وسنقاوم موحَّدين وعلى قلب رجلٍ واحدٍ، وليس أمامنا خيارُ آخر، فنحن المؤتمنون على أرض، ومقدسات وأهل فلسطين.

يا جماهير شعبنا الفلسطيني في كل أرجاء الوطن، وفي كل ساحات ومناطق الشتات.....

نشهد اليوم حلقة جديدة من حلقات تفتيت الأمة العربية، ومحاولة تقويض أركان القضية الفلسطينية، بما ينسجم مع متطلبات صفقة ترامب الصهيونية. وفي أحلك الظروف، جاء الاعلان الثلاثي الاميركي الاماراتي الاسرائيلي على اتفاق السلام مع (إسرائيل) حول تطبيع كامل للعلاقات بين دولة الاحتلال الاسرائيلي، ودولة الامارات العربية مقابل إدعاء تعليق مؤقت لمخطط ضم الاراضي الفلسطينية، وبسط السيادة الاسرائيلية عليها، علماً أن هناك إصراراً ميدانياً من دولة الاحتلال على تكريس الاحتلال، وضم أجزاء من الاراضي الفلسطينية وخاصة مدينة القدس.

ولا شك أن القيادة الفلسطينية ونظراً للمخاطر الكبيرة على القضية الفلسطينية اعتبرت هذا القرار خطوة مدمِّرة على طريق نسف مختلف القرارات والانجازات السياسية والقانونية والدبلوماسية، التي تم إنجازها خلال السنوات السابقة لصالح القضية الفلسطينية، وخاصة تلك التي تتعلق بالحقوق والمقدسات الفلسطينية، وعلى رأسها قضية القدس العاصمة التاريخية والأبدية لدولة فلسطين.

كما أن البيان الذي أصدره نبيل أبو ردينة باسم الرئاسة، والذي اعتبر هذه الخطوة من دولة الامارات خيانة للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية، معتبراً أنه ليس من حق أي طرف التحدث نيابة عن الشعب الفلسطيني. كما أن د.صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية أكَّد أن هذه الخطوة طعنة كبرى في ظهر الشعب الفلسطيني، علماً أَنَّ مبادرة السلام العربية نصت على ان تطبيع العلاقات مع إسرائيل لن يتم إلاَّ بعد إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران العام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وايجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين حسب قرارات الشرعية الدولية.

إنَّ الدور المحوري والمركَّز الذي قام به شعبنا بقيادة م.ت.ف هو الذي أدى إلى وقف خطة الضم. وليس  صحيحاً أنَّ التطبيع الاماراتي مع (إسرائيل) هو الذي يوقف الجرائم الاسرائيلية وعملية الضم. إنَّ التطبيع في جوهره وأبعاده هو تشجيع لدولة الاحتلال، ومكافأة لها على جرائمها، وهو تثبيت للاحتلال والاستيطان الاستعماري على حساب شعبنا ومستقبله ومصالحه وحقوقه الوطنية.

في هذا الزمن العربي الرديء حيث نفتقد للقرارالعربي المصيري الذي يحتضن القضية الفلسطينية، كما نفتقد للقرار العربي الجامع والمانع الذي يحمي ثوابت القضية الفلسطينية، ويصونها كونها هي جوهر الصراع ضد الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية والعربية، وفي هذا الزمن الذي تضعضعت فيه ركائز الإنتماء القومي العربي، وتفككت فيه الروابط القومية، ليدخل الاستعمار الأميركي والكيان الصهيوني في صُلب التركيبة الرسمية، والتوجهات السياسية العربية، ورسم الخيارات المستقبلية فإنَّ القضية الفلسطينية للأسف الصهيوني تفتقد ومنذ سنوات طويلة إلى هذا الدعم القومي العربي بوجه الاجتياع العسكري والعنصري.

إنَّ هذا الافتقاد للدور القومي العربي بات جلياً اكثر من أي وقت مضى، خاصة منذ الاعلان عن تطبيق صفقة القرن، وجوهرها شطب كل ما له علاقة بالقرارات الدولية التي تنص على حل الدولتين على حدود العام 1967، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

ونحن في حركة فتح نرفض كافة المبررات  التي جاءت على لسان المصادر الرسمية الاماراتية، ومنها أنَّ هذا الاتفاق يوقف قرار الضم الاسرائيلي، ويحافظ على قابلية حل الدولتين، ويخلق احتمالات جديدة في عملية السلام، ووضع استراتيجيات جديدة من الامارات (واسرائيل) وواشنطن تخدم التعاون في الشرق الاوسط، وعملية السلام.

ونحن نؤكد في حركة فتح بأننا متمسكون بمنطلقاتنا في إدارة الصراع ضد الاحتلال مهما كانت الصعوبات والتعقيدات، ونحن متجذِّرون في أرضنا، ومتمسكون بمقدساتنا، وثورتنا مستمرة. ونأمل من كل الدول العربية الالتزام بالقرارات والمبادئ الأساسية الدولية التي أقرت الحقوقَ والحلول العادلة للقضية الفلسطينية، ولعودة اللاجئين إلى ديارهم، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود العام 1967، ونذكِّر الدول العربية بالمبادرة العربية التي تحرِّم تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني قبل إقامة الدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين .

ونتمنى وقف هذه القفزات السياسية البهلونية التطبيعية، والتي لا تخدم الشعب الفلسطيني ولا الأمة العربية، وانما هدفها الوحيد تجذير الوجود الصهيوني في الاراضي الفلسطينية أولاً، ثم إمتداداً إلى الارض العربية تنفيذاً للشعار الصهيوني والذي هو جزء من العلم الصهيوني (حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل).

وحتى لا يُصبح التطبيع نهجاً، وعقيدةً، ومخرجاً للعدو من مآزقه، فإننا وباسم شعبنا الفلسطيني ندعو هذه الأمة بكل مكوناتها أن تنفذ إلتزاماتها القومية والمبدئية تجاه فلسطين وشهدائها وأسراها، وأهلها المُعذَّبين تحت وطأة وجبروت الاحتلال والعدوان الصهيوني المتواصل بزعامة ترامب ونتنياهو. ونقول لهم : أين تعهدكم بتأمين شبكة الأمان المالية في القمة العربية السابقة، ولماذا تركتم الأسرى والشهداء دون رواتب؟!

كما نقول أين تعهدكم بحماية القدس وأقصاها من القرار العنصري (قرار ترامب -نتنياهو)؟!

وأين هي  المليارات العربية التي تعهدتم بدفعها لأصْحاب البيوت التي دمَّرها  العدو لأهالي الشهداء والاسرى، والمؤسسات الفلسطينية، والذين دُمِّرت بيوتهم بحجة أنها غير شرعية، وهي بالمئات. وأصحابها بأمس الحاجة إلى المساعدة كي يستمروا على أرضهم، ويرفضون الهجرة من قراهم وبلداتهم حتى لو عاشوا في خيام وبين الركام.

ونسألكم يا دولنا العربية أين هي مساعدتكم لأصحاب المتاجر الفلسطينيين  الصامدين الصابيرين في أسواق القدس القديمة، والذين يخضعون لأسوأ أنواع الابتزاز والمحاربة الاقتصادية، والأمنية والادارية من أجل إرغامهم على إقفال محالهم التجاربة، وبيوتهم والتفكير بالهجرة إلى الخارج، وأحياناً للخروج من دائرة القدس إلى المحافظات الأخرى، وهذا ما يتمناه الكيان الصهيوني لحسم  السيطرة على القدس وإخلائها من أصحابها.

يا جماهير شعبنا الفلسطيني

رغم زلزال التطبيع وتأثيراته السياسية، والديموغرافية، وضرب القيم القومية والوطنية والوجدانية والعقائدية، فإننا كشعب فلسطيني نمتلكُ مخزوناً هائلاً من التراث النضالي، والثوري، والعقائدي، والتاريخي، والسياسي منذ إنطلاقتنا، وهذا ما يؤهِّلنا اليوم للاستمرار في كفاحنا الوطني، مهما كانت الظروف، وخبرتنا النضالية هي رصيدنا في استلهام كافة الأساليب والوسائل والأدوات التي تعزِّز جبهتنا بوجه الاحتلال، وتمنحنا الحصانة، والثبات لحمل الأمانة من جيل إلى جيل .

إنَّ المواقف السياسية الوطنية التي عبَّرت عنها القيادة الفلسطينية بكل قوة  ثبات وعنفوان وطني، إنما هي عنوان المرحلة القادمة، والتي نقرأها في مواقف وتصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس المتماسك والثابت على الثوابت، والذي يقود المعركة من داخل المقاطعة، ومن قلب الحصار، ومن أرض الوطن، وهو يزرع فينا الأمل بالنصر القادم، وسنقاوم موحَّدين وعلى قلب رجلٍ واحدٍ، وليس أمامنا خيارُ آخر، فنحن المؤتمنون على أرض، ومقدسات وأهل فلسطين.

المجد والخلود لشهدائنا الابرياء

الحرية والمجدُ للأسرى

الشفاءُ للجرحى

وانها لثورة حتى النصر

قيادة حركة فتح في لبنان 

إعلام الساحة

14/8/2020