العام 2020 استثناء في التاريخ، ومن المحطات الأكثر بؤسًا ولعنة على البشرية، ليس انتشار وباء "كوفيد- 19" وما تركه من آثار وانعكاسات على شعوب الأرض، وإنما لما رافقه من تطورات سوداء، وظلامية، وما حمله من أعباء كارثية على الإنسان، ولاحتدام الصراع بين شعوب الأرض عمومًا والأقطاب والكواسر خصوصًا.

منذ اليوم الأول لهذا العام والكرة الأرضية تسير بتثاقل، وإعياء شديد، تغيرت معالم ومعايير البشر، وتوقفت حركة الأرض، وسكنت نبضات الشعوب، وتدحرجت رؤوس على مساحة الكوكب، وفتحت أبواب المقابر، كما لم تفتح من قبل، أو كأنها استحضرت مقابر الحروب عمومًا، والحربين العالميتين خصوصًا. وأغلق كل شعب أبواب مدنه وقراه عازلا نفسه عن الشعوب الأخرى، ومانعا الآخرين من زيارته، وحتى الفضاء بات خاليا وحزينا في آن، لأن حركة الطيران نامت نوم أهل الكهف، إلا ما ندر ولأسباب خاصة تخدم مشاريع القراصنة، وأغمض سكان المعمورة عيونهم على سبات عميق. وازدادت العنصرية توحشا وانفلاتا داخل حدود الشعوب ذاتها، وتجاه بعضها البعض، كما جرى ويجري في أميركا وإسرائيل، وحتى في بعض دول الإقليم وحيثما ولى الإنسان وجهه، وغاصت الحضارة الإنسانية حتى ركبها في وحول الصراعات والدماء النازفة، والتغول الاستعماري الصهيوأميركي ومن لف لفه من قوى وأنظمة على الشعب الفلسطيني.

وعاش لبنان لحظة قاتمة في مسيرته نتاج الزلزال التدميري في مرفأ العاصمة، ومازالت تردداته وتداعياته تجوب الأرض اللبنانية كلها، وأعادته إلى عقود خلت من الهيمنة الاستعمارية المباشرة، حيث فقد أبناؤه القدرة على التعبير أو الدفاع عن أنفسهم، وسلموا أبواب البلد للبوارج الحربية وسادتها من أهل الغرب الرأسمالي بعد أن عاث الفاسدون فسادا، ونهبوا وأفلسوا الدولة، ودمروا كل مظهر من مظاهر الحياة الآدمية وفق المعايير الإنسانية المقبولة.

وأخذت المنظومة الرقمية تتمدد وتجتاح البشرية بما لها وعليها قبل الكورونا وأثناءها وستلاحقها بعد انتهاء موجتها الحالية. وما يجري الآن وفي قادم الأعوام مظهر من مظاهرالغزو الجديد للكون بالبطاقة الرقمية، التي أعدتها وجهزتها الشركات العالمية لاستعمار الإنسان كإنسان، بما هو عليه كذات فردية، ومن خلاله غزو الدول والأقاليم لصالح أباطرة المال، الذين لم يشبعوا من لحم الشعوب، ولم يرتوا من دمائها. وما فيروس كورونا سوى شكل من أشكال الغزو، وانتهاك حرمات وخصائص وخصال الأمم، واستغلال ثرواتها، وتجويعها، والقائها لقمة سائغة للوحوش والكواسر البشرية بعد استباحة القوانين والمواثيق الأممية، وتسييد قانون الغاب ليصبح الناظم لعصر ظلامي جديد، قد يعيد الكوكب برمته لحقب قديمة اندثرت في التاريخ الغابر. لا سيما وأن المسيطرين على مقاليد القرار في العالم مسكونون بخرافات وخزعبلات الميثالوجيا، ولا يتورعون عن ارتكاب حماقات وجرائم حرب دون وازع أخلاقي أو قيمي أو قانوني. وآخر بلاهات العام المجنون، اقتراح أحد النواب النرويجيين،"تيبررننغ جيد" منح الرئيس الأميركي، ترامب جائزة نوبل، جاء ذلك في تصريح له أمس الأربعاء بعدما قدم الطلب للجنة الجائزة لـ"إنجازاته" في صناعة السلام أكثر من غيره؟؟!!! إنها مهزلة التاريخ والبشرية، وسقوط مدو للجائزة والقائمين عليها في حال تم قبول الطلب، وإسدال الستار على قيمتها الإنسانية.

عالم يتشكل حاملاً كل التناقضات والصراعات بين العلم و"الهاي تك" وبين الخرافة، بين تطور البشرية والعمل على حمايتها وفق القوانين الوضعية، وصيانة حرياتها وكراماتها، وبين تأبيد التمييز العنصري، وقهر الشعوب، واستنزاف ثرواتها، وفرض الخاوة والبلطجة عليها، ومواصلة إخضاعها للاستعمار التقليدي القديم.

الانزياحات الكونية تتحرك ببطء، ولكن بخطى ثابتة لنقل البشرية من عصر إلى عصر، لم تتضح معالمه تمامًا، لكن المؤشرات البائنة حتى الآن تشي بأن ما هو قادم قد يكون موحشًا وسرياليًا وبلا ملامح في حال انفجرت براكين الحرب النووية. ولا أدري إن كانت القوى الحاملة للخير والسلام والعدالة قادرة على ضبط إيقاع قراصنة العصر الآيل للسقوط والاندثار أم لا؟؟

لكن من المؤكد أن صناع السلام والحرية سيعملون لحماية وبناء صرح الحضارة البشرية القائمة على المساواة والعدالة. بيد أنهم لا ينجحون دوما، ومحطات وحروب الأمم العالمية والإقليمية والبينية ماثلة أمام شعوب الأرض قاطبة. لذا مطلوب من كل محب للسلام ألا يحمل وردة، وينادي بالسلام فقط، بل مطلوب تشكيل جبهة عالمية واسعة من بني الإنسان جميعًا لوقف فلتان وفوضى الوحوش الآدمية.