تقرير: عنان شحادة 

 

ينهمك المسن علي احمد عطية جابر (82 عامًا) من بلدة الخضر جنوب بيت لحم، برفقة افراد أسرته أولادا وأحفادا، بإعداد مربى "دبس" العنب في تقليد سنوي يرافق الموسم.

 

ويحرص المزارعون في الخضر التي تشتهر بزراعة العنب على مستوى فلسطين الى جانب محافظة الخليل، على صناعة الزبيب، والملبن، والمربى، والدبس، والخل، وغيرها من منتجات العنب، حتى بات ذلك ارثا تتناقله الأجيال فيما بينها منذ عشرات السنين.

 

"زراعة العنب في وقتنا الحالي تختلف جذريا عما كانت عليه في السابق، وهناك تراجع واضح مرتبط بالواقع المرير الذي يواجه المزارعين بفعل معوقات وممارسات الاحتلال التدميرية، وغياب سياسة التسويق للمنتج، وهو ما ألقى بظلاله السلبية على المردود الاقتصادي"، قال المسن جابر.

 

ويضيف أن 75 عاما من عمره مرتبطة بالأرض، ويستذكر عندما كان والده يصطحبه معه، وهو ما يتكرر معه باصطحابه لأولاده وأحفاده وحثهم الدائم على التواجد بالأرض والتمسك بها.

 

في السنوات الخوالي، يقول جابر، وما قبل الاحتلال الإسرائيلي كان يمكث أياما بل أشهر في الأرض للعناية بها.. يقطف العنب ويقوم بتسويقه، وتحويله الى منتجات مختلفة.. وكان الإنتاج وفيرا جدا، وكنا نقوم بتصديره الى الأردن من خلال سيارات كبيرة كل واحدة تتسع لـ 18 طنا، لكن ما بعد الاحتلال في العام 1967 اختلف الوضع وبدأت الأحوال تتغير، بعد سلب الأرض وإقامة المستوطنات والبؤر الاستيطانية ومحاربة المزارعين.

 

وأضاف، انه مع بداية الخمسينات من القرن الماضي تطورت زراعة العنب وتوجه سكان البلدة الى زراعة القسم الأكبر من أراضيهم بشجرة الكرمة، بعد أن كانت تعتمد على زراعة اشجار اللوزيات والقمح والذرة البيضاء، مشيرا الى أن مساحة الأرض المزروعة بالعنب كانت لا تتجاوز 5000 دونم قبل أن تتوسع الزراعة لتصل نحو 20 ألف دونم. 

 

وموسم العنب بالنسبة لأهالي بلدة الخضر وغيرها من بلدات محافظتي الخليل وبيت لحم، يمثل موسما احتفاليا من خلال الأجواء الأخوية ومساعدة البعض، سواء في قطفه او تحويلة الى دبس أو زبيب أو ملبن، وتدخل مختلف العائلات في منافسات حول من يتحصل على عائد مالي أكثر من بيعه.

 

ويستذكر جابر، انه في العام 1956 ضُرب المثل بالمرحوم محمد الزياح، الحاج أبو شوقي، عندما جمع 100 دينار أردني في موسم ذلك العام، بينما جمع والده 63 دينارا من مساحة تبلغ 30 دونما، لافتا ان كيلو العنب كان يساوي قرشا ونصف القرش.

 

"بعد يوم عمل شاق في الأراضي كان يتجمع أصحابها في حلقات سمر ليلية ينشدون الزجل الشعبي ويرقصون في هداة بال وفرح" قال جابر، لافتا الى أنه عندما كان الشبان يريدون الزواج، يقوم والديهم باختيار شريكة حياتهم من أسرة تهتم بالأرض حتى تكون عونا لهم، وعليه شكلت المرأة على مدار عشرات السنوات شريكة حقيقية للرجل في العناية بالأرض وتسويق منتجاتها. 

 

وتطرق الى منتجات العنب من الدبس والزبيب والملبن قائلا: إن أول من قام بعمل "الدبس" في الخضر هو المرحوم على أبو محمد من عائلة صلاح مع بدايات الخمسينات من القرن الماضي، اما الملبن فاقترن باسم الحاجة سعده عطا الله وهي والدتي.

 

ويؤكد المسن جابر، أن شجرة العنب مذكورة في الديانات الثلاث، وهي مدنية بمعنى انها تحتاج الى عناية فائقة، والفلاح كان في السابق يعمل مع الشجرة" او كما تسمى " الدالية" أكثر من 200 يوم تبدأ من الحراثة، والتقليم، والرش 5 مرات ثم تغطيتها، ويتراوح عمرها ما بين 30-50 عاما حسب قوتها وطبيعة الأرض والاهتمام بها، وكان هناك عائد مادي ومصدر رزق لصاحب الأرض.

 

يقول عضو مجلس العنب الفلسطيني وجمعية مزارعي بيت لحم، محمود عبد الله، إن بلدة الخضر تعتمد بشكل أساسي على الزراعة، وبها أكثر من 13000 دونم مزروعة بمختلف المحاصيل، ويحتل العنب المرتبة الأولى بواقع (7060 دونما)، منها (4800 دونم) منتج، تنتج (5080 طنا) من العنب يسوق في غالبيته طازجا، ويصنع منه 15% أي (720 طنا) الى منتجاته الثانوية من دبس وملبن ومربى عنب، ويقوم على خدمته (1260) مزارعا، في حين يبلغ عدد أشجار العنب المزروعة (4947200) شجرة.

 

وهناك أنواع مختلفة من العنب، منها: الدابوقي، والجندلي، والزيني، والحلواني، والبيتوني، والشامي..

 

وأشار عبد الله الى أن المزارع يعاني الكثير إضافة الى معاناة الاحتلال، وأن هناك اغلاق للأسواق امام المزارعين والمزارعات في مدن القدس ورام الله وبيت لحم، مع اغراقها بالعنب الإسرائيلي، بالإضافة الى صعوبة التنقل والوصول من الحقل الى السوق والكلفة العالية. 

 

وأضاف أن تكاليف مستلزمات الإنتاج عالية جدا، وبالتالي تصل التكلفة للكيلو الواحد من 3-4 شيقل، عدا عن عملية التذبذب في الإنتاج، يضاف الى ذلك جائحة كورونا هذا العام وأثرها على تنقل المزارعين وتأثيرها على وضعهم الصحي.