ما زال غبار تفجير مرفأ بيروت يتطاير، وجراح الشعب اللبناني الشقيق تنزف، وقوافل أساطيل الغرب الرأسمالي تتوافد على العاصمة اللبنانية لاستكمال ما بعد التفجير من خطوات، وللتغطية على ما يجري في لبنان، وتحت نيران ودخان ميناء العاصمة اللبنانية جرى تمرير خطوة خيانية خطيرة أعلن عنها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب مساء يوم الخميس الماضي الموافق 13/8/2020 عنوانها التطبيع المجاني بين دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الاستعمار الإسرائيلية، وتلا ذلك صدور موقفين رسميين من كل من محمد بن زايد، خاطف الحكم من أخيه خليفة بذريعة المرض، وقاتل أخيه سلطان بوسائل لا يعلمها إلا الله، ومقزم أدوار أشقائه أبناء فاطمة، ومن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل الفاسد، أكدا ما أعلنه العراب الأميركي.

ولكن كان هناك تباين نسبي في خلفيات مواقفهما من عملية التطبيع الخيانية، ابن زايد، الذي لا يمت لزايد الأب بصلة، لأنه لم يكن ليقبل نهائيًا هذه المهزلة، أدعى أن التطبيع جاء لـ "يوقف الضم" للأراضي الفلسطينية. رد عليه نتنياهو المأزوم والفاسد مباشرة، بأن لا علاقة لموضوع الضم بعملية التطبيع، وأنه لن يوقف الضم، وهو ينتظر الضوء الأخضر الأميركي، ليس هذا فحسب، بل أنه أكد بعدم السماح بوجود دولة فلسطينية بين النهر والبحر. وبالتالي كذبة ولي العهد الحاكم بأمره في الإمارات لم تنطلِ على أحد، ولم يسمح بيبي بتمريرها، وفقأ عينيه بما أكده، من أنه حقق "نبوءته" بالانقلاب على محددات مبادرة السلام العربية، ليس هذا فحسب، وإنما تصفيتها كليًا، لأنه نجح في قلب الأمور رأسًا على عقب من خلال دفنه مبدأ "الأرض مقابل السلام" وتحويله لمبدأ "السلام مقابل الاستسلام العربي"، لأن منطق نتنياهو وأقرانه الصهاينة يقوم على تطويع العقل والمنظومة السياسية الرسمية العربية، وإن استطاع غسل دماغ الوعي العربي الشعبي، فهذا بالضرورة سيكون أهم انجازات الصهيونية، وهو ما لن يحدث مهما كانت النتائج.

الخطوة الإماراتية التطبيعية المجانية خطيرة بكل المعايير على قضية العرب المركزية، أولاً لأنها تساوقت مع الرؤية الصهيونية اليمينية المتطرفة؛ ثانيًا انقلبت على قضية العرب المركزية، قضية فلسطين، وسعت بِشكلٍ واضح لسحب البساط من تحت أقدامها كمقدمة لتصفيتها؛ ثالثًا التناغم مع صفقة العار الترامبية، والعمل على تمريرها بشكل تدريجي؛ رابعًا لم تأتِ هذه الخطوة من فراغ، إنما جاءت بعد سلسلة من الخطوات التطبيعية العربية الرسمية المجانية كقمة المنامة الاقتصادية العام الماضي؛ خامسًا لما تحمله من أخطار وتداعيات متدحرجة على مستقبل المنظومة العربية الرسمية، لأنها تعتبر بمثابة معول هدم إضافي لجدران آخر ما تبقى من النظام العربي، ولإزالة آخر أوراق التوت التي تستر عورة أهل النظام الرسمي العربي؛ سادسًا كونها شكلت انقلابًا جذريًا على مقررات مؤتمرات القمم العربية والإسلامية، وحتى على مبادئ ومنظومات الأمم المتحدة الناظمة لعملية السلام؛ سابعا الانقلاب والتصفية الكلية لمبادرة السلام العربية، وليس على محدداتها واولوياتها، لأن الناظم الأساس للتطبيع المجاني لا يمت بصلة للمبادرة.

كما أن ربط بن زايد بين التطبيع الخياني ووقف الضم للأرض الفلسطينية، ليس كذبة كبيرة فقط، إنما لا علاقة له من حيث المبدأ بالموضوع برمته، لأن المسألة الفلسطينية أعمق من ذلك، وأبعد من عملية الضم الجزئية، الموضوع يتعلق بإزالة الاستعمار الإسرائيلي كليًا عن أرض فلسطين، والسماح باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين لديارهم التي طردوا منها عامي النكبة 1948 والنكسة 1967، هنا جذر المسألة الفلسطينية، ومن هنا تبدأ الحكاية والأولويات، وأضف إلى ذلك، أن عملية التطبيع المجانية الخيانية لا تخدم دولة الإمارات، ولا تحفظ حكم محمد بن زايد، ولن تحميه من الشعب الإماراتي نفسه، ولا من قوى التغيير القومية في الإمارات وغيرها من دول الخليج والأمة العربية كلها.

جريمة التطبيع الخيانية تستدعي ردًا فلسطينيًا واضحًا وحاسمًا أولاً العمل على ترميم جسور الوحدة على أساس الاتفاقات المبرمة بين حركتي فتح وحماس؛ ثانيًا تعزيز النضال والمقاومة الشعبية في كل الأرض الفلسطينية؛ ثالثًا تعزيز العلاقات مع أحزاب وقوى حركة التغيير القومية والديمقراطية في الوطن العربي؛ رابعًا تعميق العلاقات مع الأنظمة العربية الرافضة لخيار الاستسلام؛ خامسًا حملة عربية قومية وأممية ضد التطبيع المجاني، وفضح وتعرية الجريمة الخيانية الجديدة؛ سادسًا تحذير أيّة دولة عربية من التساوق مع الخطوة الإماراتية الجبانة والرخيصة ... إلخ