه الدولة، وبالرغم من تقدمها التكنولوجي، إلا أنها دولة متخلفة ورجعية في الفكر السائد. فهو فكر من نتاج مرحلة الاستعمار والعنصرية. هكذا دولة هي تعيش في مأزق دائم حتى لو بدت متفوقة، والدليل أنها تعجز اليوم عن إنتاج قيادة بديلة، وأكثر من ذاك أنها تفتقر لوجود معارضة بلون فكري مختلف. أي لم يعد هناك ما كان الحال عليه (يسار ويمين)، فأصبحت كلها في خانة اليمين المتطرف العنصري، وهذا يؤكد هشاشة الحياة الديمقراطية، والتي هي بالأصل ديمقراطية زائفة تستند إلى فكرة عنصرية "يهودية الدولة "

وأخيرًا لأولئك العرب الذين لا يرون حقائق السياسة الدولية، نقول لهم: إن الحقيقة الأكثر ثباتًا في هذة السياسة أنها متغيرة، وأن أول متغير هو المرحلة الترامبية، التي عندما تنتهي سيكتشف الذين انخرطوا بها أنهم كانوا مجرد أدوات في لعبة محدودة لا تمتلك أية قيمة استراتيجية.. نعم الأفق الفلسطيني ليس قاتمًا، بل وأكثر من ذلك هو أكثر إشراقًا من أفق الآخرين، فنحن شعب نمتلك كرامتنا وإرادتنا الوطنية الحرة المستقلة.