اتفاقية دولة الإمارات مع إسرائيل وإدارة ترامب، هي الشعرة التي قصمت ظهر النظام العربي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية مع تأسيس الجامعة العربية عام 1945. هذا النظام لم يعد له وجود عملي، كما لم يعد هناك من مغزى ومعنى حقيقي لمفاهيم العمل العربي المشترك، والتضامن العربي، فما بالكم بالحديث عن الوحدة العربية، التي أصبحت حلمًا بعيد المنال.

باختصار نحن اليوم أمام نظام شرق أوسطي جديد تكون فيه إسرائيل دولة محورية حليفة لعرب ضد عرب، أو حليفة مع عرب ضد دول إقليمية، أو حليفة لدول اقليمية ضد عرب، وفي المحصلة لم يعد الحديث عن نظام عربي بالمعنى القديم موجودًا.

هذا التطور لم يحدث فجأة، بل أن قرار الإمارات جاء تتويجًا لمسار طويل تعامل خلاله الاستعمار بمنطق أن لا وجود، أو يجب ألا يكون هناك وجود لشيء اسمه أمة عربية، والدليل أنه استخدم منذ البداية مصطلحات مثل الشرق الأدنى أو الشرق الأوسط بدل المنطقة العربية.

كما علينا ألا ننسى أن هذا المسار بدأ عمليًا منذ وعد بلفور عام 1917، عندما قرر هذا الاستعمار زرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي. أما الاجهاز على هذا النظام العربي فقد بدأ مع اتفاقيات كامب ديفيد  بين مصر وإسرائيل، وقبول العرب لاحتلال بيروت عام 1982، ومن ثم بالاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، والقبول، وبمشاركة عربية، بتمزيق العراق وسوريا وليبيا واليمن.

كافة التطورات والمؤشرات كانت تقود إلى هذه النتيجة المرة، فمسلسل الانحطاط يتواصل، ويبدو أنه سيبلغ ذروته خلال الأشهر القليلة القادمة. فقرار الإمارات هو بداية تنفرط معها مسبحة العرب بسرعة، لذلك علينا أن لا نتفاجأ في كل مرة، فمن هنا وحتى الانتخابات الرئاسية الأميركية  في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر القادم قد تقدم دول عربية أخرى هداياها السخية لترامب كي يبقى سيدا للبيت الأبيض فترة اخرى.

كنا من الممكن أن نصمت لو لم تستخدم الإمارات فلسطين، وأن تقدم لترامب هدية انتخابية من جيب الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، أو أن تبرر هذه الهدية بورقة الضم. كنا قد نصمت لو قالت الامارات بوضوح وصراحة: نحن في حالة تنافس مع قطر  في ساحة الأزمات العربية والإقليمية، أو أن يقولوا إنهم يريدون الحماية الأميركية والإسرائيلية لأنفسهم من إيران وغير إيران، ولكن ان يستخدموا القضية الفلسطينية ورقة تين أو أن يقبلوا ببيع القدس فهذا لا يمكن السكوت عنه، بل يجب مواجهته بحزم وقوة.

كم مرة على الفلسطيني أن يختبر الشعور بالظلم والطعن بالظهر؟ كم مرة تريدونه ان يرى وطنه وقضيته تباع وتشترى؟ لقد قرأت دعوة د.صائب عريقات لأمين عام الجامعة العربية، التي تعبر عن مرارة شديدة، عندما قال له: إما أن تأخذ موقفًا قويًا أو تستقيل. المشكلة أن هذا النظام العربي الذي يمثله الأمين العام أصبح من الماضي. فالمطلوب الآن هو أن يضع الفلسطينيون لأنفسهم استراتيجية جديدة، استراتيجية تنطلق من فهم عميق للواقع الاقليمي والدولي، فلا النظام العربي يمكن الرهان عليه، كما أن المنطقة والعالم لم يعودا كما كانا في السابق.

هناك عناصر مهمة يمكن البناء عليها، في طليعتها وحدة وصمود الشعب الفلسطيني، هذا العنصر كان ولا يزال يمثل الأمل، وعلينا ألا ننسى ان ثورة الشعب الفلسطيني عام 1965 لم تكن مقبولة من النظام العربي، لكنها فرضت نفسها عليه.

صحيح أنه منذ ذلك التاريخ لم يألُ هذا النظام جهدًا لتدمير ومحاصرة واحتواء الثورة، لكننا نجحنا بوحدتنا وصمودنا وكفاحنا، أن نضع قضيتنا مجددًا على الطاولة. كما أن هناك دولاً مهمة في العالم لا تزال تؤمن بان الشرق الأوسط لا يمكن أن يستقر أو يهدأ إلا عبر إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية. وهنا أشير إلى ردة الفعل الفرنسية على الاتفاقية الإماراتية الإسرائيلية،  فقد دعت باريس إلى الغاء مخطط الضم نهائيًا وليس تجميده. عبر هذه العناصر وغيرها يمكن ان نواصل نضالنا ونقلب الطاولة على المتخاذلين، لأن فلسطين والشعب الفلسطيني هما حقيقة لا يمكن القفز عنها، هذا ما يقوله التاريخ والواقع.