التاريخ لا يعيد نفسه، لكنه الماضي وفيه عبر. والحاضر والمستقبل، جذورهما فيه. فاتحًا، تسلَّم عمر بن الخطاب القدس عام 636 م، وظلّت عربية وإسلامية إلى أن استطاع الصليبيون، بسبب الوهَن الذي أصاب العرب والمسلمين، احتلالها عام 1099م بالقوّة الغاشمة والقتل والتدمير لكل شيء حيٍّ صادفوه، حيث تقول كتب التاريخ إنهم ذبحوا 70 ألف مسلم في باحات الأقصى، وأن الدم العربي المسلم وصل إلى مستوى رُكب القتلة. أنشأوا الممالك الصليبية في فلسطين وجوهرتها مملكة القدس، إلى أن تمكَّن صلاح الدين الأيوبي، بعد أن وحّد القوى خاصة بين مصر وبلاد الشام، من تحرير القدس بعد 88 عاما على احتلالها، فجاءت الحملة الثانية بقيادة ريتشارد قلب الأسد، فأوقع في جيش صلاح الدين خسائر فادحة في معركة أرسوف، ربما لأن جيش صلاح الدين عاش على مجدِ معركة حطين، فخذل قادة الجيش صلاح الدين بطلبهم الموافقة على التفاوض مع ريتشارد قلب الأسد، فأذعن لهم رغم قوله لهم، لن يجتمع للأمّة مثل هذا الجيش، فكان صلح الرملة في حزيران 1192م، بعد 5 سنوات فقط من تحرير القدس عام 1187. عاد صلاح الدين مهمومًا إلى معسكره في الشام ووزّع الملك بين أبنائه وأخيه العادل وتوفي بعد عام من هذا الصلح، الذي أعطى للصليبيين كل الساحل مع بقاء الممالك الصليبية وحق الصليبيين في زيارة القدس وحرية التنقل.
تلا ذلك صراع ملوك الأيوبيين، وحروبهم التي استعانوا فيها ضد بعضهم بالأجنبي، خاصة بعد وفاة العادل، فلما شعر الكامل، ابن العادل بالخطر عليه من إخوته، تنازل عن القدس والكثير من الأراضي التي حررها صلاح الدين لفريدريك الثاني، الإمبراطور المهزوز والمحروم من الكنيسة والمحتاج لأي إنجاز يعيد له بعض القوة، بموجب اتفاقية يافا عام 1229م. كان اتفاقًا مهينًا، انتفض ضده أهل الشام ومصر، فلم يفلح رهان فريدريك الثاني، حيث استعاد المسلمون بقيادة الصالح نجم الدين أيوب القدس عام 1244م. مات الكامل دون مجد، ومات فريدريك الثاني مذموما في أوروبا، فسقط رهانه على استمرار انقسام ملوك الشام ومصر، وتطول قصة إعادة تسليم القدس وتحريرها، واستمرار الحملات الصليبية إلى أن هزمها المصريون بشكل حاسم ونهائي على يدي المملوكي قطز. 
يراهن ترامب على ضعف العرب وانقسامهم وتناحرهم وحروبهم وخوفهم من جيرانهم، وهو ضعيف ومهزوز وأزماته الداخلية والخارجية تشتد، كذلك ربيبته نتنياهو، كلاهما، كما فريدريك الثاني، يحتاجان إلى إنجاز ما. دول الخليج القوية جدًا ماليًا، تحتاج إلى الحماية، من بعضها ضد بعض ومن جيرانها، تركيا وإيران، ودولة المركز وقلب العرب، مصر، منهكة، تحيطها المخاطر والتحديات، وتحتاج إلى الإسناد المالي بشكل أساسي، لم تعد صاحبة القرار، على الأقل مؤقتًا، إلى حين استعادة قوتها وصيانة دورها كقائد مكرَّس للإقليم تاريخيًا، فتم القرار بالتضحية بالتاريخ والقيم والمصير المشترك والانقضاض على فلسطين، تاريخًا و دورًا واقتصادًا، ففرض ترامب وقبل بعض قادة العرب، بالتطبيع المجاني، الذي يعطي لترامب ونتنياهو مكاسب لم يتوقعا أن يحصلا عليها بهذه السهولة، ستعود عليهم بالمكاسب السياسية والاقتصادية التي تفوق التصور، كل ذلك كما يعتقدان.
من عبرة التاريخ، أن الرهان على الوهن والضعف والانقسام سيفشل. أصحاب الأرض، صامدون ويقولون إن الطعنات التطبيعية القاسية كطعنات السيف في الظهر، لن تثنيهم عن الاستمرار في حربهم الطويلة المستمرة، تمامًا كحرب تحرير القدس التي امتدت لعقود، وتخللها الكثير من الانتصارات والهزائم، وبقيت فلسطينية الجغرافيا والتاريخ والعروبة، لذلك سيسقط رهان ترامب، كما سقط رهان فريدريك الثاني.