في كتاب عمرو موسى، وزير خارجية مصر وأمين عام الجامعة العربية الأسبق، "كِتابِيَه" وتحت عنوان "مكافحة الشرق أوسطية والهرولة" شرحٌ مفصل لمفهوم الشرق الأوسط والشرق الاوسط الجديد والشرق أوسطية والتي بدأت الولايات المتحدة الأميركية وربيبتها إسرائيل بتسويق هذا المفهوم منذ عام 1991 ، بدءًا بمؤتمر مدريد مرورًا بمنتديات دافوس الاقتصادية، وتحوّلها الى منتديات بتسميات جديدة مثل "مؤتمر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا MENA" والتي توالت في المغرب ومصر والأردن منذ عام 1994، وكان هدفها المركزي التطبيع من خلال مشاريع اقتصادية ضخمة مثل ما أعلن في نهاية مؤتمر عمّان 1995 بقيمة 100 مليار دولار، لم تنفذ ولم تعد على العرب بأي فائدة، لأن أمريكا وإسرائيل جعلت كل المشاريع تمر عبر إسرائيل، بتركيز على "أمن إسرائيل" الضروري لتنفيذ أي مشروع.

في مؤتمر عمّان، استخدم عمرو موسى لأول مرة مصطلح "الهرولة" سياسيا للتنبيه إلى خطورة الاندفاع العربي للتطبيع مع إسرائيل، دون مقابل، أي مجّانًا، وكان منذ توليه وزارة الخارجية المصرية قد بدأ يحاول إعادة مصر لدورها القيادي للأمة العربية بعد غياب سنوات طويلة تلت خروج مصر من دور القائد بتوقيعها اتفاقية كامب ديفيد، وربما أثمرت جهوده بجعل "الهرولة" مشيًا بطيئًا بإطلاق مبادرة السلام العربية في قمة بيروت 2002، والتي في جوهرها استعداد العرب للتطبيع بشروط أهمها وقف العدوان الإسرائيلي والانسحاب من لبنان وسوريا وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 4 حزيران 1967.

عدوانية إسرائيل وغطرستها وبالدعم الكامل من الولايات المتحدة، لم تلقِ بالا لكل الجهود الدبلوماسية واستمرت في ارتكاب مجازرها وبتفريغ كل الاتفاقات معها وخاصة كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو من أيّ مضمون، والتفاصيل يعرفها كل مواطن عربي مما يغنيني عن الغوص فيها. ودخل في رَوْع العرب وخاصة دول الخليج، أنهم مهددون في أمنهم من دول الجوار، إيران وتركيا لاحقًا، وحمايتهم تكون من قبل الولايات المتحدة، ليس فقط بما ينفقونه من أموال ضخمة، وإنما عبر التطبيع مع إسرائيل كشرط أساسي.

لذلك صمتوا عمليًا عن نقل ترامب للسفارة إلى القدس و"صفقة القرن" التي هي صفقة العار، ولمّا تباطأ التطبيع، ألقت الولايات المتحدة ببراعة تآمرية بموضوع " الضم" ليصبح موضوع بطولة لدولة الإمارات العربية فتبرِّر اتفاقها مع إسرائيل على التطبيع الكامل لتجميد الضم...وطبعا سبق ذلك فتح مكاتب التمثيل الإسرائيلي في عدة دول عربية ومشاركة وفود إسرائيلية في مؤتمرات اقتصادية وسياحية ورياضية...

 سقط مفهوم الهرولة الذي حذّر منه عمرو موسى، وحلّ محله الركض السريع جدًا لتحقيق الانتصار في السباق لوصول خط النهاية، خط العار.

وحدها فلسطين، قالت لا رغم أوسلو وتبعاتها، ورغم أوجاعها، وجرائم الاحتلال اليومية، وتوجّهت إلى أمتها العربية وعلى لسان محمود عباس، رئيس منظمة التحرير، وكل أعضاء القيادة، طالبة منهم فقط عدم الهرولة، والالتزام بالحد الأدنى من الدعم، وقالت: نحن سنفشل صفقة القرن وخطة الضم، بإرادة شعبنا وصموده ومقاومته، وفلسطين وخاصة قلبها القدس بمقدساتها ليست للبيع او المساومة...للأسف، وصلت دولة الامارات العربية، دولة بانيها الأب العربي الأصيل زايد الخير، إلى خط النهاية ،خط العار ، فهل من مجال للعودة لمحوِ هذا العار.

 لك يا شعبنا إرادتك وسواعد ابنائك، لا لليأس، فالشعوب العربية وأحرار العالم معك، فلا الشعب المصري أو الأردني، قبل بالتطبيع، ولا قياداته فرضت على شعوبها ذلك، وهي بعيدة عن الهَرولة.