حفلت  المقاهي الالكترونية بكافة أشكال الشتم والإدانة، وبكافة أشكال اللوم وبالتفنن باطلاق المسميات والألقاب الشنيعة ضد هذا وذاك من القيادات الفلسطينية شمالاً ويمينًا أو من قادة العرب وشعوبنا أيضًا.

وكأن المقهى العالمي الالكتروني (فيسبوك) قد تحول إلى مختبر للعقد النفسية التي نحملها جميعًا، فنقوم بعملية التفريغ النفسي عبر الشتائم وكيل الاتهامات وتبرئة أنفسنا نحن من أي شيء، وهذه نقيصة من نقائص النفس الإنسانية.

حفل المقهي في مراحل متعددة بشتم هذا القائد الفلسطيني أو المسؤول أوذاك حين أساء ، بدلاً من نقد فعله أو موقفه وكأن التفرقة بينهما باتت عصيّة.

وحفلت الشابكة والمقهي الالكتروني بكافة أنواع التهم ضد حماس أو ضد حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح أوضد الشعبية، في تعبيرات التخدير للفلسطينيين والأمة التي تجعل من التنفيس فعلاً وإنجازًا، بدلاً من أن نقوم بالفعل أوالعمل  الحقيقي على الأرض.

وفي مراحل عديدة مارسنا التنفيس والشتم والاتهام لهذا الفصيل أو البلد أو القائد، وما كان لذلك أن يزحزح شخصًا أو دولة عن موقفها، فالأفعال المدروسة فقط هي التي تُحدث التغيير وليس الأقوال المنفلتة أو غير المرتبطة بفعل.

المبادرة العربية للملك عبدالله عام 2002 والرئيس عرفات -كان تحت حصاره الوضيع من مجرم الحرب شارون- وافق على المبادرة بحيث يكون تطبيقها من ألف إلى ياء وليس العكس.

 وهو ما كرره الرئيس أبومازن حين أكد التزامه بالمبادرة العربية بالترتيب الذي يعني تحقيق الاستقلال لدولة فلسطين ثم العلاقات الإسرائيلية مع المحيط.

لفّ الرئيس أبومازن العالم منذ العام 2006 حتى اليوم، وهو قد بحّ صوته في كل المحافل داعيًا لفهم مضمون الصراع العربي الإسرائيلي! وفكرة الدولة والاستقلال التي في ختامها تكون العلاقات، كما مبادرة العرب أنفسهم.

في فترة الصهيوني المتدين بالخرافات الرئيس الامريكي "ترامب" المؤمن بعودة مخلّصه من القدس! ولربما يكون هو "نتنياهو"، انحدر مستوى التعامل مع القضية الفلسطينية الى الحضيض مرتبطا بخرافات التوراة التي جعلت من "ترامب" يهدي القدس ل"ترامب" وكأنه يقوم بفعل إلهى كما قال نصًا، ثم كانت صفعته "لتحقيق الإزدهار" بين "الفلسطينيين"-هكذا- وبين "الشعب الإسرائيلي".

في المؤتمر الصحفي ل"نتنياهو" بالأمس بدا ضاحكًا مبتسمًا، وكأنه يعلن انتصارًا جديدًا على جثة الأمة العربية، التي لطالما أكد أنه يخترقها حتى العظم، وسيبقر بطنها، ويبول على وجهها ويحكمها كخليفة متوج للمسلمين والعرب!

 المؤتمر الصحفي لنتنياهو واتفاقه التطبيعي مع الإمارات اعتبره الوزير الإسرائيلي السابق أيوب قرا عيدًا للإسرائيليين وللسلام! واعتبرته الإذاعة الصهيونية الممثلة للدولة يوماً تاريخيًا.

نتنياهو في مؤتمره تنتفخ أوداجه حين يعلن جهرًا أنه هو من صنع مبادرة "ترامب" بلا مواربة، وأنه هو من بشّر مرارًا وتكرارً بهدم الجدار العربي من حول فلسطين ومن حول المبادرة العربية.

 أكد "نتنياهو" بلا أدني شك أنه يسعى لسلام مقابل سلام فقط! فلا سلام مقابل الأرض ولا سلام مقابل العدالة ولا سلام مقابل تحقيق المصير، ولا عجب من إرهابي ومخادع مطلقًا.

نتنياهو الشهير بالخداع والإرهاب والكذب، والساعي للخلافة على أمة العرب والمسلمين، هو نتياهو المحتل، والمتهم بقضايا فساد من جمهوره الذي يتظاهر يوميًا مطالبًا بعزله هو من أعاد التأكيد أن "يهودا والسامرة" بمفهومه التوراتي الخرافي السخيف أي الضفة الغربية هي جزء من الأرض التي يفترضها له، لذا فالضم للضفة الغربية (يهوده وسامرته) قد أجّلت لفترة ولكنها تظل قائمة لا شك لديه!

بكل بساطة قبل أن نلوم الظروف، أو أمريكا أو "إسرائيل" أو العرب نحن المقصرون!

رغم لاءات الرئيس أبومازن ال12  الشجاعة ضد أمريكا، والتي لم يسبق لها مثيل، ولم يجروء حاكم عربي واحد على مجاراتها، نحن المقصرون.

ونحن المقصرون حين تبعثر العرب بعيدًا عنا.

 ونحن المقصرون شعبًا، ووِحدانا وجماعات بتفرقنا بين القبائل السياسية التي تقاتلت على الغنائم والمعركة مازالت مستمرة.

ونحن المقصرون لافتقادنا الوحدة الجامعة، ولافتقادنا الاستراتيجية الشاملة حين قبلنا كفصائل أن نؤسر للمحاور الاقليمية التي تكذب علينا، فتكبّر وتصلي في غير مسجدنا.

ونحن المقصرون حينما لم نجعل الانتفاضة او المقاومة الشعبية عاصفة هادرة. ونحن المقصرون حين استبدلنا منطق الفعل والجهاد والنضال (بالمال والعقل والجُهد والتعبئة والتضحية بالنفس) بمنشورتحريضي سخيف على وسائل التواصل الاجتماعي.

لقد ذهب الزمن الذي كانت فيه فلسطين مهبط الأفئدة للعرب والمسلمين! ألم ندرك ذلك بعد! نحن المقصرون.

لقد حلّت المصالح الاقتصادية والعقلية الاستعمارية الاستهلاكية مكان القضية المركزية، التي لم تعد قيمتها لدى الكثيرين بمثل الاهتمام حد الشغف بنوع جهازهم النقال الذكي!

نحن المقصرون بين رواج روائح التكفير والتخوين والفساد بيننا، وبين متاهة الأولويات الصغيرة مقابل القضية المركزية، وبين عقلية الوظائفية الطاغية مقابل ضمور عقلية المناضل والثورة.

نحن المقصرون نعم، وهناك كثيرون أيضًا وعوامل وجهات ودول عديدة أخرى لن نتكلم فيها هنا الآن، ولكننا رغم كل ذلك نمتلك حرية التعبير وحرية النقد، ونمتلك الشجاعة والرباط والإقدام، ونمتلك عدالة القضية كما نمتلك وعد الله سبحانه وتعالى، ونمتلك الإيمان القاطع بحق فلسطين علينا بالتحرير، ونمتلك إرادة الفعل والنضال والجهاد والتغيير، وهذا أحد أهم مناهل القوة لدينا التي لم ولن تنضب بإذن الله.